لماذا آنَ لتركيا أن تنام مطمئنة ؟!

حل وباء كورونا على البشرية فغير سلوكها، وبدل نمط حياتها، ونقل الحياة من الأرض إلى وسائل التواصل على الشبكة العنكبوتية في التعليم والمؤتمرات والندوات والمحاضرات والفعاليات، وفيما كانت له كوارث فقد كانت له ميزات، ومنذ نزل هذا الوباء بالأرض اختلف التعامل الحكومي الرسمي نحوه من حكومة لأخرى.

تعامل الحكومات المستبدة

 فهناك حكومات تعاملت مع شعوبها بشأنه ضمن إطار الأكاذيب والعشوائية والإهمال “وفرد العضلات” بإظهار الجلد والكفاية كذبا وزورا، وأرادات أن تثبت ذلك فأبرزت قدرتها على الكفاية الداخلية التي فاضت لتشمل مساعدات لدول أخرى من الصين شرقا إلى أميركا غربا، في صورة مضحكة يعلم القاصي والداني أنها أقرب إلى الأكاذيب والادعاءات منها للصدق والحقائق.

بل إن هناك بعض الحكومات أرادات أن تُطمئن شعوبها كذبًا فأمرت الجهات الرسمية أن تفتح أبوابها للعمل بشكل طبيعي، وصورت المواطنين بالكاميرات وهم يخلعون الكمامات في رسالة طمأنة إلى أن الوباء انتهى، والأمر في حقيقته غير ذلك تماما.

تعامل الحكومات المحافظة على شعوبها

وهناك حكومات تعاملت بشفافية وجدية وجاهزية، وأعلنت الحقائق والأرقام يوما بعد يوم ما كان موضع تندر الحكومات الفاشلة والشماتة وخلع صفاتها عليها على طريقة “رمتني بدائها وانسلت”، وكان من نتيجة الصدق والشفافية مع الشعوب ظهور الأرقام على حقيقتها، ما ترتب عليه استقامة الشعوب وأخذ الأمر بجدية وتفاعل لحفظ النفوس والأرواح، وهذا شأن الدول التي تحترم شوعبها وتحفظ حقوقهم وتقدر آدميتهم.

وتعاظمت هذه الأرقام يوما بعد يوم ثم بدأت بعد أكثر من شهرين في الانحسار والتراجع والدخول تحت سلطان السيطرة والقدرة على التعامل فيما أمست الحكومات الكاذبة المستبدة داخلة تحت “إطار” الانفلات والفوضى والعجز عن المواجهة، إن صح أن يكون لذلك “إطار”.

تركيا نموذجا

ومن الحكومات التي تعاملت مع الوباء بكفاءة عالية وصدق وشفافية مع شعبها: الحكومة التركية، التي نهضت من أول يوم بجد واجتهاد، وسخرت كل إمكاناتها لمواجهة هذا الوباء، وتفوقت قدراتها وإمكاناتها – حقيقة وصدقا لا ادعاء وكذبا – على حاجاتها الحقيقية فصدرتْ خبرتها وما فاض من إمكاناتها لمساعدة دول العالم .. فماذا فعلت تركيا وكيف تصرفت مع هذا الوباء، وكيف تعامل الرئيس التركي، ووزير الصحة ووزير التعليم وبقية المسئولين، وماذا جرى خلال أكثر من شهرين؟!

مضى أكثر من شهرين (حوالي 80 يوما)  منذ أن أعلنت تركيا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا  رسميا يوم ١١ مارس الماضي، ماذا جرى خلال أكثر من شهرين كما ذاع على وسائل التواصل، وهو صحيح؟! ها هو ما حدث بالأرقام والإجراءات المبهرة:

سياسيا واقتصاديا

أكثر من شهرين: أغلقت المدارس والجامعات وتم تفعيل نظام التعليم عن بعد  مباشرة في خلال أيام!

أكثر من شهرين: تم إعلان حظر التجول في كل تركيا (٨١ مدينة) على أيام متفاوته بدون ما ينقص كيس أرز من أي نافذة بيع.

أكثر من شهرين: دعم كامل بسيولة نقدية وحزمة تسهيلات ضخمة لكل منتجي الغذاء والدواء، ولم يحتج أي (ماركت) لأي نقص ملحوظ.

أكثر من شهرين: مراقبة صارمة على كل أسعار السلع الأساسية وتغريم المخالفين.

أكثر من شهرين: الحكومة ضخت فيهم أكثر من 240 مليار ليرة (يحسب وزير المالية) لدعم القطاعات المتضررة.

أكثر من شهرين: تأجيل تحصيل الضرائب والتأمينات والمستحقات الإدارية على الشركات لمدة ٦ أشر  بتكلفة كبيرة على الدولة.

أكثر من شهرين: قروض ميسرة على سنتين ونص بقيمة كبيرة أيضا.

أكثر من شهرين: دفع ١٠٠٠ ليرة دعم بطالة على شهرين لكل مستحقيها (حوالي ٢ مليون مواطن).

أكثر من شهرين: حملة تبرعات وصلت لـ ٢ مليار ليرة وطبقا للإحصائيات أكبر مموليها رجال الأعمال والفنانين والمشاهير والاتحادات الصناعية والعمالية ..

صحيا واجتماعيا :

أكثر من شهرين: تبنت فيهم ٥ مستشفيات بحصيلة أكبر عدد سراير طبية في أوروبا، حوالي ٥ آلاف سرير.

أكثر من شهرين: وصلت نسبة غرف العناية المركزة لتكون الأكبر في أوروبا – بنسبة ٥٠ سرير عناية لكل ١٠٠ ألف مواطن، ثم زاد شيئا فشيئا، وبخاصة في المستشفيات الجديدة.

أكثر من شهرين: تصنيع آلاف من أجهزة التنفس الصناعي تصنيعا محليا، وبدءوا يصدرون منه للدول المحتاجة.

أكثر من شهرين: توزيع ماسكات ال N95 وكل مستلزمات الحماية على كل العاملين بالقطاع الصحي في تركيا. “قارن هذا بحالات الوفيات الكثيرة للأطباء في بعض الدول”.

أكثر من شهرين: تصنيع الماسكات الطبية والبدل الواقية تصنيع محلي حتى فاضت وتم تصديرها كمساعدات إلى ٦٧ دولة في العالم وعلى رأسها أوروبا وأمريكا.

أكثر من شهرين: توزيع الماسكات الطبية على كل الشعب مجانا، وسمح ببيعها بحد أقصى ليرة للماسك.

أكثر من شهرين: تقرير إعطاء العاملين في الصحة حوافزهم بالحد الأعلى الممكن لثلاثة أشهر، بغض النظر عن الأداء وربح المستشفيات خلال هذه الفترة.

أكثر من شهرين: رأينا فيهم قرارا بتشكيل ما يسمى “المجلس العلمي” الذي يضم زهرة الزهرة وفخر القطاع الصحي في تركيا ما بين بروفيسور ودكتور ورئيس قسم وعلماء ذوي خبرات برئاسة وزير الصحة ليكون أيُّ قرار علميًّا ومدروسًا قبل إصداره.

أكثر من شهرين: وزير الصحة ورئيس الجمهورية كان لهم لقاء أسبوعي مع طاقم الوزراء، وكان هناك بيانات يومية وأسبوعية بشكل دائم وذلك لتطمين الناس بأن الموضوع تحت السيطرة والمتابعة والمراقبة وأما الإجراءات فكانت تحت إشراف “المجلس العلمي”.

أكثر من شهرين: رأينا فيهم خدمة “الوفاء” وهي توصيل كل احتياجات كبار السن فوق ال ٦٥ عاما أو الأطفال دون ال ٢٠ عاما لحد باب البيت، ما عليك إلا أن تتصل بالهاتف ويصلك ما تريد، والذي يقوم بتوصيل الاحتياجات هم قوات الشرطة والبلديات والجيش!

أكثر من شهرين: تم فيهم تنفيذ أكثر من مليون ونص تحليل للفيروس.

أكثر من شهرين: تركيا أجْلَتْ فيهم أكثر من ٢٥ ألف مواطن من ٧٠ دولة وكل طلابها بالخارج على حسابها وبطائرات خاصة إذا احتاج الأمر.

المفاجأة:

أكثر من شهرين: الرئيس التركي أردوغان تكلم فيهم للشعب مرات عديدة، لا يمر أسبوع إلا ونرى وجهه على الشاشات، وإصراره على تطمين الشعب، ومدى جدية الأمر، وما الذي تواجهه الدولة، وما هي الخطة، وماذا سنفعل الآن، وفي المدى القادم المنظور . أحاديث متتابعة ومباشرة لكل مواطني الجمهورية التركية لكي يجيب على كل الأسئلة التي تدور في أذهان المواطنين.

أكثر من شهرين: وزير الصحة التركي، وهو دكتور وأيضا مؤسس أحد أكبر الجامعات الطبية في تركيا سواء في التعليم أو البحث العملي .. كان – وما يزال يظهر بشكل شبه يومي، وأحيانا في اليوم أكثر من مرة، إما في مؤتمر مباشر أو لقاء صحفي أو تلفزيوني أو اجتماع ، لدرجة أن صحفية من المعارضة سألته في مؤتمر مباشر “أنت لا ترتاح وهذا من شأنه أن يؤثر على قرارات أهم وزير في الوقت الحالي” فرد عليها قائلا “أنا مهتم بصحتى ونومي ولكن نحن لسنا في ظرف عادي، وأصدقائي في القطاع الصحي يتعبون أكتر مني فهم المفروض أن نسأل عنهم وعن صحتهم”.

.

وصفي ابو زيدبواسطة / د. وصفي عاشور أبو زيد
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.