هبوط منحى الفيروس وتخفيف القيود.. هل سيطرت تركيا على كورونا؟

بدأت تركيا منذ الاثنين تخفيف القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، والعودة إلى الحياة الطبيعية تدريجيا.

وتتضمن القرارات الجديدة -المقرر أن تُطبَّق لمدة 45 يوما- فتح مراكز التسوق والمحال التجارية وصالونات الحلاقة والتجميل أبوابها مجددا، ولكن بشروط محددة لضمان عدم الإخلال بقواعد النظافة والتباعد الاجتماعي.

وفي إطار تخفيف القيود، قررت الحكومة التركية أيضا السماح لكبار السن (فوق 65 عاما) ولمن تقل أعمارهم عن 20 عاما المفروض عليهم حظر تجول منذ أسابيع، بالخروج إلى الشارع في أحد أيام حظر التجول العام.

كما سمحت بإقامة الأعراس وحفلات الزفاف. وفي هذا الصدد أوصى رئيس اتحاد التجار والحرفيين التركي بندوي بالاندوكان بأن تُقام تلك الاحتفالات في الحدائق المنزلية والريفية المفتوحة.

وتم رفع قيود الدخول والخروج عن سبع ولايات هي: أنطاليا وأيدن وأرضروم وهاطاي وملاطية ومرسين وموغله.

وفي هذا السياق، قال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه إن عدد الوفيات جراء فيروس كورونا يتراجع طوال الفترة الماضية، مشيرا في تغريده على تويتر إلى استمرار تراجع أعداد المصابين في العناية المركزة والموصولين بأجهزة تنفس أيضا.

وأعلن وزير الصحة في وقت سابق أن بلاده تجاوزت المرحلة الأولى من مكافحة الفيروس، معتبرا أن الحكومة باتت تسيطر على سير الجائحة في البلاد.

وأظهرت معطيات وزارة الصحة التركية أمس تسجيل 1114 إصابة جديدة، وهي الأدنى منذ ما قبل مرحلة الذروة، وبنسبة 3.4% للفحوص، وهي النسبة الأقل على الإطلاق.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى تسجيل 50 حالة وفاة جديدة لترفع عدد الوفيات إلى 3841 بنسبة 3.8%، كما تعافى 5119 شخصا، ليرتفع إجمالي عدد المتعافين إلى نحو 100 ألف، أي بنحو 70% من إجمالي المرضى.

عودة تدريجية
من جهته، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده حافظت على نسبة وفيات منخفضة، وحدّت من الانتشار السريع للفيروس عبر تطوير نماذج خاصة لرصد الإصابات وعلاج المصابين بكورونا، مشيرا إلى أن “عدد المتعافين من كورونا يرتفع أضعافا” مقارنة بالإصابات الجديدة.

ولفت أردوغان إلى أن الحكومة ستطبق تقييدا للحركة في الفترة بين 16 و19 مايو/أيار الجاري ضمن إجراءات مكافحة كورونا.

من جانبه، أعرب رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون عن أسفه إزاء تجاهل وسائل الإعلام الدولية نجاحات بلاده في المكافحة الفعالة التي تخوضها ضد الجائحة، مبينا أن بلاده اتبعت إستراتيجية اتصال قائمة على الشفافية في مكافحة كورونا.

وأكد مصدر في دائرة الاتصال بالرئاسة التركية للجزيرة نت أن إعلان الرئيس حظر تجوال جديدا أتى خشية فهم المواطنين والمقيمين في تركيا خطوات العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية بأن الأمور ستعود تماما كما كانت قبل 10 مارس/آذار الماضي، وبالتالي يعود الناس لحياتهم الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الفيروس مجددا.

وقال المصدر إن القرارات الجديدة خطوة أولى في عملية إنهاء القيود تدريجيا، التي من المنتظر أن تستمر على مدار أشهر مايو/أيار ويونيو/حزيران ويوليو/تموز، متوقعا كسر عملية التخفيف بفرض حظر تجوال خلال أيام العيد فقط.

ووصف المصدر انتشار الفيروس السريع في وقت سابق بالأمر الطبيعي كون تركيا بلدا يؤمه الملايين من البشر، لكن الأهم هو تمكّن الحكومة من السيطرة على الوباء.

غير أن معارضين ذكروا أن القرارات الجديدة بتخفيف القيود تأتي وسط تراخي الإجراءات الاحترازية ومخاوف كبرى من موجة ثانية للفيروس، حيث “يخشى الرئيس أردوغان على الاقتصاد أكثر من حياة المواطنين”، على حد زعمهم.

انتباه وحذر
ووصف أحد الأطباء الأتراك أول أيام تخفيف القيود في منشور له في فيسبوك قائلا “اليوم ذهبت لمناوبتي في المستشفى ظهرا، وكانت زحمة الطريق هي نفسها زحمة الأيام العادية قبل كورونا في ذروة الصباح. فمعظم الناس في إسطنبول عادوا للحياة شبه الطبيعية، وعلى الأقل هم خارج البيوت، سننتظر بضعة أيام إلى 14 يوما لنرصد ارتدادات ذلك على إحصاءات كورونا”.

وقال رئيس مؤسسة البحوث العلمية التركية توبيتاك “لدينا 17 مشروعا للقاح وأدوية كورونا، يعمل عليها 260 باحثا من 46 مؤسسة، وبخصوص العلاج سنقدم للرأي العام خبرا مفرحا الشهر المقبل”.

أما عضو مجلس العلوم التركي ألباي أزاب فأوضح أنه من الصعب جدا تحديد درجة تخفيف الإجراءات، ويجب النظر فيها بشكل جيد للغاية وبحذر من خلال تحليل البيانات ووضع التنبؤات الصحيحة.

وأضاف “ستستمر قواعد المسافات في المقاهي والمطاعم، وسيتم رفع المقاعد في دور السينما ولن يجلس الناس بجانب بعضهم بعضا، وسيتم رفع المقاعد المتوسطة في الطائرات”.

لا تناقض
وفي السياق، نفى الطبيب والباحث في الشأن التركي سعيد الحاج وجود تناقض بين إجراءات التخفيف التي اتخذتها الحكومة وبين إعلانها حظر تجوال لمدة أربعة أيام، لأن الإجراءات التخفيفية التي أُستلهمت من أن الوباء تم احتواؤه هي مقترنة دائما بإجراءات السلامة، وهي محاولة لضبط الوباء أكثر.

وقال الحاج، “لا يمكن القول إن أي دولة من دول العالم سيطرت تماما على الوباء، ولكن تركيا استطاعت أن تحدّ من سرعة انتشاره وتخطّت مرحلة الذروة باتجاه التناقص والتراجع التدريجي في أعداد الإصابات والوفيات”.

ولفت إلى أن الإنجاز التركي لا يقتصر على احتواء الوباء فحسب، وإنما حصول التراجع بعدما وصلت إلى الذروة بخسائر بشرية أقل مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا، وهذا يعود للبنية السكانية وللإجراءات المبكرة التي اتخذتها، وإنشائها الهيئة العلمية مبكرا، وإيقاف الرحلات مع الدول الموبوءة، وضبط الحدود وما إلى ذلك.

وفي تفسيره لاتهامات المعارضة بأن الاقتصاد أولى عند أردوغان من صحة المواطنين، ذكر الباحث الحاج أن أنقرة تحاول تحقيق نوع من التوازن باتباعها إجراءات احترازية تبطئ من سرعة انتشار المرض وفي الوقت ذاته عدم إيقاف عجلة الاقتصاد تماما.

واعتبر أن الوباء ألقى بأعبائه الاقتصادية على الدولة لتغطية ثغرات الوباء ودعم الشرائح المتأثرة، لذلك اتبعت التوازن في القرارات التخفيفية، علما أن إجراءات التخفيف لم تأت في ذروة الوباء، وإنما بعد التراجع في أعداد الوفيات.

.

المصدر / الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.