بأي حجة ستهاجم الولايات المتحدة إيران؟

شاهدنا مشهدا جديدا من الأحداث المثيرة على هامش الحرب الباردة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي بعدما أسقطت طهران طائرة بدون طيار أمريكية فوق مضيق هرمز. وهو المشهد الذي أتبعه توقع من إسرائيل، وبطبيعة الحال السعودية والإمارات اللتان تريدان رؤية أمريكا في حرب مع إيران في أقرب وقت ممكن، لتشن واشنطن هجوما ضد طهران. وبالرغم من أن ترامب رد بتصريحاته على هذا التوقع في اللحظات الأولى، لكننا رأينا خلال وقت قصير أنه لن يكون واقعيا بالمرة أن يتبع هذا المشهد هجوم أمريكي على إيران.

وعلى أي حال فقد شوهد بوضوح أن الطائرة بدون طيار التي أسقطتها إيران كانت تقوم بمهمة تجسس داخل المجال الجوي الإيراني. ووفق القواعد الدولية فقد كانت الولايات المتحدة هي الجانب الذي قام بالانتهاك، فيما كانت إيران هي الجانب صاحب الحق في إسقاط هذه الطائرة لحماية أراضيها من أنشطة التجسس. ولقد نقل الرأي العام الأمريكي الواقعة على هذا النحو دون زيادة أو نقصان.

من جانبه أفاد المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية العميد أبو الفضل شكارجي بأن الهجوم العسكري المحتمل ضد بلاده “سيشعل النار” في حلفاء واشنطن ومصالحها في المنطقة، محذرا من نتائج هذا الهجوم. وبالرغم من ذلك، أوضح شكاري أن إيران لن تبادر أي دولة بإعلان الحرب عليها، لكنه أضاف كذلك أن بلاده سترد بشكل شديد للغاية على أي هجوم يستهدفها.

لكن بعد هذه الواقعة بدأ الرأي العام الأمريكي يتساءل أكثر حول سبب ضرورة إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران. وقد لفت المشاركون في برنامج تلفزيوني إلى الأغلبية الساحقة للقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في البلدان المحيطة بإيران، أي في المنطقة التي تحاصر إيران، هذا في الوقت الذي لا توجد فيه أي قاعدة عسكرية إيرانية في أي مكان قريب نوع ما من الولايات المتحدة. وقد طرحت أسئلة حول كيف يمكن أن تمثل إيران تهديدا بالنسبة للولايات المتحدة في هذه الحالة في مقابل أن الولايات المتحدة تشكل تهديدا عدائيا بالنسبة لإيران.

ومن الملفت أن نرى تزايدا في أعداد مرددي وجهة النظر المقارنة هذه التي طرحها هذا التساؤل في الرأي العام الأمريكي، ليتساءل المواطنون الأمريكيون أنفسهم عن ماهية المعركة التي تخوضها بلادهم في الشرق الأوسط.

وحيثما يطرح هذا السؤال تطرح كذلك الحقيقة الصادمة بشأن مَن تسير الولايات المتحدة خلفه لتضطر لتسوق أبناءها نحو الموت. وفي الواقع ليس هناك أي سبب حقيقي يحتم على الولايات المتحدة خوض حرب ضد إيران التي لا تهدد الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال، كما أنها ليس لديها أي مسافة جغرافية أو قوة واقعية تستطيع من خلالها تشكيل أي تهديد بالنسبة لواشنطن.

وبما أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، فإنها بذلك تكون قد أعطت الفرصة كاملة لطهران لتتصرف في هذا الشأن حسبما تشاء. فواشنطن بانسحابها هذا تكون قد فقدت كذلك أي صفة تخولها التدخل فيما تفعله طهران في هذا المجال. وربما يكون لأوروبا الحق في مطالبة إيران بالالتزام بهذا الاتفاق بما أنها لا تزال طرفا فيه، لكن الولايات المتحدة لم يعد لديها هذا الحق بعد انسحابها من الاتفاق.

ربما يكون طبيعيا أن تشعر إسرائيل بالقلق من تهديد امتلاك إيران قوة نووية، لكن ليس من السهل أبدا أن يبرر رؤساء الولايات المتحدة لشعبهم إعلان بلادهم الحرب على إيران لأن إسرائيل تشعر بأنها تتعرض لتهديد.

ولقد كشف النقاب عن هذا المأزق من خلال الرد الذي أجابت به نانسي غراهام، إحدى أقوى أعضاء الكونغرس الأمريكي، على سؤال تلقته عقب إسقاط إيران الطائرة بدون طيار الأمريكية؛ إذ قالت غراهام إنه لا يوجد في الحقيقة أي سبب في الوقت الحالي لتعلن الولايات المتحدة الحرب على إيران في إطار علاقاتها الخاصة بها، لكنه في حالة إعلان إسرائيل الحرب على إيران بسبب التهديد الذي تشعر به بسبب التسلح النووي الإيراني، فإن الولايات المتحدة ستخوض هذه الحرب دعما لحليفتها إسرائيل.

ربما يكون الأمر غريبا، لكن غراهام كانت تقول إنه في حالة استمرار إيران في برنامج تخصيب اليورانيوم فإن شعور إسرائيل بالتهديد سيكون حتميا، وهو ما يترتب عليه خوضها هذه الحرب ضد إيران، وهو ما سيترتب عليه تباعا إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران بهذه الطريقة غير المباشرة. أي أن أقوى الأسماء وأكثر عقلانية بين صفوف الجمهوريين تكون قد حذرت إيران نيابة عن إسرائيل لا بلدها الولايات المتحدة.

إن هذه العبارات ترسم أمامنا واحدة من الصور الواضحة التي تعتبر عن أن إسرائيل تعتبر أهم قضية بالنسبة للولايات المتحدة. وليس من الواضح بشكل كاف لصالح من تعمل وتحكي هذه المسرحية التي تؤديها واشنطن أمام الشعب الأمريكي والعالم كله. ولا يخفى على أحد أن هذه المسرحية لا تعمل لصالح المصالح الأمريكية على المدى الطويل.

وعلى الجانب الآخر، لا تتغير الصورة حتى لو تحركت واشنطن ضد طهران لصالح السعودية لا إسرائيل. فالجميع يرون أن الولايات المتحدة ستكون قد باعت بثمن بخس زعامتها الكبرى في مقابل صورة الدولة الحامية التي ستظهر عليها بعدما هرولت خلف مصادر النفط والأموال التي ستحصل عليها في مقابل حمايتها للسعودية.

لا شك أن لهذه العلاقات مظاهر متأصلة على مستوى أخرى. لكن في نهاية المطاف فإنه لا يوجد أي مظهر على أي مستوى يمكن أن يغير الحقيقة التي مفادها أن كل هذه العلاقات تستنفد قدرات واشنطن تدريجيا.

.

ياسين اكتايبواسطة/ياسين اكتاي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.