قراءة في التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط

في محاولة لضمان الاستقرار في المنطقة، يتعين على تركيا إيجاد شركاء جدد وأكثر نشاطًا وأكثر إقليميةً، والحفاظ على معارضتها للسياسات الانفرادية للاعبين الأجانب.

شهد الشرق الأوسط تحولات شاملة خلال العقد الماضي. وحتى وقت قريب جداً، كان تاريخ الشرق الأوسط يسيطر عليه تحالفان متضاربان، أحدهما مؤيد للوضع القائم والأخر متحدٍّ له. ومع ذلك، فإننا نشهد اليوم صداماً بين مجموعتين من دول التحدي، وهما دول الخليج، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، وإيران، على التوالي. تركيا ليست متحالفة مع أي من الطرفين، لكنها تجد نفسها معزولة من قبل الطرفين المتنازعين. هناك العديد من التطورات المتزامنة في المنطقة، والتي لها تأثيرات قوية على الحسابات الاستراتيجية للدول الإقليمية، بما في ذلك تركيا. وتتطلب معظم هذه التطورات تقارباً بين تركيا ودول إقليمية وعالمية أخرى أقرب إلى تركيا نسبياً. سأحاول أن أوضح بإيجاز العديد من هذه التطورات الإقليمية.

واحدة من أهم الأزمات الإقليمية تتمثل في مستقبل سوريا. منذ البداية، وتركيا مع وحدة الأراضي السورية. ومع ذلك، فإن العديد من الدول تعتقد خلاف ذلك. من بين أمور أخرى، تعمل إسرائيل والحكومة الأمريكية على تقويض وحدة الأراضي السورية، بإعلان إسرائيل ضمها مرتفعات الجولان. البعد الأكثر تهديداً للأزمة السورية هو الدعم الأمريكي لـ”ي ب ك/بي كا كا” في شمال سوريا.

وبالرغم من معارضة تركيا القوية، فإن الحكومة الأمريكية غير مبالية بمخاوف الأمن القومي التركي. لكن تركيا ستواصل الحفاظ على وحدة أراضي سوريا في جميع المحافل الدولية.

ثانياً، بدأت عملية جديدة في شرق البحر المتوسط ​​بعد اكتشاف موارد هائلة للطاقة من قبل بعض دول المنطقة. تم عزل تركيا عن المنصات الإقليمية المنشأة حديثاً. ومن خلال الاستفادة من التوتر الإقليمي، تخطط إسرائيل واليونان وجنوب قبرص ومصر لنقل الغاز الطبيعي الإقليمي إلى أوروبا متجاوزين تركيا. بينما تحاول تركيا أن تكون جزء من تلك العملية من أجل تحقيق التوازن بين القوى العالمية المتحدية للوضع الراهن، من خلال إرسال سفنها الخاصة إلى المنطقة للبحث عن الغاز الطبيعي.

ثالثاً، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها ستحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية من خلال ما يسمى بـ “صفقة القرن”، وهي مبادرة من الحكومة الأمريكية وبالتالي إنشاء نظام إقليمي جديد لصالح إسرائيل وحلفائها الإقليميين. مثل العديد من القوى العالمية الأخرى، دأبت تركيا على دعم حل الدولتين في فلسطين وتريد حلاً متعدد الأطراف لمدينة القدس، التي تحمل معنىً رمزياً للأديان المختلفة. تدعم تركيا الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتعينهم في تلبية احتياجاتهم. تركيا هي واحدة من الدول القليلة التي تقيم علاقات وثيقة مع الجهات الفاعلة الفلسطينية الرئيسية، وهي فتح وحماس.

رابعاً، تم تنفيذ سياسة احتواء ضد تركيا من قبل بعض القوى الإقليمية بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. بدعم من إدارة ترامب و إسرائيل، أعلنت هذه الدول أنها ستنشئ حلف الناتو العربي في المستقبل القريب. يحاول مشروع الناتو العربي التخلص من المنصات الإقليمية متعددة الأطراف مثل مجلس التعاون الخليجي.

علاوة على ذلك، أحد مطالب هذين البلدين من قطر هو إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة. وبالمثل، فإن نفس البلدين يجبران حكومة السودان العسكرية الجديدة على سحب البلاد من الاتفاق مع تركيا لإعادة هيكلة جزيرة سواكن.

حتى فرض عقوبات جديدة على إيران يضر تركيا أكثر من أي دولة إقليمية أخرى، بسبب اعتماد تركيا على النفط الإيراني. لذلك، يمكن اعتبار العزلة الكاملة لإيران، كجزء من سياسة الاحتواء ضد تركيا.

بشكل عام، تحاول بعض القوى الإقليمية والعالمية عزل وتشويه صورة تركيا. بالمقابل، يتعين على تركيا أن تتخذ بعض المبادرات، وتجلب الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى لتشكيل محور مقاومة للسعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي. لا سيما التوتر بين تركيا والولايات المتحدة له تأثير كبير على علاقات تركيا مع دول المنطقة.

طالما تحاول تركيا اتباع سياسة إقليمية مستقلة فإنها ستشكل تحدياً طبيعياً للتوقعات الإقليمية الجديدة، وسيتم عزلها من قبل البلدان التي تفضل استخدام سياسة القوة.

في المقابل، ستضطر تركيا إلى إيجاد حلفاء بديلين في المنطقة، ومواصلة دعوة الجهات الفاعلة الأخرى للالتزام بالمعايير الدولية. في مواجهة السياسات الأحادية للدول الإقليمية والعالمية، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة على إيران، ويتعين على تركيا أن تجد شركاء جدد نشطين في المنطقة من أجل أن تكون قادرة على مقاومة التطورات المزعزعة للاستقرار.

.

محي الدين أتامانمحي الدين أتامان@MuhittinAtaman

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.