خيارات المعارضة في الانتخابات الرئاسة التركية

رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (والبرلمانية) المقرر عقدها حزيران/يونيو المقبل ورغم شبه حتمية تبكيرها لتاريخ 14 مايو/أيار، فإن “الطاولة السداسية” المعارضة لم تعلن عن مرشحها للرئاسة بعد؛ وفي حين تقول الطاولة السداسية إن التأخير تكتيك مقصود منها، يرده كثيرون للخلافات بين رؤساء الأحزاب المنضوية تحتها.

الطاولة السداسية

أقر مجلس الأمة الكبير (البرلمان) التركي فكرة التحالفات الانتخابية بين الأحزاب السياسية قبيل انتخابات عام 2018، التي تواجَه فيها “تحالف الجمهور” الحاكم المكون من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير، و”تحالف الأمة” المعارض المكون من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي.

اجتمعت هذه الأحزاب الأربعة الأخيرة على فكرة العودة بالبلاد للنظام البرلماني ومعارضة أردوغان، وانضم لها لاحقا الحزبان اللذان انشقا عن العدالة والتنمية وأسسهما قياديان سابقان فيه: المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتراجعة تحديدا مع جائحة كورونا، وكذلك مع تراجع شعبية أردوغان وحزبه نسبيا بدأت الأحزاب الستة في اجتماعات تشاورية لترتيب أوراقها للاستحقاق المقبل، بسبب الخلافات والاختلافات بينها ولعوامل أخرى كذلك، لم تسم هذه الأحزاب نفسها “تحالفا”، بل اختارت اسم “الطاولة السداسية” الذي يحيل إلى التشاور والتنسيق بشكل أكبر ويوحي ضمنا بالتساوي بين الأحزاب.

ولهذا المعنى تحديدا، فإن الطاولة السداسية دائرية من دون رئيس أو قائد لها، ونظمت اجتماعاتها الدورية حسب الترتيب الأبجدي لأسمائها، منهية قبل ختام العام الماضي دورتها الأولى من 6 جولات حوار، وبادئة دورة جديدة وصلت بمجملها للاجتماع العاشر مؤخرا.

وفي البيان الذي أصدرته بعد الاجتماع الأخير، قالت الطاولة السداسية إنها توافقت على المرحلة الانتقالية والبرنامج الحكومي المرتبطين بآلية وكيفية الانتقال من النظام الرئاسي للبرلماني في حال فازت، وإنها ستعلن عنهما قبل نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.

وأشار البيان إلى أنها اتفقت على “بدء المشاورات بخصوص المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية”.

ورغم أن الأحزاب الستة لم تصل إلى اتفاق حول اسم مرشحها التوافقي فإنها أثارت الجدل بتصريحات أدلى بها بعض قيادييها -خصوصا داود أوغلو- حول كيفية إدارة الدولة بين المرشح المحتمل -إن فاز- وأحزاب الطاولة السداسية.

لكن الأكثر إثارة للنقاش والجدل ظل الخلافات البينية التي طفت على السطح مؤخرا، ولا سيما بعد الحكم القضائي بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حيث ظهرت حالة من التنافس وربما التراشق بخصوص موضوع الترشح بين الأخير ورئيس حزبه (الشعب الجمهوري) كمال كليجدار أوغلو من جهة، وبين الشعب الجمهوري والجيد (أكبر حزبين حول طاولة المعارضة) من جهة أخرى.

بل إن الخلافات والتراشقات تجاوزت الشخصين والحزبين إلى الأحزاب الأخرى، فقال باباجان إنه “مرشح مناسب وقادر على الفوز” في الانتخابات إن رشحته الطاولة السداسية، كما فُهِمَ من تصريحات داود أوغلو أنها تحذير مبطّن للأحزاب الكبرى في الطاولة السداسية بضرورة عدم تجاهل الأحزاب الصغيرة -ومن ضمنها حزبه- في المستقبل.

في كواليس أنقرة، يتحدث الجميع عن سيناريو تبكير الانتخابات وكأنها أمر حتمي حرصا على أوسع مشاركة ممكنة والفرصة الأفضل للعدالة والتنمية والرئيس أردوغان، وقد ألمح الأخير لتاريخ 14 مايو/أيار المقبل من دون أن يعلن ذلك رسميا. ولأنه هو من سيتخذ قرار التبكير في ظل تمنع المعارضة، فإن ذلك يتركها أمام فرصة شهرين فقط منذ لحظة إعلان أردوغان قرار التبكير، لتختار مرشحها وتعلنه وتبدأ حملته الانتخابية، وهي مدة قصيرة نسبيا تفرض على الطاولة السداسية أن تصل لاختيارها في أقرب وقت ممكن قبل اتخاذ الرئيس التركي القرار.

ما السيناريوهات المتاحة أمام الطاولة السداسية؟

حين نتحدث عن مرشح المعارضة، فإننا نقصد بشكل رئيس مرشح الطاولة السداسية، وإلا فإن بعض أحزاب المعارضة الأخرى ستقدم مرشحيها الخاصين بها، ومن بينها حزب الشعوب الديمقراطي الذي أعلن أنه بصدد ذلك، وأحزاب أخرى صغيرة لا سيما تلك المنشقة عن أحزاب كبيرة.

وفي ظل المعطيات السابقة، وإصرار رئيس حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- على ترشيح نفسه، ووجود معارضة بين أهم أركان الطاولة لذلك، تبدو أمام الأخيرة عدة سيناريوهات محتملة في المستقبل القريب:

السيناريو الأول هو اقتناع زعيم المعارضة كليجدار أوغلو بعدم ترشيح نفسه وتقديم مرشح آخر مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو أنقرة منصور يافاش، تحت وطأة معارضة الأحزاب الحليفة له وفي مقدمتها الحزب الجيد، أو تأثرا باستطلاعات الرأي التي تظهر أنه أضعف في مواجهة أردوغان من شخصيات أخرى، أو تحت ضغط أطراف أخرى مثل تيارات داخل حزبه أو غيرها.
السيناريو الثاني أن يضمن زعيم المعارضة دعم شركائه في الطاولة السداسية لترشيح نفسه، إما اقتناعا، أو بقوة قاعدته التصويتية، أو بإرضائهم عبر وعود أو ضمانات تتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات، في حال فاز.
وفي هذا الإطار ووفق هذا السيناريو، أتت تصريحات داود أوغلو عن استمرار الطاولة السداسية بعد الانتخابات، وعدم إبرام الرئيس المقبل -إن كان مرشح المعارضة- القرارات الإستراتيجية من دون موافقة رؤساء الأحزاب. وقد تكون الصيغة الأقرب -وفق هذا السيناريو- ترشح كليجدار أوغلو للرئاسة مع إعلان مسبق عن مناصب رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى كنواب للرئيس ووزراء.
السيناريو الثالث هو توافق الطاولة السداسية على مرشح واحد ولكن من خارج الأحزاب الستة، وهنا نكون أمام خيارين فرعيين: إما ترشيح شخصية سياسية قوية ومعروفة، مثل الرئيس الأسبق عبد الله غل ودعم جميع الأحزاب له، وهو ما يمكن أن ترجحه الأحزاب الصغيرة وخصوصا المحافظة منها، بينما لن يرغب فيه الشعب الجمهوري، وإما ترشيح شخصية غير حزبية بلا طموح سياسي كبير(Low profile)، بحيث تبقى خاضعة نسبيا للطاولة السداسية إن فازت.
السيناريو الرابع يتمثل في عدم قدرة الطاولة السداسية على التوافق على مرشح واحد قبل موعد الانتخابات، وبالتالي نكون أمام أكثر من مرشح منها، بل قد يقرر كل حزب أن يقدم مرشحه الخاص، بحيث تخوض المعارضة الانتخابات بعدة مرشحين من داخل الطاولة وخارجها، بهدف تحقيق حالة إشباع لأصوات الناخبين وتأمين مشاركة عالية وحرمان أردوغان من بعض الأصوات. ووفق هذا السيناريو فإن احتمال اللجوء لجولة إعادة سيتعزز نسبيا، وبالتالي تكون هذه الأحزاب قد أجلت النقاش والتفاوض وعقد الصفقات في ما بينها، ومع أحزاب معارضة أخرى، لما قبل جولة الإعادة، رغم ما في الأمر من مخاطرة لا تخفى على عين السياسي.

وبالنظر للجدل السياسي الحاصل في البلاد مؤخرا وتصريحات رؤساء الأحزاب الستة وقيادييها البارزين، يبدو أن السيناريو الثاني أكثر ترجيحا من الآخرين، أي أن يصر رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو على ترشيح نفسه بدعم من الأحزاب الخمسة الأخرى المنضوية تحت الطاولة السداسية. يتبعه، في المرتبة الثانية، السيناريو الرابع المتمثل في تقديم عدة مرشحين وانتظار جولة الإعادة -في حال حصلت- لتأمين دعم باقي الأحزاب لمن يحصل على أعلى الأصوات من بين مرشحي المعارضة.

وفي المرتبة الثالثة من حيث السيناريوهات الراجحة، يأتي خيار ترشيح شخصية من خارج الطاولة، ثم أخيرا خيار تراجع زعيم المعارضة عن ترشيح نفسه وتقديم أحد رؤساء البلدية للرئاسة.

ومن الجدير ذكره أن هذه السيناريوهات تفترض بقاء الطاولة السداسية قائمة وفاعلة مع حالة تنسيق بالحد الأدنى بين مكوناتها، وهو السياق المتوقع. بيد أن هناك احتمالا خامسا يتمثل في عدم قدرة الفرقاء الستة على التوافق وانفضاض الطاولة وتقديم عدة مرشحين عن هذه الأحزاب لكن بصورة منفصلة تماما، بما في ذلك سيناريو ترشيح شخصيات من خارج الطاولة، ولكن باسم بعض هذه الأحزاب وليس الطاولة نفسها، وفي مقدمة الأسماء الممكنة الرئيس الأسبق عبد الله غل. ولكن يبقى هذا الخيار ضعيف الفرص حاليا، إذ تدرك هذه الأحزاب أن فرصها تكاد تكون معدومة إن تفرقت وتشتتت أصواتها.

هذا على صعيد السيناريوهات المحتملة أمام الطاولة السداسية المعارضة، وأيها أعلى احتمالا ولماذا. أما عن فرص الفوز وفق كل سيناريو، فلا تتسع له مساحة المقال، وقد يكون موضوعا لمقال قادم.

بواسطة / سعيد الحاج 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.