كيف يمكن للغرب تجنب “خسارة تركيا”

هناك اتجاه متزايد في وسائل الإعلام الغربية للإجابة عن تساؤل حول ما يجب على الغرب فعله لتجنب خسارة تركيا، وذلك باعتبار أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيبقى في السلطة لمدة أربع سنوات أخرى. ومع تنامي الاعتقاد بأن خطر “فقدان تركيا” بات وشيكاً، تدعو وسائل الإعلام الغربية إلى نهج “العصا والجزرة”. دعني أؤكد في البداية أن هذا المسعى غير مثمر.

ومجلة “الإيكونوميست” كانت آخر من كتب في تأييد لمبدأ “العصا والجزرة” هذا. ووفقاً لهذا الرأي، يجب إبقاء تركيا ضمن التحالف الغربي رغم جهود أردوغان لإبعادها عن الغرب.

يصر مؤيدو هذا الرأي على أن العقوبات المعتدلة، التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لن تؤدي إلا إلى فقدان تركيا التي تُعتبر “حليفاً استراتيجياً”. بدلاً من ذلك، تدعو وسائل الإعلام الغربية إلى فرض عقوبات قاسية -أي فرض سياسة العصا- تليها المكافآت، التي تمثل الجزرة.

تصف “الإيكونوميست” الرئيس أردوغان بـ”الشريك الصعب”، وتزعم أنه أبعد تركيا عن الغرب، بعد مضي قرن على عهد مصطفى كمال أتاتورك الذي “رسخ تركيا في أوروبا”. ومن خلال التذكير بالتوترات المتزايدة بشأن صفقة نظام الدفاع الجوي إس-400، وعمليات التنقيب قبالة قبرص، تنتقد المجلة الاستجابة “الضعيفة” للاتحاد الأوروبي، وتطالبه باتخاذ نهج العصا والجزرة.

لذلك، تحث “الإيكونوميست” الاتحاد الأوروبي، على فرض عقوبات شديدة على تركيا واستهداف شركاء أردوغان، لإيصال رسالة لعالم الأعمال والتجارة أيضاً. ومن خلال اعتماد عقوباتٍ أكثر اعتدالاً في المستقبل، كما تقول المجلة، يمكن للاتحاد الأوروبي إعادة الرئيس التركي إلى طاولة المفاوضات، ومنح المواطنين الأتراك إعفاء من تأشيرة الدخول، والإشراف على توزيع السلطة السياسية والغاز الطبيعي بين القبارصة الأتراك والقبارصة الروم.

في المقابل ، تطالب “الإيكونومست” الاتحاد الأوروبي أن يشترط على تركيا سحب قواتها من قبرص، وضمان استقلال البنك المركزي التركي، وتحقيق اللامركزية في السلطة السياسية في ظل النظام الرئاسي.

تقول “الإيكونوميست” إن الاتحاد الأوروبي إذا ما خسر تركيا، فعليه التخلي عن أمله في لعب دورٍ رئيسي في السياسة العالمية. وهم على حق في مقولتهم تلك. فإن فشل الاتحاد الأوروبي في إدارة علاقاته مع لاعب مهم مثل تركيا، يعني أنه لا يستطيع التصدي للمواقف المعقدة التي تدور في العالم.

مع ذلك، يمثل نهج العصا والجزرة معضلة كبيرة، إذ يدعو إلى علاقة غير متكافئة تتحدى روح التحالف والتكامل. لقد فشل مؤيدو هذا النهج أيضاً، في فهم التحديات الخطيرة التي توجب على تركيا التغلب عليها وحدها، خلال السنوات الست الماضية. لقد تجاهلوا المعاملة غير العادلة التي تلقتها تركيا في محادثات العضوية، وكذلك في القضية القبرصية، وكتموا حقيقة كيف مهدت خطوات القبارصة الروم المؤيدين لليونان، وكذلك الاتحاد الأوروبي الجائر، الطريق إلى النزاع الحالي في شرق البحر المتوسط.

أخيراً، يقلل هذا النهج من أهمية تضحيات أنقرة بشأن اللاجئين والصراع السوري ومسائل الأمن القومي الأخرى. كما أنه لا يتماشى مع جوهر سياسة تركيا المستقلة بقيادة أردوغان، وهو خيار دفعت البلاد ثمنه لفترة من الزمن.

بالطبع، لا تزال أنقرة منفتحة أمام خيار المفاوضات والتعاون في شرق البحر المتوسط ​​وأزمة اللاجئين. إلا أنها لم تعد جارةً سهلة الانقياد ترغمها سياسة العصا. وما لم تعامل تركيا بشكل عادل كشريك، فإنها لن تكترث بالتهديدات ولن تستجيب لها. وكي يُفهم النهج التركي تماماً، من الأهمية بمكان تحليل خطاب أردوغان الأخير أمام زعماء حزب العدالة والتنمية في الولايات التركية.

بما أن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها العالمية، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إصلاح نهجه تجاه تركيا. والطريقة الوحيدة لإصلاح العلاقة مع الأتراك هي أن يقدم الاتحاد لهم الجزر فقط.

.

برهان الدين دوران بواسطة /برهان الدين دوران
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.