تركيا قادرة على تدمير داعش من دون دعم الولايات المتحدة

سردار كاراغوز
ديلي صباح

بعد مرور عدة أيام على انفجارات ولايتي نيويورك ونيوجيرسي، خرجت هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، أمام عدسات الكاميرا لتعبر عن مدى جديتها في الحرب على الإرهاب. وبعد أن تعهدت بحماية نيويورك –التي كانت مأخوذة بحالة من الرعب والقلق- من خطر الإرهاب عرجت فجأة على الحديث حول سوريا. وفي حديثها، الذي كان من الواضح أنه أعد مسبقاً بشكل جيد، أعلنت كلينتون أنه الولايات المتحدة سوف تزيد تحت إدارتها من دعمها للأكراد في سوريا في مواجهة داعش. مع أن هذا التعهد لا يعني شيئاً للناخب الأمريكي العادي الذي قد لا يستطيع على الأغلب تحديد موقع سوريا على الخارطة، فإن رسالة كلينتون تستهدف طرفاً آخر. وهل يمكن بأي طريقة أخرى تفسير حديثها الذي بدء بطمأنة الأمريكيين بعد انفجار قنبلة في الولايات المتحدة وانتهى بوعود دعم الأكراد في سوريا؟!

لقد عبرت كلينتون في حديثها عن موقفها إزاء الحرب الخفية بين السي آي إيه والبنتاغون حول الأطراف التي يجب دعمها في سوريا، وهو ما تحدث عنه الإعلام الأمريكي، ومنه صحيفة النيويورك تايمز، لتقف إلى صف البنتاغون الذي واصل خلال الفترة الماضية إرسال الأسلحة والمعدات إلى تنظيم “ب ي د”، الذي يعتبر الجناح السوري لتنظيم بي كا كا المصنف على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن خلال إعلانها التأييد العلني لسياسات البنتاغون الخارجية خاصة في الشأن السوري، تكون بذلك قد أرسلت رسالة إلى وكالات الاستخبارات الأمريكية التي تعتبرها المسؤولة عن فضيحة الرسائل الإلكترونية التي ما لبثت تلاحقها منذ أن أعلنت نيتها الترشح لمنصب الرئاسة.

وعلى الرغم من لغتها العسكرية، إلا ان الولايات المتحدة تحت إدارة كلينتون لن تكون سوى امتداد لسياسات إدارة أوباما غير الفاعلة. يبدو أن هيلاري تريد أن تشهد امتداد الفوضى في سوريا من خلال جهود غير صادقة تعطي انطباعاً بالإنجاز، لكنها في الحقيقة لا تفعل أي شيء لإيقاف العنف. وما يجعل تصريحاتها هذه أكثر خطورة وأقل مسؤولية، هو أن معظم استطلاعات الرأي ترجح أنها ستكون الرئيس الجديد القادم للولايات المتحدة.

لكن ما تتجاهله كلينتون هو عملية درع الفرات التي تقوم بها تركيا، والتي نجحت في تطهير كامل الحدود السورية ومناطق واسعة في الشمال السوري من سلطة داعش في أقل من شهر. وفي الوقت الذي يؤكد فيه رئيس أركان أقوى دولة عسكرياً في المنطقة نيته تطهير الرقة من وجود داعش، فإن كلينتون تتحدث عن دعم تنظيم “ب ي د” الذي أعلن أنه لن يشارك في القتال ضد داعش في الرقة.

المغالطة الأكبر من ذلك تتمثل في حديث كلينتون عن تنظيم “ب ي د” بوصفهم “الأكراد”. من غير المقبول دعم تنظيم إرهابي يساري معادٍ للولايات المتحدة ويستخدم العنف ومسؤول عن انتشار انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والسجن والتطهير العرقي، واغتصاب الأراضي التي تقع تحت سيطرته. إن دعم تنظيم ب ي د المصنف على قائمة الارهاب في تركيا، الدولة الحليفة للولايات المتحدة وعضو الناتو، يعني خلق المزيد من الإرهاب والفوضى في المنطقة.

يمكن تفسير تصريحات كلينتون على أنها انجراف في مستنقع الانتخابات ومحاولة لإثبات روحها القتالية من خلال وقوفها على العلن إلى جانب البنتاغون. إن كان هذا هو الوضع وإن كان هذا هو السبب، فإن الإدارة الأمريكية سوف تعيد النظر في سياساتها في سوريا، فليس هناك سبب للمبالغة وإطالة هذه الحماقة.

ولكن، إن أصبح هذا الوعد أحد الأسس لسياسات إدارتها في سوريا، فإن على أنقرة أن تعيد رسم استراتيجياتها على الفور، وفي إطار الإقرار بأنه ليس من الممكن أن تحل تركيا هذه الفوضى في سوريا بالسير يداً بيد مع الولايات المتحدة. هذا سيعني الدعوة لتشكيل تحالف بديل ضد داعش.

تركيا التي عانت أكثر من غيرها من إرهاب تنظيم داعش، لن تكون قادرة على تضييع مزيد من الوقت على أمل أن تصل المؤسسات الداخلية الأمريكية إلى تسويات لمشاحناتها وخصاماتها الداخلية، أو لوضع حد لفوضى السياسيين الأمريكيين.

على تركيا أن تبدأ فوراً بالبحث عن حلفاء صادقين وجديين للمشاركة في الحرب على الإرهاب.

لقد أظهرت عملية درع الفرات ما يمكن لجيش جدي تحقيقه في الحرب على داعش إن دخل ساحة المعركة. على جميع دول العالم الراغبة في الحرب على داعش، أن تبدي حسن النوايا من خلال دعم تركيا، التي سيكون من شأنها أن تتخذ قراراتها حول الشركاء الذين تريد ان تدخل معها ساحة الحرب المصيرية هذه. لقد حان الوقت لتركيا أن تبدأ في إعادة ترتيب حلفائها الإقليميين.

يجب الآن التخلي عن سياسات عصر الحرب الباردة المتحجرة، والبدء بحل أزمات المنطقة من خلال التعاون الفعال في إطار التحالفات الخاصة. على تركيا أن تتعاون بأجندات نظيفة مع الدول الراغبة في التعاون لإيجاد حل للمستنقع في سوريا. إذا كان للإدراة الأمريكية المقبلة، بقيادة الرئيس الأمريكي/الرئيسة الأمريكية تصميم وموقف واضح ضد داعش، سيكون بإمكانها الانضمام إلى تركيا لاجتثاث داعش من المنطقة. وإن لم يكن، فإن هذه المهمة ستلقى على عاتق تركيا وحلفائها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.