حلم قديم كان يراودها وتحول إلى واقع بعد سنوات من الجهد والتدريب المكثف.. كلشاه سرت، إحدى أوائل الطيّارات المدنيات التركيات المحجبات، روت قصة مسيرتها المهنية وما واجهها من صعوبات.
وقالت سرت، إن زملاءها يكتشفون مع الوقت أن الجميع تلقّى التدريب نفسه ويتحدث اللغة المهنية ذاتها.
وأضافت: “حين نبدأ العمل معًا يدركون أننا نحمل الكفاءة نفسها. ومع المعرفة والتعامل المباشر، تختفي جميع الأحكام المسبقة”.
** الحلم المؤجل
وُلدت كلشاه سرت ونشأت في إسطنبول، حيث أنهت تعليمها الابتدائي والإعدادي. وبعد حصولها على منحة الدراسة في مدرسة داخلية مجانية، دخلت سوق العمل في سن مبكرة بتوجيه من عائلتها.
ثم تخرّجت من ثانوية المهن الصحية، وبعدها عملت موظفة في القطاع الحكومي، وهي مرحلة وصفتها بأنها كانت ضرورية لكنها أبعدتها مؤقتًا عن حلمها الأساسي، وفق قولها.
وأوضحت سرت أن حلمها بأن تصبح طيّارة ظل مؤجَّلًا لسنوات بسبب القيود التي كانت مفروضة على ارتداء الحجاب في مجالات التعليم والعمل حتى مطلع العقد الماضي.
وفي 2013، دخل قرار رفع حظر ارتداء الحجاب في جميع المؤسسات الحكومية التركية، باستثناء القضاء والجيش والشرطة، حيز التنفيذ رسميا، ضمن حزمة إصلاحات ديمقراطية أعلن عنها رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، وتبعه لاحقا رفع حظر الحجاب على الطالبات والعاملات في مجالات أخرى.
وأضافت أن رفع تلك القيود فتح الباب أمامها لتحقيق حلم الطفولة، قائلة: “كانت سنوات لم نستطع فيها الدراسة كما نريد. وبعد رفع هذه القيود، بجهود من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأت مرحلة طبيعية من الحياة، وأصبح بإمكاني الالتحاق بتدريب الطيران”.
** رحلة شاقة
وبينما كانت تواصل عملها الحكومي في إسطنبول، التحقت سرت بمدرسة طيران مقرها في ولاية أضنة (جنوب)، واضطرت إلى إعادة تنظيم حياتها بالكامل للتوفيق بين العمل والتدريب.
وأشارت إلى أنها كانت تعمل بنوبات ليلية وتستثمر كل وقتها المتاح في الدراسة والطيران، مبينة أن طريق الطيران “لا يحتمل التراخي أو التهاون”.
ووفق سرت، فإن الحصول على رخصة الطيران يتطلب ما لا يقل عن 215 ساعة طيران، تشمل رحلات تدريبية مع مدرّبين وأخرى فردية.
و”المرحلة الأصعب”، بحسب سرت، كانت الاختبارات النظرية للطيران التجاري، التي تتألف من 14 مادة، مشيرة إلى أن الفشل في مادة واحدة، يعني إعادة جميع المواد من جديد.
وقالت: “هذا التحدي دفع كثيرين إلى التوقف في منتصف الطريق، لكنه يتطلب صبرًا وإصرارًا كبيرين”.
** تدريب الأجيال
وبعد استكمالها رخص الطيران التجاري والطيران الآلي والطائرات متعددة المحركات، حصلت سرت على رخصة مدرّبة طيران.
وخلال فترة جائحة كورونا، ومع تباطؤ التوظيف في شركات الطيران، اتجهت إلى العمل كمدرّسة طيران، حيث قامت بتدريب مئات الطيارين في مدارس مختلفة.
وفي هذا الإطار، أكدت سرت أنها تحرص على نقل الخبرة بالطريقة نفسها التي تلقتها من مدرّبيها، معتبرة أن التعليم مسؤولية لا تقل أهمية عن ممارسة المهنة ذاتها.
** الريادة مسؤولية
وتحدثت سرت عن كونها من أوائل الطيّارات المحجبات في تركيا، مشيرة إلى أن هذا الأمر يحملها مسؤولية إضافية.
وقالت إن بعض المواقف التي واجهتها كانت ناتجة عن الدهشة أو عدم الاعتياد، لكنها كانت تزول سريعًا مع العمل المشترك، مؤكدة أن الكفاءة المهنية تفرض نفسها في النهاية.
وقدّرت سرت عدد الطيارين في تركيا بأكثر من 25 ألفًا، في حين لا يتجاوز عدد النساء ألفي طيّارة، معتبرة أن هذه النسبة مرشحة للتغيير مع ازدياد الوعي والنماذج الملهمة.
ووجّهت رسالة مباشرة للفتيات والنساء الراغبات في دخول عالم الطيران، قائلة: “هذه المهنة لا تُبنى على الحماس المؤقت، بل على الانضباط والعمل المستمر وإتقان اللغة الإنكليزية. من تملك هذه المقومات، فلا تتردد”.
وختمت حديثها بالقول: “إذا وضع الإنسان هدفًا واضحًا أمامه وسعى إليه بإصرار، فلا يوجد مستحيل”.
