بينما تهرب المدن التركية من حر الصيف، يلوذ سكان قضاء أكسيكي في أنطاليا بهضبة تشيمي على ارتفاع 1900 متر فوق سطح البحر، ليجدوا هناك ما يفوق أجهزة التبريد الحديثة: “ثلاجات طبيعية” حُفرت في قلب الجبل وامتلأت بثلوج الشتاء، لتبقى باردة طوال شهور الحر دون الحاجة إلى كهرباء.
حفرة بعمق 40 مترًا.. برودة لا تغيب
في تشيمي يايلاسي كويو، إحدى المناطق التابعة للهضبة، تنتشر حفر يصل عمقها إلى 40 مترًا، ظلت لقرون تُستخدم كمخازن طبيعية لحفظ الجبن، الزبدة، الزبادي، وحتى اللحوم. تتراوح درجات الحرارة داخل هذه الحفر بين صفر وخمس درجات مئوية، ما يسمح بتخزين المنتجات دون أن تفسد طيلة الصيف، بل ويُقال إن مذاق الجبن المخزَّن هنا لا يُضاهى.

يقول حسن أريجي، الذي اعتاد زيارة الهضبة منذ طفولته قادمًا من منطقة مانافغات:
“يبلغ عمق هذه الحفرة حوالي 40 مترًا من نقطة الدخول، لكن موقعها أعلى الجبل يجعل المسافة الإجمالية من القمة نحو 80 إلى 85 مترًا. الطريق إلى الأسفل ضيق، لا يتجاوز عرضه مترًا واحدًا، لكن من يصل إلى القاع يجد نفسه في قلب ثلاجة طبيعية.”

من الثلج.. ماء بارد لأهل الهضبة
لا تقتصر وظيفة الحفر على حفظ الطعام. ففي ظل انعدام الكهرباء، يُعد الثلج المكدّس داخلها مصدرًا رئيسًا لماء الشرب البارد. يحمل السكان قطعًا من الثلج إلى منازلهم الخشبية المنتشرة في الهضبة، ليذيبوها ويستخدموها كمياه صالحة للشرب.
تقليد أبدي في عالم متغيّر
عند قدوم شهر مايو، يبدأ الرعاة وسكان الهضبة بتخزين الجبن والزيت في الحفر. تُوضع المنتجات في حاويات خاصة، ويظل كل منها مميزًا باسم صاحبه حتى موعد مغادرة الهضبة في أكتوبر أو نوفمبر.
يؤكد أريجي أن هذا التقليد لم يتغير منذ مئات السنين، ويضيف:
“نأخذ جبننا وزيتنا من الحفرة عند العودة من الهضبة، وكل شخص يعرف ما يخصه. لم يحدث أن أخذ أحدهم منتج شخصٍ آخر. الأمر هنا يعتمد على الأمانة والتقاليد.”
أكواخ على ارتفاع شاهق.. وحياة بدائية طوعية
في غياب شبكات الكهرباء والتبريد، يعيش سكان الهضبة في أكواخ خشبية بسيطة، ويربّون ماشيتهم في المراعي الخضراء المحيطة. أما الزوار من المناطق السهلية، فيشترون منتجات الألبان واللحوم الطازجة من الرعاة المحليين، ويحتفظون بها في الحفر ذاتها.
هكذا، وسط جبال طوروس، يستمر نمط حياة بدائي في جوهره، لكنه حديث بمعاييره البيئية: لا انبعاثات، لا طاقة مهدورة، وتبريد نقي يعتمد على الطبيعة وحدها.
قصة تتحدى الزمن
تشيمي ليست مجرد هضبة صيفية، بل مرآة لعلاقة الإنسان بالأرض، حيث تتوارث الأجيال تقاليد التخزين الطبيعي وتستفيد من قسوة الشتاء لتنجو من حر الصيف. في عالم يتسارع نحو الحداثة، تقدم هذه الحفرة العميقة درسًا عميقًا عن البساطة، والثقة، والاحترام المتبادل.
من تحت الثلوج المتراكمة منذ شتاء مضى، ينهض صيف بارد على طريقة الأجداد.
ترجمة وتحرير تركيا الآن
