ماذا يحصل في الداخل التركي.. حرب حكومية على الإرهاب أم على الديمقراطية؟

كل من يتابع الشأن التركي عامة، والداخلي خاصة، يعرف أن هناك تنظيما مسلحا عاث في الأرض فسادا على مدى عقود ماضية، وتسبب بقتل أكثر من 40 ألف مواطن في تركيا من خلال تفجيراته وأعماله الإرهابية المسلحة ضد المدنيين والشرطة والجيش، تحت حجج واهية وذرائع عنصرية تدعمها قوى غربية بهدف الإبقاء على تشرذم شعوب المنطقة.

هو تنظيم PKK الذي يتاجر باسم الأخوة الأكراد، مدعوما من قوى غربية لا تهدف إلا لإبقاء الصراعات قائمة بين العرب والأتراك والأكراد في الشرق الأوسط، لم يحقق هذا التنظيم لأهالي شمالي سوريا وشمالي العراق وجنوب شرقي تركيا إلا القتل والخراب والدمار.

تركيا لم توقف يوما حربها ضد هذا التنظيم الإرهابي، حتى أن الدستور التركي يعاقب كل من يدعمه ويؤيده، وفي هذا السياق، استيقظ الداخل التركي اليوم على حملة أمنية واسعة في عشرات الولايات التركية، ضد فلول التنظيم وملاجئه ومغاراته التي لا تحتوي إلا على أحقاده وضغائنه ضد كل خير يصيب شعوب المنطقة ويصيب دولة اليوم أصبحت في مصافي الدولة الكبرى المتقدمة.

ولم تقف الحملة هنا، بل وصلت إلى مستويات متقدمة، وصلت إلى أن أصدرت وزارة الداخلية التركية قرارا بكف يد 3 من رؤساء بلديات أهم ولايات في الجنوب الشرقي للبلاد، وهم رؤساء البلديات الكبرى في ولايات ماردين وديار بكر و”وان”.

وهنا النقطة الأهم، فصحيح أن هؤلاء الثلاثة وصلوا إلى مراكزهم تلك عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها تركيا في آذار الماضي، إلا أن ما قاموا به منذ ذاك الوقت لم يكن يتوافق مع مهامهم الخدماتية التي انتخبوا لأجلها من قبل الشعب.

ما كانت الداخلية التركية لتصدر مثل هذا القرار الجريء إلا بعد ثبوت قطعي وجازم على تعامل هؤلاء الثلاثة وغيرهم من المسؤولين والأشخاص (نحو 418 موقوف) مع تنظيم PKK الإرهابي، وتقديم الدعم المعنوي واللوجستي والمادي له، وهذا خط أحمر في تركيا.

من المعترضين على قرار الداخلية التركية، رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي عاد وترك أهالي إسطنبول بعيد عاصفة السبت الماضي، وتوجه مجددا إلى “بودروم” ليكمل إجازته البحرية، معتبرا أن “إقالة هؤلاء هو ضرب للديمقراطية”، فيما وصغ حزبه أي حزب الشعب الجمهوري الأكر بأنه “انقلاب على إرادة الشعب”.

ومن المعترضين أيضا شخصيات سياسية أخرى، لم يعد لها وزن في الحياة السياسية التركية، إلا أنها تمتلك حسابات موثقة بالعلامة الزرقاء في موقع “تويتر”، ولكن هذا لا يعني أن تخنع الدولة أمام مثل هذه الاعتراضات وتترك مؤدي PKK الإرهابي يتابعون عملهم بشكل اعتيادي.

قبل أن يعترض المعترضون على قرار نابع من أدلة وبراهين، عليهم أن يعلموا أن رئيس بلدية ولاية ديار بكر، يوجد بحقه تهم كثيرة مثبتة بأدلة، كلها تتعلق بالإرهاب والترويج لتنظيمات إرهابي، فعلى سبيل المثال لديه مشاركات عديدة بجنائز قتلى PKK الإرهابي، فضلا عن نسفه اسم أحد شوارع الولاية وتبديله من اسم أحد الصحابة الكرام رضي الله عنه، إلى اسم أحد إرهابيي PKK الموقوفين في تركيا… بكل وقاحة.

أما رئيس بلدية ولاية ماردين، فلائحة التهم بحق طويلة، ليس آخرها إهانته لأهالي وذوي شهداء 15 تموز 2016، هؤلاء الأهالي الذين يجب أن يكرموا إلى يوم القيامة، لا أن يهانوا هنا أو هناك، فضلا عن إقالته لعدد من أقارب الشهداء العظماء وتعيين أشخاص داعمين لـ PKK الإرهابي في البلدية، وليس آخرا تكفله بالمساعدات الطبية لجرحىPKK الإرهابي… وقاحة.

أما رئيسة بلدية ولاية “وان”، فتاريخها حافل بتهم تمويل عناصر PKK الإرهابي، وهي لم تستح عندما وصلت إلى منصبها من الإقدام على إنزال العلم التركي من على كافة مباني البلدية، إلى جانب قيامها بتكريم قتلى PKKالإرهابي داخل مؤسسات الشعب… وقاحة وقاحة.

إذن يتضح أن الأمر اليوم يأتي في سياق الحرب على الإرهاب، لا على الديمقراطية، فلو كانت الحرب على الديمقراطية لما أفنت حكومات “العدالة والتنمية” 18 عاما وهي تدافع عن الديمقراطية، ولما كانت تركيا اليوم بدائرة مشكلات مع الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط التي تشمئز أجسامها من مجرد سماع كلمة الديمقراطية.

لو كانت الحرب على الديمقراطية، لما عمل أصلا حزب العدالة والتنمية على إصلاحات سمحت لـ”حزب الشعوب الديمقراطي” بدخول البرلمان ورئاسة بلدية هنا وبلدية هناك، ولكن هذا لا يعني أن يتحول هذا الحزب لغطاء سياسي يحمي تنظيم PKK الإرهابي، الذي يحرق اليوم أجزاء من سوريا والعراق بدعم غربي وأمريكي و”إسلامي” في بعض الأحيان، فقط نكاية بتركيا ورئيسها.

حرب في تركيا على الإرهاب وعلى كل من يدعم الإرهاب ولو بكلمة، وهذه الحرب مؤيدة من الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الذي عانى كثيرا من بطش PKK الإرهابي.. فالحكومة التركية لن تسمح لمجموعة من الانفصاليين سواء كانوا يرتدون بذات عسكرية أو بدلات مزينة بـ”كرافات”، أن يعملوا لتقسيم البلاد، ولن تسمح لمشاريع غربية أن تتحقق على أرض تركيا، ولذلك فإن عملية اليوم الأمنية ما هي إلا تحضيرا أيضا لعملية عسكرية ضد هذا التنظيم في الشمال السوري أيضا، تزامنا مع استمرار العمل العسكري ضده شمالي العراق.

تركيا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وما محاربة الإرهاب ومناصريه إلا خدمة لمبدأ الديمقراطية وحماية لقرار الشعب، ولا يقيسنّ أحد الأمر بما يحصل عند أنظمة القمع والديكتاتورية في بعض دول المنطقة، فالفارق كبير وشاسع.

الفارق بين تركيا الديمقراطية وتلك الأنظمة الديكتاتورية.. عدالة وتنمية.

.

  بواسطة/ حمزة تكين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.