تعرف علي تفاصيل الازمة بين أنقرة وواشنطن منذ بدايتها

تصاعدت التوترات بين تركيا وأميركا ووصلت ذروتها قبل أيام، عندما قرَّرت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية على وزيرين تركيين، بسبب اعتقال أنقرة لقسّ أميركي بتهمة التجسس والإرهاب، ثم ردت أنقرة بنفس الخطوة.

هذه التوترات بلا شك ستنعكس على أغلب الملفات المشتركة بين أكبر دولتين تشاركان بجيوش في قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو»، مما سيرسم مستقبل المنطقة، إذا ما استمرَّت هذه الخلافات أو تصاعدت.

موقع مركز Stratfor للدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي، رصد في نقاط، بداية الأزمة من أولها إلى آخرها، وإليكم هذا التقرير.

ما الذي حدث؟

في الأول من شهر أغسطس/آب الجاري، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من وزراء الحكومة التركية؛ رداً على ما تعتبره واشنطن احتجازاً «ظالماً وجائراً» للقس الأميركي أندرو برونسون، الذي يعيش ويعمل في تركيا منذ عقدين من الزمان، ويرعى كنيسة إنجيلية صغيرة هناك. فيما تتهمه تركيا بالتجسس والإرهاب.

كيف وصلت تركيا والولايات المتحدة إلى هذا الحد؟

تمثل العقوبات المفروضة على الوزراء الأتراك ذروة التوتر المتزايد بين أنقرة وواشنطن. فقد اختلفوا لعدة شهور حول قضايا واسعة النطاق، مثل مطالبة تركيا بتسليم رجل الدين الإسلامي فتح الله غولن، الذي المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، منتصف يوليو/تموز 2016، وعلاقة تركيا مع روسيا وتهديداتها لحلف الناتو، بالإضافة إلى السياسات الأميركية-التركية المتضاربة في سوريا وأكثر من ذلك، بحسب الموقع الأميركي.

كيف ستؤثر هذه العقوبات على الاقتصاد التركي؟

تُعد العقوبات الاقتصادية في حدِّ ذاتها رمزية بدرجة كبيرة -فهي لا تؤثر إلا على الأوضاع المالية الشخصية للوزيرين- غير أن فرضها يُمثل أحد العوامل الخارجية العديدة التي قد تؤثر على الاقتصاد، وتُسهم في المزيد من انخفاض قيمة الليرة.

ويرجع ذلك جزئياً إلى الخلاف بين الرئيس التركي والبنك المركزي بشأن أسعار الفائدة، فقد كان هناك ائتلاف غير عادي بين الأحزاب السياسية المتصارعة. والآن بعد أن طبقت واشنطن العقوبات، يمكن لجميع الأطراف أن تجتمع معاً، لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمشكلات الاقتصادية التي تشهدها تركيا.

كيف ستؤثر هذه العقوبات على الشركات الأميركية العاملة في تركيا؟

يمنح النظام القانوني في تركيا، وقوانين مكافحة الإرهاب، أنقرة، الحقَّ في اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ كل ما ترى أنه يُمثل تهديداً أمنياً. وهناك احتمال قوي بزيادة مضايقة المسافرين والشركات الأميركية، فضلاً عن تعطيل العمليات التجارية للشركات التي تجمعها علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.

ما الآثار المترتبة على السياسة الخارجية؟

تمتلك الولايات المتحدة وتركيا أكبر وثاني أكبر الجيوش في حلف الناتو، على التوالي. وقد يؤدي وجود صدع خطير بينهما إلى حدوث اضطرابات وارتباك داخل حلف الناتو. الأمر الذي سيكون بمثابة هبة من السماء لروسيا، التي سترحّب بوجود حلف الناتو أقل تماسكاً. ويمكن أن تستغل موسكو تلك الاضطرابات المحتملة -وخاصةً في البحر الأسود- كفرصة لتحطيم دور تركيا التقليدي، بوصفها الجناح الجنوبي الشرقي للناتو ضد روسيا. وقد يقرر الكرملين أيضاً توجيه المزيد من قواته إلى منطقته العسكرية الغربية لمواجهة الناتو في أوروبا الشرقية.

كما تُعد الولايات المتحدة بصورة تقليدية أكبر مُصدر للأسلحة إلى تركيا، لذا فإن الضرر المحدق بالعلاقات بين البلدين يمكن أن يدفع أنقرة نحو البحث عن مورّدين بدلاء. ونظراً إلى ترابط البلدين في عدد من مجالات الصناعة الدفاعية، فإن إلغاء الولايات المتحدة لصفقات الأسلحة مع تركيا (يبدو ذلك جلياً في التهديد الأميركي بإلغاء شحنات الطائرات المقاتلة من طراز F-35 المتجهة إلى أنقرة) قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات كبيرة على المدى القصير، من شأنها أن تؤثر على العديد من الدول المشاركة في برنامج المقاتلة F-35.

وعلاوة على ذلك، قد يؤدي ذلك الانشقاق إلى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سيكون الضرر واضحاً بشكل خاص في شمالي سوريا وشمالي العراق، حيث يمكن أن تكون تركيا أكثر فاعليةً في تقويض تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى حزب العمال الكردستاني وحلفائه في شمالي العراق.

وبحسب الموقع الأميركي قد يتعارض هذا النهج مع جهود الولايات المتحدة للتأكيد على هزيمة الجماعات المتطرفة العنيفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال الحفاظ على وجود مستقرّ لقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى بيئة مستقرة في شمالي العراق. كما يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تفقد إمكانية الوصول إلى قاعدة إنجرليك الجوية، في مدينة أضنة التركية، التي تستخدمها الولايات المتحدة ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإن كان لديها ما يكفي من الحقوق البديلة لإقامة قواعد عسكرية في البحر الأبيض المتوسط ​​والخليج العربي للتخفيف من هذه الخسارة.

أيضاً هذا الخلاف مكسب لإيران

وقد تنطوي إحدى التداعيات السلبية الأخيرة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط على رفض تركيا تطبيق العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضتها على إيران، بسبب برنامجها النووي. سيعاد تطبيق بعض هذه العقوبات في الـ6 من شهر أغسطس/آب الجاري، والـ4 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

وتوازن تركيا على الأرجح بين أمرين متعارضين؛ إذ تحتاج إلى حماية اقتصادها، الذي لا يمكنه تحمل الصدمات الخارجية الإضافية، الناجمة عن فرض المزيد من العقوبات الأميركية. لكنها في الوقت نفسه قد تختار التبادل التجاري مع إيران، من أجل إحداث ثغرات في الجهود الأميركية الرامية إلى الحد من النشاط الاقتصادي الإيراني. للقيام بهذا النوع من الانتقام، ستحتاج تركيا إلى الاعتماد بشكل أكبر على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي الموالي لها فقط في أوقات النجاح، والتي تبدو الآن في وضع إيجابي إلى حدٍّ كبير.

 

.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.