تركياـ مقال للكاتب التركي سيف الدين غورسيل يشرح المفارقة عبر الأرقام والتحليل
في العادة، يؤدي تراجع فرص العمل إلى ارتفاع عدد العاطلين. لكن تركيا كسرت هذه القاعدة مجددًا، حيث أظهرت بيانات الربع الأول من 2025 انخفاضًا مزدوجًا في كل من عدد الموظفين وعدد العاطلين عن العمل، وهو ما لا يحدث إلا في حالات استثنائية مثل الحروب أو الجوائح الكبرى. ومع أنه لا حرب ولا جائحة حالياً، إلا أن الظاهرة تكررت كما حصل في مارس 2020، حين خرج الناس من سوق العمل بالكامل دون البحث عن بديل.
266 ألف وظيفة ضائعة… و183 ألف عاطل أقل
بحسب معهد الإحصاء التركي، فقد الاقتصاد 266 ألف وظيفة في الربع الأول من 2025، بينما تراجع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 183 ألفًا. النتيجة؟ تراجع معدل البطالة من 8.6% إلى 8.2% خلال ثلاثة أشهر فقط. لكن الأرقام تخفي خلفها سؤالًا كبيرًا: أين ذهب نحو نصف مليون شخص خرجوا من قوائم العاملين والعاطلين معًا؟
449 ألف شخص اختفوا من السوق… إلى أين؟
تحليل البيانات يشير إلى أن 219 ألفًا من هؤلاء انضموا إلى “القوى العاملة المحتملة”؛ أي أولئك الذين يريدون العمل لكنهم لا يبحثون عنه بسبب فقدان الأمل أو ظروف عائلية. لكن تبقى هناك فجوة غامضة تضم 230 ألف شخص لا يُعرف مصيرهم. الأرجح أنهم انسحبوا كليًا من سوق العمل، وهو ما يوصف بـ”الخمول الكامل”.
رجال ينسحبون بصمت من سوق العمل
المثير أن أغلب هؤلاء المنسحبين هم من الرجال، لكن الإحصاءات لا تقدم تفاصيل دقيقة حول أعمارهم أو مؤهلاتهم أو خلفياتهم المهنية. وإذا تكررت هذه الظاهرة في الفصول القادمة، فقد نتمكن من رسم ملامح هذا الانسحاب الجماعي وفهم أسبابه الحقيقية.
السوق راكدة والبطالة تنخفض… مؤقتًا؟
على مدى العام الماضي، تبدو الصورة أكثر غرابة: العمالة في الزراعة تنهار، والتوظيف في الصناعة والبناء ثابت، بينما قطاع الخدمات فقد 110 آلاف وظيفة في آخر ستة أشهر فقط. ومع ذلك، عدد العاطلين عن العمل انخفض بمقدار 245 ألفًا. والنتيجة: انخفاض معدل البطالة الرسمي بمقدار 0.6 نقطة مئوية.
بطالة “ضيقة” تنخفض و”واسعة” ترتفع
بينما تعكس الأرقام الرسمية تحسنًا ظاهريًا في البطالة، إلا أن معدل البطالة الموسّع، الذي يشمل المحبطين ومن يعملون أقل من طاقتهم، ارتفع من 17.4% إلى 19.6% خلال عام. في المقابل، توسعت فئة “القوى العاملة المحتملة” من 3.7 ملايين إلى 5 ملايين شخص.
ختامًا: هذه تركيا!
كما يقول الكاتب سيف الدين غورسيل، فإن فهم سوق العمل التركي يتطلب أكثر من تحليل للبيانات؛ يحتاج إلى التعمق في الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. ففي بلدٍ كتركيا، “ليس من السهل فهم ما يحدث، تمامًا كما ليس من السهل التنبؤ بما سيحدث”.
ترجمة وتحرير تركيا الآن