دعا وزير الدفاع التركي يشار غولر إلى دمج ما تُعرف بقوات “قسد” في الجيش السوري، بعد تطهيرها من العناصر الإرهابية.
وجاء ذلك في تصريحات أدلى بها خلال لقائه ممثلين عن وسائل الإعلام، السبت، في مقر وزارة الدفاع بالعاصمة أنقرة.
وأشار غولر إلى أن تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا، إلى جانب مكافحة التنظيمات الإرهابية، يُعدّان من القضايا البالغة الأهمية من منظور الأمن القومي التركي.
ولفت غولر إلى وجود “تواصل وثيق وتنسيق قوي وتعاون بنّاء” بين تركيا وسوريا، مشيرًا إلى أن الأخيرة بلغت، بعد معاناة طويلة، عتبة مهمة في مسيرتها نحو التعايش السلمي وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي.
وقال إن اتفاق 10 مارس/ آذار 2025، الموقّع بين حكومة دمشق و”قسد”، أُعدّ في إطار مبدأ “دولة واحدة وجيش واحد”، إلا أنه “لم يلقَ حتى الآن صدى أو انعكاسًا عمليًا على أرض الواقع، ولم يدعم بخطوات ملموسة”.
وأكد ضرورة أن تتم عملية دمج “قسد” في الجيش السوري وفق خريطة طريق واضحة، وجدول زمني محدد وملزم وقابل للتنفيذ، بدل إدارة هذه المرحلة عبر “عبارات غامضة لا نهاية لها”.
وشدد غولر على أن دمج “قسد” يجب أن يتم بعد فصلها عن العناصر الإرهابية وتطهيرها منها، وتخليها عن الخطاب الانفصالي واللامركزي.
كما أشار إلى ضرورة التزام “قسد” بالسلطة المركزية، والقضاء الكامل على أي هياكل أمنية موازية على أرض الواقع.
وذكر أن تركيا تتابع عن كثب، وبكل دقة واهتمام، المستجدات المتعلقة بهذا الملف منذ البداية.
وفي معرض رده على سؤال صحفي، قال غولر إن خطط تركيا جاهزة للتعامل مع أي تطور يتعلق بدمج “قسد” في الجيش السوري.
وأضاف أن تركيا تمتلك القدرة والقوة الكافية لتنفيذ اليوم ما قامت به سابقًا في سوريا.
وأكد أن الحكومة السورية ستتولى في المقام الأول تطوير المبادرات اللازمة لضمان الوحدة والتكامل في البلاد، مشددًا على دعم أنقرة لجهود دمشق في هذا المسار.
إلى ذلك، قال الوزير التركي إن المباحثات مع الجانب الأميركي بشأن دمج «قسد» في الجيش السوري ما زالت مستمرة، مشيرًا إلى أن قناعات واشنطن بهذا الخصوص «تغيّرت إلى حدّ كبير»، وأن الخلافات في وجهات النظر بين الطرفين تقلّصت بشكل ملحوظ.
وشدد غولر على أن دمج «قسد» في الجيش السوري أمر حتمي، مؤكدًا في الوقت ذاته أن هذا الدمج لن يتم بصورة كلية وجماعية كما تطالب به «قسد»، بل سيكون على أساس فردي.
وعن خيارات أنقرة في حال لم تثمر الجهود الرامية إلى دمج «قسد» في الجيش السوري، أوضح غولر أن تركيا نفذت منذ عام 2016 العديد من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، رغم وجود الولايات المتحدة وروسيا هناك.
وأضاف: “قمنا بما كان ينبغي علينا فعله من دون أن نسأل أحدًا، وفي المرحلة المقبلة أيضًا، إذا دعت الحاجة، سنفعل ما يلزم من دون أن نسأل أحدًا”.
وفي سياق متصل، أعلن غولر تدمير 732 كيلومترًا من الأنفاق في سوريا، منها 302 كيلومتر في تل رفعت، و430 كيلومترًا في منبج بريف محافظة حلب شمال غربي البلاد.
وأوضح أن تركيا تتابع كذلك أنشطة التنظيمات الإرهابية المرتبطة بحفر الأنفاق في محافظتي الرقة ودير الزور شمال شرقي سوريا.
وفي 10 مارس/ آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع وزعيم تنظيم “قسد” فرهاد عبدي شاهين، المعروف باسم “مظلوم عبدي”، اتفاقًا يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي البلاد ضمن إدارة الدولة، إلا أن التنظيم لا يزال يماطل في تنفيذ بنود الاتفاق.
وعلى صعيد آخر، قال الوزير التركي إن النهج الذي تتبعه إسرائيل في سوريا يقوم على التحريض ضد دمشق، واستخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة عبر جهات غير حكومية، محذرًا من أن هذا السلوك يضر بالتوازنات الهشة في المنطقة ويعمّق حالة عدم الاستقرار.
ونفى غولر صحة ما تروّج له إسرائيل عبر توظيف خطاب الكراهية وتصوير تركيا على أنها تهديد للمنطقة، مؤكدًا أن تركيز أنقرة ينصب على صون الاستقرار ومكافحة الإرهاب في إطار القانون الدولي.
وأضاف أن النهج العسكري الإسرائيلي المستمر في زعزعة الاستقرار، والرؤية التي تسعى إسرائيل إلى فرضها على سوريا، يشكلان تهديدًا يؤثر بشكل مباشر في الأمن القومي التركي.
ودعا غولر إسرائيل إلى إدراك أنها لا تستطيع معالجة هواجسها الأمنية من خلال مهاجمة سوريا وزعزعة استقرارها، بل عبر إقامة علاقات مع الإدارة السورية الجديدة على أساس التعاون، ووفق مبادئ حسن الجوار والمعاملة بالمثل.
وفي سياق آخر، قال الوزير التركي إن مسار “تركيا بلا إرهاب” يُعد عملية بالغة الأهمية ومتعددة الأبعاد، لا تسهم فقط في تعزيز أمن تركيا، بل أيضًا في دعم السلام والاستقرار الإقليميين.
وأضاف أن تركيا تدير هذا المسار حاليًا بتنسيق كامل مع جميع مؤسساتها المعنية.
كما أفاد غولر بارتفاع عدد عناصر تنظيم “بي كي كي” الإرهابي الذين سلّموا أنفسهم عقب قرار التنظيم حلّ نفسه.
وأوضح أنه منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم، سلّم 105 من عناصر “بي كي كي” أنفسهم، فيما بلغ عدد الذين سلّموا أنفسهم منذ إعلان التنظيم حلّ نفسه 69 عنصرًا.
وفي 12 مايو/ أيار الماضي، أعلن تنظيم “بي كي كي” الإرهابي قراره حلّ نفسه وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، المحكوم بالسجن المؤبد في تركيا.
وفي 11 يوليو/ تموز الفائت، دمرت مجموعة من عناصر التنظيم أسلحتها في مدينة السليمانية العراقية، فيما أعلن التنظيم في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 بدء انسحاب عناصره المسلحة من داخل تركيا إلى العراق.
وبيّن غولر أن الجيش التركي يواصل، داخل البلاد وخارجها، عمليات التمشيط والبحث الميداني، وتفتيش الكهوف والمخابئ والملاجئ التي كان يستخدمها التنظيم الإرهابي، إضافة إلى تدمير الألغام والعبوات الناسفة التي يتم العثور عليها.
وختم بالقول: “لن نسمح لأي تنظيم إرهابي، وعلى رأسه (بي كي كي/ واي بي جي/ قسد)، بأن يترسخ في المنطقة أو أن ينشط تحت مسميات مختلفة”.
** العلاقات التركية العراقية
وفي سياق آخر، أوضح غولر أن العلاقات بين أنقرة وبغداد شهدت خلال الفترة الأخيرة زخمًا إيجابيًا، تجلّى في الزيارات المتبادلة على مستوى الوفود الرسمية، إضافة إلى الاتفاقيات التي جرى توقيعها بين الجانبين.
وأشار إلى وجود تفاهم مشترك بين أنقرة وكلٍّ من الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان شمالي العراق، بشأن تطهير المنطقة من الإرهاب.
وكشف أن المرحلة المقبلة ستشهد مواصلة التعاون والتنسيق بين البلدين، في إطار تحقيق هدف إقامة “منطقة خالية من الإرهاب”.
** العلاقات مع الدول الإفريقية
وتطرق غولر إلى أنشطة ومهام القوات المسلحة التركية في مجال ترسيخ السلام والاستقرار والأمن، إلى جانب أنشطة التدريب العسكري والاستشارات المقدمة للدول الصديقة والحليفة.
وقال إن الجيش التركي يواصل أنشطته في ليبيا في مجالات التدريب العسكري والدعم والتعاون والاستشارات، في إطار الهدف المتمثل في إقامة “ليبيا موحدة” تنعم بوحدة أراضيها وتماسكها السياسي، وتعيش في أجواء من السلام والطمأنينة والاستقرار.
وأفاد بتحقيق تقدم ملموس نحو هدف “ليبيا الموحدة”، بفضل الحوار والجهود التي تنخرط فيها أنقرة مع جميع الأطراف الليبية، ضمن سياسة قائمة على مبادئ واضحة.
ومضى قائلا: نولي أهمية كبيرة لسلام واستقرار إفريقيا، ونعمل على تطوير علاقاتنا مع أصدقائنا الأفارقة يومًا بعد يوم، على أساس الاحترام المتبادل والثقة.
– تطورات بحر إيجة وشرق المتوسط
وفيما يتعلق بالتطورات في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، حذّر الوزير التركي من أن أي محاولة تهدف إلى إقصاء أنقرة عن هاتين المنطقتين، أو إلى تجاهل حقوقها ومصالحها المشروعة، محكوم عليها بالفشل.
وأضاف أنه، في هذا الإطار، تدافع أنقرة بالقدر نفسه من الحساسية عن حقوق ومصالح جمهورية شمال قبرص التركية، مبينًا أن الطريق الوحيد للتوصل إلى حل عادل ودائم ومستدام في الجزيرة القبرصية يتمثل في الاعتراف بالمساواة في السيادة، وبالوضع الدولي المتكافئ لقبرص التركية، وذلك في إطار حل يقوم على مبدأ الدولتين.
ويُذكر أن قبرص تعاني منذ عام 1974 انقسامًا بين شطر تركي في الشمال وآخر روماني في الجنوب، فيما رفض القبارصة الروم عام 2004 الخطة التي قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.
وأوضح الوزير التركي كذلك أن بلاده تواصل أنشطتها في بحر إيجة وشرق المتوسط بما ينسجم مع مصالحها الوطنية، مع تبني موقف بنّاء ومسؤول يستند إلى قواعد القانون الدولي.
وأشار إلى أن أنقرة وأثينا تواصلان منذ فترة طويلة “جهودًا صادقة” تهدف إلى حل القضايا الثنائية عبر الحوار والدبلوماسية، والعمل على تحويل بحر إيجة إلى منطقة سلام وتعاون.
وشدّد غولر على أن القوات المسلحة التركية لا تشكّل تهديداً لأي طرف لا يهددها، لكنها تمتلك في الوقت ذاته القوة والعزم الكافيين للتصدي لأي تهديد يستهدف تركيا.
كما حذّر من أنشطة التسلح والتعاون العسكري والسياسي التي تسعى إليها قبرص الرومية مع أطراف إقليمية أو خارجية، موضحًا أن هذه الممارسات لا تخدم مناخ السلام في الجزيرة، بل على العكس تسهم في تصعيد التوتر وزيادة حدة الاستقطاب.
وأكد أن تركيا، بصفتها دولة ضامنة، كانت ولا تزال عازمة على اتخاذ جميع التدابير العسكرية والسياسية اللازمة لحماية حقوق ومصالح القبارصة الأتراك المشروعة.
وردًا على سؤال صحفي حول ما إذا كان توقيع اتفاقيات بين اليونان وإسرائيل وقبرص الرومية يشكّل تهديدًا لتركيا، نفى غولر ذلك، موضحًا أن بلاده بدورها توقّع اتفاقيات مع العديد من الدول دون أن تكون موجهة ضد دولة بعينها.
وفي تعليقه على الأنباء المتداولة بشأن نية اليونان وقبرص الرومية نشر أنظمة دفاع جوي إسرائيلية في الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة، شدد الوزير التركي على أن هذه الجزر مصنّفة قانونيًا كجزر منزوعة السلاح، ولا يجوز تسليحها وفق القوانين والاتفاقيات الدولية.
وأكد في ختام حديثه أن أنقرة تقوم بالتحضيرات والتدابير اللازمة للتعامل مع هذا الملف بما يحفظ حقوقها وأمنها القومي.
– اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
إلى ذلك، لفت غولر إلى الدور الذي اضطلعت به تركيا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، من خلال نشاطها الدبلوماسي والإنساني المكثف في المحافل الدولية.
وأكد أن ضمان ديمومة وقف إطلاق النار في غزة يبقى مرهونا بتطبيق آليات ضمان عادلة وفعّالة، سواء على أرض الواقع أو على طاولة المفاوضات.
وأضاف أن الهجمات التي تشنها إسرائيل بين الحين والآخر تمثل انتهاكا واضحا لاتفاق وقف إطلاق النار، وتسهم في عرقلة مسار التقدم وتقويض فرص تثبيته، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم ومسؤول لمنع هذه الانتهاكات.
وجدد غولر استعداد تركيا، بكامل مؤسساتها، لتقديم جميع أشكال الدعم وعلى مختلف المنصات، سواء عبر المشاركة في الأنشطة الإنسانية في قطاع غزة، أو الإسهام في المبادرات الأمنية، أو من خلال العمل على جهود إعادة إعمار القطاع.
وتابع قائلا: إن تركيا، وانطلاقا من مسؤوليتها التاريخية والإنسانية تجاه غزة، مستعدة دائما للقيام بكل ما يقع على عاتقها من واجبات.
– التطورات في البحر الأسود
وفيما يخص الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، قال غولر إن البحر الأسود لا يزال يحافظ على حساسيته العالية من حيث الأمن والاستقرار الإقليميين، في ظل هذه الحرب المتواصلة منذ سنوات.
وأكد أن تركيا تواصل تطبيق اتفاقية “مونترو” الخاصة بالمضائق بكل حياد ودقة، ومن دون أي تنازلات، إلى جانب استمرارها في اتخاذ التدابير اللازمة لضمان أمن مناطقها البحرية وحماية منشآتها الحيوية.
وفي تعليقه على إسقاط تركيا طائرات مسيّرة مؤخرا داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، أوضح غولر أن هذه التطورات تعكس بوضوح أن تحقيق بيئة مستقرة وآمنة في المنطقة يتطلب إرساء سلام دائم وشامل.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية مونترو، الموقعة عام 1936، تنظّم مرور السفن الحربية التابعة للدول غير المشاطئة للبحر الأسود عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور، وتشترط إخطار تركيا قبل 15 يوما من العبور، مع تحديد مدة بقاء هذه السفن في البحر الأسود بما لا يتجاوز 21 يوما.
ويُذكر أن تركيا أعلنت في 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري إسقاط طائرة مسيّرة فوق مجالها الجوي قادمة من جهة البحر الأسود.
