العدالة والتنمية: تركيا ستحاسب أي دولة تهدد مصالحها في شرق المتوسط

أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب جودت يلماز أن بلاده “ستواصل حماية حقوقها في شرق المتوسط بكل ما أوتيت من قوة”، مضيفا أن تركيا “لا ترغب في أن تدخل صراعا مع بلد ما، لكن عندما تنفذ دولة نشاطا ضد مصالحنا لا يمكننا أن نتركها دون حساب”.

وفي حوار مع الجزيرة نت دعا يلماز الدول الأوروبية لاستقبال مواطنيها المعتقلين في تركيا بتهمة قتالهم مع تنظيم الدولة الإسلامية، مبينا أن لدى أنقرة طرقها وفقا للقانون الدولي لتسليمهم لبلدانهم سواء قبلتهم أم لم تقبلهم.

وفي الشأن المحلي تحدث السياسي التركي عن استقالة قيادات بارزة من حزب العدالة والتنمية، معتبرا أن تشكيل أحزاب جديدة لا يؤثر على حزبه الذي قال إنه يضم أكثر من عشرة ملايين عضو في صفوفه.

وتاليا نص الحوار:-

بعد أيام من محادثات الرئيس رجب طيب أروغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن، أعلنت تركيا أنها بدأت بتجريب منظومة صواريخ “أس 400″، رغم التهديدات الأميركية بفرض عقوبات، لماذا قامت تركيا بهذه الخطوة؟ وهل يدل ذلك على أن زيارة أردوغان لواشنطن لم تكن ناجحة؟

ما كنا نقوله طوال الوقت أن “أس 400” هو نظام دفاعي، وللشعب التركي الحق في الدفاع عن نفسه، وسبق أن صرحت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ألا أحد يمكنه أن يعترض على حق تركيا في الدفاع عن نفسها، علما بأن أميركا تحت حكم أوباما رفضت بيعنا صواريخ باتريوت، وقد أبلغت تركيا ترامب مجددا باستعدادها شراء صواريخ باتريوت الأميركية.

وكانت زيارة الرئيس أردوغان إلى واشنطن ناجحة للغاية، وناقش مع ترامب جميع المسائل المهمة في جلسات علنية وخاصة، وأحد إنجازات الزيارة هو قرار تشكيل لجنة مشتركة لدراسة قضية منظومة صواريخ “أس 400″، ونود أن يشارك حلف الناتو في هذه اللجنة.

– ماذا عن حلف الناتو الذي يرفض استخدامكم لهذه الصواريخ الروسية؟
لا يمكننا أن نقول إننا تلقينا دعما كافيا من منظمة حلف شمال الأطلسي، خاصة في الفترة التي كانت لتركيا فيها مخاوف أمنية، وسيتناول أردوغان هذه المسألة في اجتماعات الحلف، ومن ناحية أخرى سيعقد اجتماع رباعي بين تركيا وإنجلترا وألمانيا وفرنسا يومي 3-4 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

ما تريده منظمة حلف شمال الأطلسي هو ألا تُلحق منظومة “أس 400” الضرر بأنظمة الحلف، وتركيا لا تفكر بشكل مختلف في هذه المسألة. وإذا اجتمع المسؤولون التقنيون وتشاوروا فستتمكن تركيا من تشغيل منظومة “أس 400” بمعزل عن أنظمة حلف الناتو، لذلك فإن هذه المسألة ينبغي مناقشتها تقنيا وليس سياسيا.

– استطاعت تركيا أن تصبح واحدة من الدول الست الأولى في إنتاج الطائرات المسيرة.. ما طموحكم في تعزيز صناعاتكم الدفاعية؟

بينما تم إرسال أسلحة مجانية إلى بعض المنظمات الإرهابية، لم تتمكن تركيا من الحصول على بعض منظومات الأسلحة بأموالها، لذلك طوّرنا صناعتنا الدفاعية الخاصة، وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، كانت نسبة الإنتاج المحلي إلى الاحتياج الكلي تشكل 20% فقط، أما اليوم فتبلغ هذه النسبة ما يقرب من 70%، ونسعى لزيادتها أكثر.

لدينا طائرات مروحية وسفن حربية، وأنظمة أسلحة، وأنظمة صواريخ، وطائرات مسيرة، وجميعها محلية الصنع. وقد عملت تركيا على تطوير هذه الصناعات والأنظمة بسرعة، ولو لم نقم بتطوير هذه الأنظمة، لما استطعنا القيام بالعمليات الأخيرة وعلى رأسها “نبع السلام”.

وبوصفي وزيرا سابقا للتنمية، فإن التطورات في الصناعة الدفاعية رفعت المستوى التكنولوجي الكلي للاقتصاد، لذلك أولت تركيا، وهي دولة نامية، أهمية كبيرة لصناعة الدفاع من أجل تبديد مخاوفها الأمنية من جهة ورفع اقتصادها إلى مستوى أعلى من جهة أخرى. واليوم أصبحنا بلدا مصدرا في مجال الصناعة الدفاعية، ونقوم حاليا بمجموعة جديدة من الدراسات لتطوير العديد من الأنظمة المختلفة.

– اتفقت مصر واليونان وقبرص على منعكم من التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بدعم أميركي أوروبي، فماذا أنتم فاعلون جراء ذلك؟

لا يحق للجانب القبرصي اليوناني التصرف كما لو أن جمهورية شمال قبرص التركية غير موجودة، ولتركيا حقوق بصفتها بلدا ضامنا هناك، وفي ضوء ذلك تحمي كلا من حقوقها وحقوق جمهورية قبرص التركية ضمن إطار القانون الدولي.

الآن لدينا سفن تنقيب وسفن مسح زلزالي في شرق المتوسط، ونجري أعمال التنقيب في المناطق التي لدينا ولشمال قبرص التركية حقوق مشروعة فيها، ولا نعتزم التراجع خطوة واحدة إلى الوراء.

وفي هذا السياق، فإن الجانب التركي من قبرص عرض على الجانب اليوناني إنشاء صندوق مالي وآلية مشتركة لاستخراج الموارد بطريقة عادلة، لكن بعض البلدان تحاول تنفيذ هذه العملية باستبعاد تركيا بسبب موقفها السياسي تجاه أنقرة، وليكن في علمهم أن تركيا ستواصل حماية حقوقها بكل ما أوتيت من قوة، وننصحهم بالتخلي عن نهجهم الظالم بشأن هذه المسألة.

تواصلكم مع النظام السوري على الصعيد الاستخباري، هل يؤدي مستقبلا لتطبيع العلاقات على الصعيد السياسي؟

لقد بدأت بالفعل عملية تسوية سياسية في المسألة السورية تحت قيادة روسيا وإيران وتركيا، وتشكلت لجنة دستورية تتكون من خمسين شخصا تابعا للنظام وخمسين ممثلا للمعارضة وخمسين مستقلا، وفي حال تم تشكيل دستور جديد تقبله جميع الشرائح سيتم الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وستبدأ فترة إعادة البناء في سوريا مؤسسيا وتأسيس بنية تحتية.

وبطبيعة الحال في مرحلة ما من هذه العملية يلزم أن تكون هناك انتخابات، وعلى الشعب السوري اختيار حكومة شرعية تمثله من خلال انتخابات يشارك فيها كل الذين يعيشون في سوريا والذين أجبروا على مغادرة البلاد، حينها فقط سيتم تطبيع علاقاتنا، وقبل ذلك لن نرى مسؤولين أتراكا وسوريين تابعين لنظام الأسد يتبادلون الزيارات، لكن حتى ذلك الحين، ستكون هناك علاقات على الصعيد الاستخباري.

وبالنسبة للمعارضة المشروعة التي سنواصل دعمها، فإن تركيا عملت مع الجيش السوري الحر في العمليات العسكرية الأخيرة، وبالتالي نحن نقاتل معا تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية.

– هل نجحت عملية نبع السلام، في ظل الحديث حول مكاسب سورية وروسية من الاتفاق الروسي التركي الذي أعقب وقف العملية العسكرية هناك؟

كان هدف تركيا من عملية نبع السلام مكافحة المنظمات الإرهابية على طول الحدود التركية، وتجهيز مناطق آمنة داخل سوريا بحيث يتمكن بعض اللاجئين من العودة طوعا إلى وطنهم، حيث يقيم نحو أربعة ملايين لاجئ من أشقائنا السوريين في تركيا، وقد عاد بعد عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات أكثر من 365 ألف سوري من إخوتنا إلى وطنهم.

والآن لدينا بعض المشاريع في هذه المنطقة الجديدة أيضا، ولدينا أيضا بعض التحضيرات لإعادة بناء البنية التحتية، وبناء المساكن، وتهيئة بيئة اقتصادية، كما أننا نحضر لمؤتمر دولي للمانحين، وقد أعلنت بالفعل بعض البلدان مثل قطر عن تقديم الدعم، وأبدت ألمانيا وبلدان أخرى بعض الملاحظات الإيجابية.

– ماذا بخصوص رفض استقبال دول أوروبية لمواطنيها المعتقلين في تركيا بتهمة انتمائهم لتنظيم الدولة؟ وكيف سترحلونهم إلى دولهم في ظل رفض استقبالهم؟

تحاول وسائل الإعلام الدولية تصوير الأمر كما لو أن تركيا لا تحارب تنظيم الدولة رغم دور تركيا المشهود في محاربة داعش التي ارتكبت أعمالا إرهابية خطيرة كلفت تركيا ثمنا باهظا، وقد تجسد ذلك في عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون، كما أن تركيا خلال عملية نبع السلام الأخيرة اعتقلت المئات من عناصر تنظيم الدولة.

ومن الملاحظ أن المنضمين لتنظيم الدولة أغلبهم يأتون من البلدان الأوروبية لزعزعة استقرار السلام في مناطقنا، لذلك على بلدانهم أخذ الإجراءات اللازمة بحق الإرهابيين من مواطنيهم بدلا من رفضهم، وبكل الأحوال فإن لدى تركيا طرقا -وفقا للقانون الدولي- لتسليمهم لبلدانهم سواء قبلتهم أم لم تقبلهم.

– أنهى الرئيس أردوغان قبل أيام زيارة وصفت بالناجحة للدوحة، كيف تنظر تركيا لعلاقاتها مع قطر؟

لدينا علاقات إستراتيجية وقوية مع قطر، ونحن دائما مع قطر في الوقت الصعب، مثلما وقفت هي معنا في أزماتنا، والزيارات التي تجري على أعلى المستويات تزيد من تعزيز هذه العلاقة. وزيارة الرئيس الأخيرة كانت ناجحة حقا، فقد أبرمنا اتفاقات من أجل تطوير قاعدتنا العسكرية هناك، وكذلك أبرمت اتفاقات تجارية مهمة للبلدين، ويجري المضي قدما عبر تحقيق إنجازات في عدد من المشاريع الجديدة.

ما أسباب التوتر في علاقات تركيا مع السعودية والإمارات؟

حاولت البلدان العربية تشويه سمعة تركيا والعثمانيين في العالم العربي وحاولت جلب الانقسام والخلاف بيننا، لكن حادثة مقتل خاشقچي أثارت مشكلة في العلاقة بين السعودية وتركيا، فلا يمكن لأي بلد أن يوافق على حدوث شيء من هذا القبيل في سفارة تعمل بموجب قانونها، وهي موجودة في أراضيها.

تركيا لا ترغب في أن تدخل صراعا مع بلد ما، لكن عندما تنفذ دولة نشاطا ضد مصالحنا لا يمكننا أن نتركها من دون حساب، فهناك بلدان دعمت المحاولة الانقلابية في تركيا وتضم إرهابيين دوليين يعملون مستشارين لديها.

– عرضت تركيا سبعمئة ألف دولار مقابل معلومات تؤدي لاعتقال محمد دحلان.. ما السبب؟ وهل ثبت تورطه فعلا في المحاولة الانقلابية؟

تركيا هي دولة قانون، وهي ليست بلدا يتصرف من دون معلومات ووثائق، لذلك فإن الأنشطة والأعمال الإرهابية التي شارك في ارتكابها هذا الشخص ضد تركيا تابعتها المؤسسات التركية منذ وقت طويل، وعملية ملاحقته جاءت في إطار القانون الدولي.

تركيا عازمة على ملاحقة كل من يستخدم الإرهاب وسيلة في مناهضتها، سواء داخل حدودها أو خارجها.

ولقد عانى شعبنا من الإرهاب لسنوات عديدة، وفي منتصف عام 2016 أسفرت محاولة الانقلاب عن استشهاد 250 من مواطنينا، وكانت محاولة لتدمير الديمقراطية في تركيا والإطاحة بالحكومة المنتخبة، ولذلك ستواصل تركيا بالطبع كفاحها بطريقة مشروعة ضد كل الذين شاركوا في هذا الانقلاب بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنهم الشخص المذكور في سؤالكم.

– هل يشهد عام 2019 نهاية التحقيق في قضية اغتيال جمال خاشقجي؟
نتمنى ذلك، وموقف تركيا من هذه المسألة واضح جدا ولم تتستر على الحقائق، وهي بلد يسعى إلى اتخاذ الخطوات اللازمة في إطار القانون، حاولنا أن نعمل مع المملكة العربية السعودية ومع المجتمع الدولي لكن لم نجد التعاون المطلوب ويؤسفني القول إنه لم يتحقق بعد تقدم ملموس. العمل بشأن هذه المسألة ما زال مستمرا وغالبا سيأخذ وقتا طويلا.

– هل من أفق لتطبيع العلاقات بين تركيا ومصر بقيادة السيسي؟
إن الشعب المصري يستحق الديمقراطية والرخاء والحقوق والحريات الأساسية، ونحن نحب مصر وليس لدينا مشكلة مع شعبها، لكن لسوء الحظ حصل انقلاب ضد الراحل مرسي. وعندما ننظر على المدى البعيد، فتركيا ومصر هما بلدان شقيقان، وفي مرحلة ما سنشهد فترة يتم فيها التغلب على كل هذه المشاكل.

– تتمتع تركيا بعلاقات مع إسرائيل، كيف ترى هذه العلاقة؟

شئنا أم أبينا فإسرائيل بلد موجود في المنطقة، وعلاقات تركيا معها مبنية على المصلحة والمنفعة، وهي الآن في مستوى متدن.

إن تركيا بلد ما فتئ يدعم القضية الفلسطينية في المقام الأول، ونحن دائما ندافع عن فلسطين ونهاجم إسرائيل أمام العالم بأسره وسنبقى نواجهها ونفضح ممارساتها الإجرامية في كل المحافل الدولية، كما أن أنقرة أخذت زمام المبادرة بشأن العديد من المسائل مثل إجراءاتنا إزاء نقل السفارة (الأميركية) إلى القدس.

-هناك من يتحدث عن أزمة يعيشها حزب العدالة والتنمية الحاكم وسط إقالة وانشقاق عدد من قادته، ما تأثير ذلك على تماسك الحزب ومستقبله في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة خاصة أن الحزب تعرض لهزة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة؟

في الماضي والحاضر أُنشئت أحزاب كثيرة في تركيا وهذا لا يؤثر على حزب العدالة والتنمية كونه يضم أكثر من عشرة ملايين عضو في صفوفه ولديه قائد قوي، كما أن لدينا طاقما مدربا جيدا ونمتلك الأغلبية في البرلمان، ولم نخسر الانتخابات المحلية الأخيرة، فحزب العدالة والتنمية حصل على 52% ضمن تحالف الجمهور.

وإذا نظرنا إلى مجالس البلديات التي خسرنا رئاستها مثل إسطنبول وأنقرة فنحن نشكل الأغلبية الحاسمة فيها، لكننا في الوقت ذاته نقوم حاليا بتقييماتنا في أنقرة إسطنبول وسنحقق الفوز بهما في الانتخابات المقبلة.

والفترة المقبلة ستكون خالية من الانتخابات حتى عام 2023، وخلال هذه الفترة سنقوم بإصلاحات ومبادرات ومشاريع محلية وسنحقق إنجازات جديدة في مجالي الاقتصاد والديمقراطية.

.

المصدر : الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.