في 2020، توفي علي، شقيق سومبول تاراكجيلار البالغ من العمر 40 عامًا، في هامبورغ بعد معاناة طويلة مع المرض. وعلى عكس عادة معظم أقاربه الذين دُفنوا في تركيا، كان علي يرغب في دفنه في ألمانيا، البلد الذي عاش فيه معظم حياته حيث يمكن لأطفاله الصغار زيارته بانتظام.
بعد وفاته، طلبت أخته من البلدية المحلية تخصيص قبر له، لكنها واجهت قائمة انتظار طويلة في جميع المقابر الثلاثة التي تضم أقسامًا للمسلمين، دون معرفة موعد توفر مكان للدفن. قالت سومبول: “تشعر وكأن قريبك يعذب هناك، وتشعر بأنك تُعذب أيضًا، تشعر بالذنب”.
يواجه المسلمون في أوروبا، التي يقدر عددهم بأكثر من 25 مليون نسمة، أزمة متصاعدة في دفن موتاهم. فالأقارب في دول مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا يضطرون إما لدفع آلاف اليوروهات لإعادة جثامين موتاهم إلى بلدان ذات أغلبية مسلمة، أو انتظار أماكن دفن نادرة تتوافق مع الطقوس الإسلامية، كدفن الأجساد في أكفان وعموديتها باتجاه مكة.
دراسة أعدها أوزغور ألوداغ، مدير مؤسسة دفن في هامبورغ، أوضحت أن الجيل الأكبر سناً يفضل الدفن في بلدانهم الأصلية، بينما يختار الشباب دفنهم في أوروبا لتمكين عائلاتهم من زيارة قبورهم بسهولة، إلا أن ندرة الأماكن تضطر العائلات للانتظار أو الدفن في مواقع بعيدة.
ولا توجد بيانات موحدة على مستوى أوروبا حول أماكن دفن المسلمين، إذ تتفاوت المعلومات حسب البلديات أو الأبرشيات، وتتباين الأعداد بحسب حجم المجتمعات. فمثلاً، هامبورغ تضم خمسة مقابر ذات أقسام للمسلمين، بينما بلدة جيستلاند تبعد 100 كيلومتر فقط ويخصص لها 4 قبور فقط.
تحدث خبراء في مجال الدفن من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة عن تصاعد المشاكل المتعلقة بندرة الأماكن وتكاليف الدفن، إضافة إلى تعرض بعض القبور لأعمال تخريبية من قبل متطرفين يمينيين. ويتوقع أن يتضاعف عدد المسلمين في أوروبا بحلول عام 2050، مما يستوجب إيجاد حلول عاجلة لأزمة الدفن.
تُعد الجالية التركية في ألمانيا الأكبر بين المسلمين، وتم تطوير نظام متكامل لإعادة جثامين الموتى إلى تركيا بسرعة وكفاءة، بالتعاون بين المساجد والسفارة التركية وخطط تأمين متخصصة تحمي العائلات من التكاليف الباهظة. وفي المقابل، تعاني الجاليات المسلمة الأخرى من نقص في البنية التحتية، مما يزيد الضغط على الأماكن المتاحة في ألمانيا.
يوجد في ألمانيا 327 مقبرة تخدم 5 ملايين مسلم، معظمها أقسام ضمن مقابر مسيحية، ما يجعل عملية الدفن مرتبطة بجداول عمل تلك المقابر. على سبيل المثال، الوفاة يوم الجمعة تعني غالبًا تأخير الدفن حتى الثلاثاء بسبب إغلاق عطلة نهاية الأسبوع. كما تمنع بعض البلديات دفن الموتى في الأكفان، ما يضطر العائلات للسفر لمسافات طويلة للعثور على أماكن مناسبة.
توضح القوانين الأوروبية، ومنها في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، حرية المعتقد الديني التي تضمن حق المسلمين في دفن موتاهم وفق معتقداتهم. ومع ذلك، يواجه المسلمون عقبات كبيرة. ففي إيطاليا واليونان، تقتصر معظم القبور على الطوائف المسيحية، ويعاني عدد كبير من المقابر من نفاد المساحات. أما في فرنسا، فالقوانين العلمانية تمنع وجود مقابر خاصة للمسلمين سوى في مناطق محدودة مثل ستراسبورغ.
وفي إسبانيا، رغم وجود أقدم قبور إسلامية في أوروبا منذ القرن الثالث عشر، لا تتوفر إلا 35 مقبرة من أصل 17,850 بها أقسام للمسلمين. وهناك خمس مناطق لا تتوفر فيها أي مقابر للمسلمين، منها أستورياس وكانتابريا وغاليسيا. وعندما توفيت طفلة لحسن فال، المهاجر المغربي المقيم في مدريد، واجه عائلتها صعوبة كبيرة في إيجاد مكان للدفن، إذ كان أقرب مقبرة في جريغنون ممتلئة، بينما تكلفة إعادة الجثمان إلى المغرب تفوق قدراتهم المالية.
رئيسة جمعية “دفن كريم” في مدريد، ميسون دوّاس، التي تأسست عام 2023 للدفاع عن حقوق المسلمين في دفن يتناسب مع معتقداتهم، قالت إن المقابر الإسلامية التي توجد اليوم هي نتيجة نضالات سياسية سابقة، لكنها تنتقد غياب الإرادة السياسية الحالية لحل أزمة الأماكن.
في غاليسيا، تحاول الجمعيات الإسلامية منذ 2016 شراء أرض لإنشاء مقبرة خاصة، لكنها تواجه عراقيل بيئية وإدارية، فضلاً عن مخاوف سياسية من خسارة الأصوات. عبد العزيز أزيري، رئيس المركز الثقافي الإسلامي في فيغو، أكد أن الجيل الجديد من المسلمين يُعتبر غاليسيا وطنهم، ويجب احترام حقهم في الدفن قرب عائلاتهم.
تحاول بعض المقابر الخاصة تلبية هذه الحاجة، مثل مقبرة السلام في فالنسيا التي تقدم أسعارًا تنافسية، حيث تبلغ تكلفة الدفن الدائم للبالغ 3,100 يورو، مع خيار تأجير لمدة خمس سنوات مقابل 1,089 يورو، مع تخفيض رسوم الصيانة السنوية للمسلمين.
ويُعد إقليم كاتالونيا الأشد تركزًا للمسلمين في إسبانيا، إذ يضم برشلونة وحدها نحو 300 ألف مسلم، لكنها توفر فقط 330 مقبرة إسلامية، مع خطة لإنشاء 186 قبرًا إضافيًا. مدير مقابر برشلونة ميكيل تربات سلِس قال إن تلبية الطلب مرتبط بالإرادة السياسية وتوفر المساحات، موضحًا أن الاستمرارية في تقديم هذه الخدمات تشكل تحديًا للبلديات.
ترجمة وتحرير تركيا الان عن موقع: Hyphen
