العالم

ترامب يحشد للحرب

الحشود الأمريكية في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط، لا تبدو هذه المرة لمجرد تأديب أو ردع النظام السوري وحلفائه، إذا استخدم الأخير الأسلحة الكيماوية في حال اندلاع معركة في إدلب.

واضح من حجم القوات ونوعها وجغرافية انتشارها أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. إذ تشير المعطيات أن أمريكا تستعد لمواجهة ساخنة، قد تكون ضد حزب الله وايران، وقد يقتضي الحال توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية.

الحشود الأمريكية التي ردت عليها روسيا بمناورات عسكرية هي الأضخم في تاريخ روسيا منذ 40 عاما، وبمشاركة صينية هذه المرة، بحد ذاتها تشكل خطرا كبيرا لجهة تحول أي مواجهة في المنطقة إلى حرب إقليمية وحتى عالمية، قد تمتد من مدينة إدلب إلى عموم خطوط التماس في سورية، إلى لبنان فالبحر الأحمر واليمن، إلى الخليج العربي والعراق.

جميع منطقة الشرق الأوسط تحولت إلى بؤر ساخنة، قابلة للاشتعال والانفجار في أية لحظة، والحشود العسكرية الإضافية سوف ترفع مستوى التوتر، و تزيد من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية.

المؤرّخون أطلقوا عبارة الحرب العالميّة على الحربين اللتين حصلتا في العالم، الأولى عام 1914م، والثانية عام 1939م، لأنّ كثيراً من الدول العظمى اشتركت فيها، إلى جانب كثرة أعداد الضحايا في تلك الحروب.

اندلعت شرارة الحرب العالميّة الأولى وكان المحرّك المباشر لها حدث اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند، أثناء زيارته و زوجته لإقليم البوسنة والهرسك، فسارعت النمسا بعد هذه الحادثة إلى شنّ الحرب على صربيا التي كان القاتل ينتمي إليها، ثمّ وقفت روسيا مع صربيا في هذا الحرب، وسرعان ما تداعت عدّة دول للوقوف مع حلفائها، فوقفت ألمانيا، وإيطاليا، والدولة العثمانية مع النمسا، وعلى الجانب الآخر وقفت بريطانيا، وفرنسا مع روسيا، ثمّ انضمت الولايات المتحدة في نهاية الحرب إلى جانب معسكر الحلفاء بقيادة بريطانيا.

تلك كانت الأسباب الظاهرة، أما الدوافع الحقيقية لتلك الحروب، كانت لأهداف استعمارية محضة، ضمن سياق التنافس بين الدول الأوروبية، من أجل الحصول على مزيد من المستعمرات، و السيطرة على مناطق تزوّدها بالمواد الأولية اللازمة لصناعتها، وأسواق خارجية؛ لتصريف فائض إنتاجها.

ازدياد توتر العلاقات الدولية في أوائل القرن العشرين؛ نتيجة لتعاقب الأزمات، وسباق التسلح بين الدول الأوروبية المتنافسة، والذي تنامى نتيجة للحروب الصغرى التي حدثت ما قبل الحرب العالمية الأولى في القارّة الأوروبيّة، كما هو الحال مع حرب البلقان، وتنامي النزعة القومية، أدى إلى تطلع بعض الأقليات للحصول على الاستقلال، وكذلك عقد الدول الإمبريالية تحالفات و وفاقات عسكرية وسياسية متنافسة مثل: دول الوفاق الثلاثي والمكوّنة من النمسا، وألمانيا، وإيطاليا، ودول التحالف المكونة من الولايات المتّحدة الأمريكية، روسيا وإنجلترا، كانت هي الدافع وراء نشوب الحربين العالميتين.

في يومنا هذا، جميع المعطيات التي سبقت الحربين العالميتين متوفرة وبوتيرة عالية أيضا. ابتداء من تغول القطب الأحادي، وسعي أمريكا للسيطرة على كل شيء، إلى التنافس الحاد بين الدول الكبرى، إلى تنامي النزعات القومية، إلى انتفاضات بعض الشعوب ضد حكامها الدكتاتوريين، إلى الحروب الداخلية منخفضة الوتيرة.

تحول المبعوث الأممي إلى سورية، ستافان دي ميستورا، إلى عراب حرب يطلق تصريحات، دأب المسؤولون الروس على تكرارها خلال الأيام الماضية، لتبرير الهجوم على إدلب، قائلاً إن “فيها إرهابيين”، يمكن تفسيره كنوع من التحريض من أجل ضخ مزيد من التوتر.

وزير الخارجية الروسي لافروف يقول:” أي عمليات غربية في إدلب لعب بالنار”.

وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان يصرح: “مع كل الاحترام لكل الاتفاقيات والمعاهدات، لكنها غير ملزمة لنا، نحن نلتزم فقط بتحقيق مصالح أمن إسرائيل”.

في مأدبة رسمية أقامها بالبيت الأبيض، قال الرئيس ترامب: “نحن نحارب من أجل الإفراج عن القس برانسون”. يقول الكاتب التركي عبد القادر سلفي: “هنا بالتحديد يكمن لب المشكلة، إذا انتهت حرب ترامب فإن مسألة برانسون سوف تُحل”.

هذه الأسباب وغيرها كافية لإشعال حرب إقليمية محدودة، وحتى كونية في أي لحظة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما تعانيه إدارة ترامب من أزمات داخلية، صعدت من حظوظ عزله من منصبه.

زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي لسورية، ولقائه بالأسد، وجولته الاستعراضية في حلب، رسائل إيرانية تؤكد إصرار طهران على بقاء قواتها في سوريا، ورفضها للمطالب الأمريكية الإسرائيلية بالخروج.

وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اعتبر الاتفاق الذي أبرم بين بشار الأسد وإيران، اختبارا لإسرائيل، وهدد أن تل أبيب سوف ترد بكل قوة، ولن تسمح لإيران، بالتمركز عسكريا في البلد المجاور لها.

تهديدات الوزير الإسرائيلي تعدت القول إلى الفعل، بضرب الأهداف الإيرانية في مطار المزة العسكري بالعاصمة السورية دمشق.

الاستراتيجية الإيرانية تعتمد على خوض إيران حروبها خارج حدودها، فأية ضغوط أو ضربة عسكرية لإيران سوف تدفع الأخيرة إلى فتح جبهات في لبنان وغزة واليمن، وحتى في البحرين والعراق.

زيارة وزير الدفاع الإيراني الأخيرة لدمشق، والتأكيد الإيراني على البقاء في سوريا، وعجز الروس عن إيجاد حل وسط يرضي إسرائيل وتقبل به إيران، يعتبر أحد أشكال التحدي لأمريكا وإسرائيل معاً.

بالنسبة للرئيس الأمريكي ترامب وإدارته، قد تساعد الحرب على إنهاء الجدل وتحويل الأنظار نحو عدو خارجي متربص. خصوصا إذا كانت تلك الحرب لا تكلف إلا قليلا من الضحايا البيض، وقدرا من التكاليف يتحملها الآخرون، مع عبقرية في الإدارة واستخدام التكنولوجيا.

بل قد تكون الحرب هي الوسيلة الأقصر لمسح السبورة وتنظيف الطاولة بما عليها من مسائل معقدة، تمهيدا لرسم خرائط جيوسياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، قد تبقى الحدود الجغرافية كما هي، لكنها تعيد توزيع النفوذ، وأدوات التحكم والسيطرة، بما يناسب القرن الجديد.

دائما كانت الحروب وسيلة الامبراطوريات والدول الكبرى لترسيخ سيطرتها، وتعزيز تفوقها. وأمريكا اعتادت خوض حرب كل عشر سنوات، فهل تكون إدلب نقطة بدايتها هذه المرة؟!.


أحدث الأخبار

أنقرة: على المجتمع الدولي التحرك بحزم ضد عدوان إسرائيل بالمنطقة

قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، إنه يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات حازمة ضد ممارسات…

04/12/2025

270.6 مليار دولار.. صادرات تركيا السنوية تسجل رقما قياسيا

أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط تسجيل صادرات البلاد من السلع في آخر 12 شهرًا…

04/12/2025

مسؤول تركي يحذر: أزمة المياه تهدد بحروب وهجرات كبرى وأزمات عالمية

حذّر نائب وزير الزراعة والغابات التركي، أبو بكر غيزلي غيدر، الاثنين، من احتمال اندلاع أزمات…

02/12/2025

رقصة الماء والغاز في قلب تركيا.. فوارة باردة تخطف الأنظار

تتحول منطقة "أولو كيشلا" في ولاية أقسراي، وسط تركيا إلى محطة لافتة لعشّاق الطبيعة وهواة…

01/12/2025

الاقتصاد التركي ينمو 3.7 بالمئة في الربع الثالث

حقق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 3.7 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام…

01/12/2025

إعلام عالمي يسلط الضوء على نجاح المسيرة “قزل ألما” في إصابة هدف جوي

سلطت وسائل إعلام عالمية على نجاح المسيرة "بيرقدار قزل ألما" التركية في إصابة هدف جوي.…

01/12/2025