تمرّد الشباب الشيعة في العراق

تشكّل الاحتجاجات العراقية المستمرة منذ شهرين، موجة جديدة من موجات التغيير في العالم العربي. بالطبع لدينا أمثلة حاضرة ومرّة في الوقت ذاته، عن الثورات قصيرة المدى التي سرعان ما خرجت عن مسارها عبر تدخلات البعض، لتغرق تمامًا بفعل الثورات المضادة. لكن وعلى الرغم من النهايات المأساوية التي طالما تكللت بها تلك الثورات، إلا أن ذلك لم يستطع أن يقتل روح إرادة التغيير نحو حكم أفضل، في وجدان الشعوب.

حتى في تلك الأماكن التي بات الجميع يعتقد أنها قد وأدت ثوراتها، لا تزال إرادة التغيير تنبعث مجدّدًا. وذلك لأن هناك هوة متسعة فيما بين الشعوب والأنظمة الحاكمة في العالم العربي. حيث أن الأنظمة الحاكمة كما أنها لا تمثل الشعوب، فإنها كذلك تقبع جاثمة على إرادتهم، ولا وظيفة لها سوى استغلال موارد تلك الشعوب باسم الآخرين.

إن الأنظمة الحاكمة التي لا تستند إلى شعوبها، تجد نفسها مجبورة على الاستناد نحو أعمدة أخرى كي تبقى على قيد الحياة، ولذلك تراهم ينفقون موارد البلد هبة على الغرباء الأقوياء، كرشوة أو جزية مقابل الحماية. مثلًا، حاكم مصر عبد الفتاح السيسي، الذي يبدو في حالة حرب مع شعبه، لا يمكن فهم التنازلات التي قدمها سواء من خلال السد الذي على متن النيل، أو المنطقة الاقتصادية الخالصة بالبحر المتوسط، لكل من إسرائيل واليونان. وبدلًا من أن يستمد من شعبه تلك القوة التي تجعله قائمًا، يستمدها من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، وكلما اعتقد ذلك زادت الفجوة بنيه وبين شعبه.

أما في لبنان والعراق، زيادة على النفوذ الغربي؛ فمن الواضح للغاية أن الشعوب هناك ثارت ضد النفوذ الإيراني ووصايته. وفي الحقيقة إن الزعماء الإيرانيين لا يشعرون بالحاجة لإخفاء أدوار الوصاية تلك، حيث منذ وقت طويل يردّد مسؤولون إيرانيون عبارة تتناقلها ألسنتهم بفخر “نحكم سيطرتنا على ٤ عواصم سنيّة”، والمقصود بتلك العواصم السنية الأربعة؛ بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء.

عندما تتم معاينة تلك العواصم الأربعة التي تزعم إيران حاكميتها عليها، يبدو من الواضح جدًّا أن لا خير ولا منفعة ولا فائدة قد تحققت نحو الشعوب. بل على العكس، إن الشيء الوحيد الذي بقيت تلك العواصم أمامه؛ هو التدمير والفساد وانعدام الاستقرار والحروب الداخلية والفقر وانعدام الإدارة. هذا هو النموذج الوحيد الذي أبدعته إيران في تلك المناطق.

ومع ذلك، فإنه حتى ما قبل إنتاج هذا النموذج الإيراني، فإنّ تأثير إيران ومفهومها والتعاطف معها كان في درجة قوية جدًّا في تلك العواصم الأربعة. إلا أنها كلما أمعنت في ترسيخ حاكميتها، كلمات كانت تبتعد أكثر وتخلق حالة من الكراهية. على سبيل المثال، حينما بدأت ثورات الربيع العربي، كانت شعبية إيران مرتفعة. لكنها خلال وقت قصير، سرعان ما أظهرت موقفًا معاديًا للثورات، ولم تكن أكثر حكمة من السعودية أو الإمارات، على العكس بل إن إيران لعبت دورًا في قمع الشعب في سوريا واليمن، كما أنها لعبت دورًا معاديًا لثورات الشعوب وضد إرادتهم التي كانت تسعى للوقوف على أقدامها.

إن الاحتجاجات التي تشهدها بغداد وبيروت، لو أنها كانت تنطلق من قبل السنّة فحسب، فإن مسألة القضاء عليها وقمعها كان أمرًا سهلًا للغاية. إلا أن هذه الاحتجاجات تم تنظيمها بشكل أساسي من قبل الشيعة أنفسهم، وللمرة الأولى، ضد الوصاية الإيرانية على البلاد. وعلى الرغم من صدور تصريحات الدعم من هان وهناك، من الولايات المتحدة وبعض دول الخليج؛ إلا أن هذه الاحتجاجات يبدو أنها تستند حتى آخر حدودها إلى ديناميات اجتماعية، كما أن المتظاهرين يرفضون تصريحات الدعم تلك.

إن الشعوب وفق مستوى معين من الوعي، تسعى نحو حكم أفضل، ولأجل ذلك نراها بعد مرحلة معينة، تصل إلى حالة من الانفجار في وجه الفساد والإدارة السيئة، وإن العراق يبدو النموذج الأقرب لهذا المثال. حيث أن العراق منذ الاحتلال الأمريكي له، كان يشهد احتلالًا مماثلًا من قبل إيران، وإن معايشة الشعب لهذا الوضع من احتلالين في وقت واحد فجّر انعدام ثقة لديهم. لقد سيطرت إيران على جميع المؤسسات في البلد، لدرجة أن القائمين على السلطة هناك، لا يتمكنون من وعد الشعب بحياة طيبة. إن العراق الذي يمتلك أغنى موارد النفط في العالم، لا يمكنه استخدام موارده بشكل يعود بالنفع على شعبه، وذلك لأن قسمًا كبيرًا من تلك الموارد تبدو تحت النفوذ الإيراني.

إن الشباب الشيعي في العراق، وكذا بقية مناطق العراق، لم يثورا ضد الولايات المتحدة فحسب، بل ضد النفوذ الإيراني دفاعًا عن استقلالهم، وإنهم يكافحون لأجل ذلك. والمثير في الأمر، أن هؤلاء الشباب حينما يثورون على الثيوقراطية-الدينية التي تمثلها إيران، فإن ثورتهم تلك بمضمونها العام، تعتبر صورة ضد أي وصاية دينية كانت.

ولذلك السبب، نرى أن هؤلاء الشباب أنفسهم قد رفضوا تصريحات الدعم من قبل بعض رجال الدين الشيعة أيضًا. قالولا “لا تبق في الظل، لا نريد إحسانكم”. في الحقيقة، إن هذا خير دليل على أن الشباب العراقي الشيعي وكذا جميع أطياف الشعب؛ قد وصل إلى مرحلة متطورة من الوقوف ضد كافة أنواع الحكم الثيوقراطية.

إن التأثير العلماني للحكم الثيوقراطي الديني الذي تمثله السلطة في إيران، يتجلى على الجماعات الشيعية قبل أي أحد، لكنه بمفهومه العام يثير موقفًا جادًّا ضد مفهوم “الدولة الإسلامية”.

إنّ ولاية الفقيه التي تعني بالصورة الخارجية والشكل والاحتفالات، في ضوء انتشار الفساد والفقر وانعدام الاستقرار على أرض الواقع؛ من الطبيعي أن تساهم في تغذية العلمانية كلما ارتفع معيار التشدّد.

في الحقيقة إن هذا الوضع سيساعد على الوقوف بعناية حول مناقشة العلمانية، وإن هذه تجربة ملهمة وجديدة للغاية.

.

بواسطة / ياسين اكتاي

تعليق 1
  1. امجد يقول

    حسبي الله ونعم الوكيل.
    سبحان الله .اخواني الشيعة يتضاهرون ضد ايران ويتوقعون بان ايران هي التي تحكم العراق علما بان ايران تهمها مناطق العبادة الشيعية فقط و ليست الحكومة . كل مشاكل العراق و التفجيرات و الخطف و الارهاب والقتل سببها الاكراد لكن الشعب لايفهم و لا يمكنهم فهم المؤامرة . كلما كانت الدولة ضعيفة كلما اقترب الاكراد من غايتهم وهو تكوين دولة كردية قرد ستان – تمتد من شمال بغداد وجنوب تركيا الى شمال اردن جنوب دمشق ليتصل بالجولان و بهذ تكون دولة كردية اسرائيلية و العراقيون نائمون و مخدوعين بالسعودية و الامارات .
    حاليا الاكراد هم الذين يحكمون العراق لكن الشيعة بالوجه. رئيس الجمهورية كردي.رئيس وزراء كردي . سلم نصف ميزانية العراق للاكراد واستقال. وزير المالية كردي .وعدد اخر منهم. فوق كل هذا عندهم دولة كاملة داخل دولة العراق فمنطقيا الاكراد هم الذين يحكمون وليس الشيعة.
    والنقطة المهمة الدستور العراقي جعل الكردي مواطن درجة اولى و لهم حقوق اكثر من اي عراقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.