في أيام الكورونا.. ماذا عن العدالة وقضية خاشقجي؟

 بينما العالم كله مشغول بخبر فيروس، فإن هناك تطورات تحدث لتذكرنا بأن الحياة لا تزال مستمرة.

لا شك أن قضية مقتل خاشقجي كانت من أهم القضايا التي أخذت حيزًا كبيرًا خلال العام الماضي ٢٠١٩. لم تغب قضية مقتل الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي عن الأذهان، على مدار عام ونصف منذ مقتله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التي توجه إليها لاستخراج وثيقة زواج، على يد فريق من ١٥ شخصًا قدموا وفق تعليمات من السعودية، عبر طائرتين خاصتين، خنقوا خاشقجي ومن ثمّ قاموا بتقطيعه. لقد كانت جميع التطورات التي عاشتها هذه الحادثة، محط اهتمام ومتابعة وسائل الإعلام العالمية والأوساط السياسية.

لقد كانت هذه الحادثة ضربة للسعودية أزالت معها كل مساحيق التجميل التي تستخدمها للدعاية والتسويق لنفسها أمام العالم منذ وقت؛ على أنها الممثل الرسمي المسالم الناعم للإسلام المعتدل. وفي ظل هذا كانت تستخدم مصطلح”الإرهاب” أو ما تسميه “التطرف الإسلامي”، في مواجهة معارضيها المعتدلين او على الأصح؛ معارضيها المحتملين. نحن نتحدث أيضًا عن علماء مثل سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، الذين لم يتفوهوا كلمة واحدة ضد الملك أو ولي عهده. إنهم ليسوا متطرفين حتى يتم اعتقالهم وحبسهم، على العكس، فالجميع يعرف أنهم كانوا من بين أكثر العلماء انفتاحًا وثقافة على مستوى العالم الإسلامي. ربما السبب الوحيد وراء اعتقالهم أنهم لم يصفقوا لما يفعله ولي العهد ولم يطبّلوا له. إن ما حدث بحقهم كشف الوجه الحقيقي عن دعايات التسويق المظللة بمساحيق التجميل. وقد جاءت حادثة مقتل خاشقجي لتعرّي كل شيء على حقيقته بأوضح وأجلى شكل.

لقد تم ارتكاب جريمة مقتل خاشقجي على أراضي إسطنبول، إلا أن الذين قاموا بتنفيذ هذه الجريمة، كانوا قد عادوا من حيث أتوا قبل وقت طويل من بدء الكشف عن جريمتهم. ولذلك السبب يبدو أن تحقيق العدالة التي انتظرها وطالما طالب بها الجميع؛ قد تحول إلى سؤال خطير فعلًا. كان الادعاء العام التركي بإسطنبول مضطرًا لمتابعة الملف بشكل بطيء نظرًا لكون المتهمين الحقيقين هم خارج تركيا، فضلًا عن أن الجثة لم يُعثر عليها. إلى جانب أن السعودية قررت محاكمة المتهمين على أراضيها وفي محاكمها، تحت ذريعة أن الجريمة وقعت على أرض دبلوماسية تتبع لها.

لكن لم يكن أحد ليتوقع صدور قرار عادل عن المحكمة السعودية، وهي من اليوم الأول كانت تصر على الإنكار رغم وضوح الجريمة كضوء الشمس، محاولة تبرئة أو حتى حماية أشخاص لعبوا الدور الأبرز على مسرح هذه الجريمة. بغض النظر عن ولي العهد السعودي، بل حتى القحطاني والعسيري اللذان كانا على رأس فريق القتل ولا يمكن لهما فعل شيء دون أمر مباشر؛ ألم تحاول المحكمة نفي التهمة عنهما.

وبالطبع لم يكن القرار الصادر عن المحكمة في ديسمبر الماضي، مفاجئًا او مغايرًا لما كان عليه الحال منذ البداية، حيث أعلنت أن لا قضية ضد القحطاني والعسيري، بسبب عدم توفر أدلة تثبت تورطهما بالجريمة. ومن جانب آخر أعلنت توجيه التهم لـ ١١ شخص، وإعدام خمسة، وحبس ثلاثة لمدة ٢٤ سنة، وإطلاق سراح ثلاثة آخرين. واللافت أن ما خلصت إليه المحكمة هو أن الجريمة لم يتم ارتكابها عن سابق عمد وتخطيط، بل وقعت إثر تطور لشجار مفاجئ. وفي النهاية أصدروا حكمهم ضد خمسة أشخاص على أنهم المتورطون في الحادثة بشكل مباشر.

بالنسبة لنا فإننا نعتبر هذا القرار، بمثابة عملية قتل علني لخاشقجي مرة أخرى. لقد كان قرارًا يسخر من عقولنا بشكل واضح. لكن بالطبع قلنا ولا نزال أن الكلمة الفصل هي التي تصدر عن مكتب الادعاء العام بإسطنبول الذي يتابع هذه القضية، مقابل قرار المحكمة السعودية الذي لم يكن مفاجئًا أصلًا.

لقد أعلن مكتب الادعاء العام التركي الأربعاء الماضي، خلال مؤتمر صحفي، عن الفصل الأول من قضية خاشقجي التي يعمل عليها منذ وقت طويل وبعد جميع الأدلة الكافية حولها. وحسب البيان الصحفي المعلن، فإن الادعاء العام اتهم القحطاني والعسيري بارتكاب جريمة خاشقجي عمدًا بطريقة وحشية، عن سابق تخطيط وتدبير للجريمة، واعطوا التعليمات بدورهم للمتهمين الآخرين. كما تضمن البيان اتهامًا مباشرًا لـ ١٨ شخصًا آخرين، بالقتل العمد الوحشي والتسبب بمعاناة. حسب البيان، فإن المتهمين جميعًا قد تصرفوا منذ البداية وفق تناغم موحّد وارتكبوا الجريمة وفق قرار مشترك. إذن كانت الجريمة مشتركة ومخططًا لها بكل تفاصيلها المتعلقة بها، ومن أجل تنفيذ خطتهم قدّموا الدعم لبعضهم البعض وأنهوا الجريمة، أي تعاونوا وتشاركوا على تنفيذ هذه الجريمة، التي كانت نتيجتها قتل جمال خاشقجي خنقًا.

أهم جزء من بيان الادعاء العام بإسطنبول، هو أنّ “إفراد ملف تحقيق منفصل بهدف الكشف عن متهمين آخرين”. والتهم الموجهة نظرًا لجريمة القتل هذه، هي؛ “الاشتراك بالقتل العمد بشكل مباشر، التدبير والتخطيط لهذه الجريمة، إبادة أدلة تؤدي للكشف عن ملابسات الجريمة”، ما يعني أن التحقيق لا يزال مستمرًا في هذا الملف المنفصل.

وبدوره يشير الادعاء العام بإسطنبول أنه لن يتراجع عن متابعة هذه القضية، حتى ولو طالت عمليات التحقيق المستمرة.

ماذا يمكن أن نقول! نسأل الله أن يتمم ذلك، وأن تتحقق العدالة. لأن العدالة لا تؤذي أحدًا، بل تكشف عن مصير الأشياء فحسب.

.

ياسين اكتاي بواسطة/ ياسين اكتاي  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.