هكذا قرأ مراقبون تمسك أردوغان ببقاء قوات بلاده في سوريا

أُثار تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن بقاء قوات بلاده في شمال شرق سوريا، تساؤلات عدة حول دلالاته والأطراف المعنية به.

وكان أردوغان، قد ربط انسحاب قواته من سوريا بانسحاب الدول الأخرى، مضيفا للصحفيين أثناء عودته من زيارة أجراها إلى المجر، الجمعة، أن قوات بلاده ستواصل عملياتها العسكرية شمال شرق سوريا، حتى تتمكن من طرد المقاتلين الأكراد من كافة المناطق الحدودية.

وأضاف: “لن نتوقف حتى يغادر آخر إرهابي المنطقة، ولن نرحل من هنا إلى أن تخرج الدول الأخرى”.

وتباينت تفسيرات المراقبين لهذه التصريحات والطرف المعني بها، فمنهم من رأى أن المعني بها روسيا، التي تبدو ماضية في تبني مشروع ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بينما اعتبرها طرف آخر رسائل إلى الولايات المتحدة، التي يعتزم أردوغان زيارتها في 13 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

رسائل للجميع

وفي هذا السياق، يرى الكاتب التركي يوسف كاتب أوغلو، أن أردوغان أراد إيصال رسالة لكل الدول المعنية بالشأن السوري، وتحديدا روسيا وأمريكا وإيران، مفادها أن تركيا ليست الدولة التي يمكن أن تترك أمنها القومي عرضة للخطر.

وأكد أنه بالرغم من توصل تركيا إلى اتفاقين مع الولايات المتحدة أولا، ومن ثم مع روسيا على إبعاد الوحدات الكردية عن الحدود التركية، إلا أن هذه المليشيات ما زالت تحشد على الحدود.

وأَضاف كاتب أوغلو، أن “تركيا تؤكد مرة أخرى أنها لن تتهاون في أمن أراضيها، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال عدم التزام روسيا وأمريكا، بما تم التفاهم عليه”، مضيفا أن “كل ذلك يعطي لتركيا الحق في استكمال أي عمل عسكري في الأراضي السورية، تراه ضروريا لحماية أمنها”.

وعن اختيار الرئيس التركي هذا التوقيت لإطلاق مثل هذه التصريحات، أضاف كاتب أوغلو، أن التوقيت مرتبط بمواصلة الخروقات بعد تجميد عملية “نبع السلام”، حيث من الواضح أن “المليشيات لم توقف عملياتها الهجومية”.

وأردف قائلا: “تركيا لن تسمح بالمماطلة، وهي عازمة على تطهير حدودها سواء بالطرق السياسية، أو العسكرية”.

ولم يستبعد كاتب أوغلو أن يكون الرئيس التركي بهذه التصريحات قد قطع الطريق على مطالبات تركيا سرا بالانسحاب من سوريا، وقال: “لتركيا الحق في الدخول عسكريا إلى المناطق القريبة من الحدود السورية، وهو حق شرعي لها وفق اتفاقية أضنة الموقعة في العام 1998”.

ورأى، أن “السؤال الذي يتعين طرحه هو: ما شرعية وجود الأطراف الأخرى في سوريا، وما شرعية وجود أمريكا، وعلى أي مبدأ تستند إسرائيل وفرنسا وبريطانيا في تواجدها بالشمال السوري”.

والسبت، أكدت وزارة الدفاع التركية أن قوات حزب العمال الكردستاني وحماية الشعب الكردية، تواصل انتهاكاتها في منطقة عملية “نبع السلام”، لافتة إلى أنهم ينفذون هجمات بقذائف الهاون والصواريخ والقناصة، مؤكدة في بيان لها أن “مجموع الهجمات خلال الـ24 ساعة الأخيرة، بلغ ثماني هجمات”.


خلافات طارئة

بدوره، قرأ المحلل السياسي أسامة بشير، في تصريحات أردوغان، مؤشرا على ظهور الخلافات بين كل الدول الفاعلة في الشأن السوري، موضحا في حديث خاص لـ”عربي21″ أن “الخلافات التركية-الروسية في شرقي الفرات بدأت تطفو على السطح، وخصوصا على ملفات منبج وتل رفعت”.

وأضاف أن تركيا تريد التأكيد أن تواجدها العسكري في سوريا، هو تواجد قانوني، وذلك في رد على حديث روسيا الدائم عن ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا، وإعادة هذه المناطق إلى النظام السوري.

وبهذا المعنى، يرى بشير أن المستهدف بتصريحات أردوغان هم الروس، وتركيا جادة في عدم الانسحاب مهما بلغ حجم الضغوط التي تتعرض لها، مضيفا أن “المرحلة المقبلة ستكون مرحلة حاسمة بالنسبة لمناطق الشمال السوري برمته، سواء في شرقي نهر الفرات أو في غربيه (إدلب)”.

وتابع بشير: “تركيا تحاول قطع الطريق على المخطط الروسي الذي بدأت بوادره في التصعيد بإدلب، لإرغام تركيا على تقديم تنازلات”.

اتفاق روسي أمريكي

 
بينما يعتبر الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد، أن تأكيد أردوغان بقاء قواته في شمال سوريا، يأتي تعبيرا عن مخاوف أنقرة من توصل موسكو وواشنطن إلى اتفاق جديد حول شرقي الفرات.

وقال إن “انتشار القوات الروسية في مناطق ما زالت خاضعة للنفوذ الأمريكي، وتحديدا في محيط حقول النفط بريف الحسكة، يعطي انطباعا بأن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على ذلك مسبقا”.

وتابع السعيد: “تركيا تخشى أن يكون ثمن هذا الاتفاق وجودها العسكري في شمال سوريا، ولذلك جاءت هذه التصريحات للتأكيد أن أنقرة لن تترك شمال سوريا طالما بقي الوضع هناك على حاله”.

واستكمل قائلا: “بمعنى آخر، تود تركيا القول إن انسحابنا مرهون بانسحابكم، وانسحابنا جميعا لن يكون قبل تحقيق الحل السياسي، الذي يضمن سيطرة حكومة يُجمع كل السوريين عليها”.

وكانت وسائل إعلام محلية، قد نقلت عن مصدر سوري، ترجيحه حصول تفاهم غير معلن بين واشنطن وموسكو خلال الأيام الأخيرة في ما يتعلق بإدارة مناطق شمال شرق سوريا.

وقال المصدر إن التفاهم برز مؤخرا عبر التقاء دوريات عسكرية لكل من روسيا والولايات المتحدة في أكثر من منطقة داخل عمق شمال شرق سوريا، مشيرا إلى أن هذا التفاهم قد ينجم عنه قريبا تفاهم معلن على المستوى العسكري أو الدبلوماسي بين الجانبين.

ضد “قسد”

أما الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، فرأى أن خطاب أردوغان موجه إلى وحدات الحماية الكردية، التي تهيمن على قرار “قسد”.

وأضاف أن أردوغان لا يريد مخاطبة “قسد”، ولذلك اختار أن يخاطب الطرف الوصي عليها، أي الولايات المتحدة الأمريكية، التي ما زالت مرتبكة ومتخبطة ومتناقضة في سلوكها على الأرض.

ووفق النيفي، فإن “الولايات المتحدة التي اتفقت مع تركيا على إنشاء المنطقة الآمنة، تعيد الآن انتشارها في سوريا، وتقوم بتأسيس قواعد جديدة”.

وأردف قائلا: “الإعلان الأمريكي عن بقاء النفط السوري لـ”قسد”، يثير شكوك تركيا، ويعيد العلاقة فيما بينهما من جديد إلى دائرة فقدان الثقة”، مضيفا أن “التصعيد السياسي التركي يعبر عن رفضها الانقلاب على التوافقات مع أمريكا من جهة، ومن روسيا من جهة أخرى”.

ومن هنا، فقد اختار أردوغان رفع سقف خطابه قبيل توجهه إلى الولايات المتحدة، وفق النيفي، الذي أضاف أن “أردوغان سيحمل في جعبته الكثير إلى واشنطن، وسيحاول إقناع ترامب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وتحديدا حول إنشاء المنطقة الآمنة”.

وفي 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلق الجيش التركي بمشاركة “الجيش الوطني السوري”، عملية “نبع السلام” في منطقة شرقي نهر الفرات شمال سوريا، لإزالة الوحدات الكردية المسلحة من المنطقة، بهدف إنشاء المنطقة الآمنة وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وفي 17 من الشهر ذاته، اتفقت تركيا مع الولايات المتحدة على وقف لإطلاق النار في شمال شرقي سوريا وذلك عبر تجميد عملية “نبع السلام” التركية والسماح بانسحاب القوات الكردية، وأعقبه اتفاق آخر مع روسيا في سوتشي في الـ22 من الشهر ذاته.

.

المصدر/ arabi21

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.