قراءة الأتراك لأحداث الولايات المتحدة  

خرج مئات الآلاف من الأمريكيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة احتجاجا على مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، لدى اعتقاله في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية، بعد انتشار مقطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي يظهر ضابط شرطة أبيض يضغط بركبته على عنق فلويد بشكل مستمر، على الرغم من قول الأخير إنه لا يستطيع أن يتنفس. وسرعان ما تحولت المظاهرات الغاضبة إلى أعمال عنف وتخريب، وسلب ونهب، وحرق للممتلكات، واشتباكات مع الشرطة.

الأتراك، كبقية شعوب العالم، يتابعون ما يجري في الولايات المتحدة، ويعلقون على أعمال الشغب ونزول الجيش الأمريكي إلى الشوارع، وتعامل قوات الأمن مع المتظاهرين باستخدام قوة مفرطة، كما يقارنون أحداث أمريكا بأحداث “غزي باركي” التي شهدتها إسطنبول في صيف 2013. ويمكن القول بأن بعض الأتراك، سواء من المؤيدين للحكومة أو المعارضين لها، يتابعون الاشتباكات بين الشرطة الأمريكية والمتظاهرين وأعمال التخريب التي تقوم بها بعض المجموعات، وهم يشعرون بكثير من الشماتة، ويتمنون أن تشتغل واشنطن بنفسها لتكف عن التدخل في شؤون الآخرين، لأنهم يعتقدون بأن الولايات المتحدة لها يد في الأحداث المشابهة التي شهدتها تركيا ودول أخرى في العالم. كما أن الدور الذي تلعب فيه حركة “أنتيفا” اليسارية في الأحداث، يؤجج هذا الشعور.

حركة “أنتيفا” الناشطة في أوروبا والولايات المتحدة، هي منظمة يسارية متطرفة تصف نفسها بأنها مناهضة للفاشية والنازية واليمين المتطرف. وينتمي أعضاؤها إلى تيارات يسارية مختلفة، ويروجون للفوضوية المسلحة، ويقومون بأعمال عنف وتخريب خلال مظاهرات احتجاجية. واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحركة بالوقوف وراء أعمال الشغب والاضطرابات التي تشهدها الولايات المتحدة، مضيفا أن الإدارة الأمريكية ستصنفها تنظيما إرهابيا.

تصريحات ترامب هذه دفعت الأتراك إلى التعليق على العلاقة الوثيقة التي تربط حركة “أنتيفا” بحزب العمال الكردستاني، ولفتوا إلى مشاركة عدد من أعضاء الحركة في القتال شمال سوريا في صفوف وحدات حماية الشعب الكردي، كما نشروا صورا تظهر أعضاء الحركة مع عناصر المنظمة الإرهابية في معسكرات الأخيرة وهم يرفعون علمي حركة “أنتيفا” ووحدات حماية الشعب الكردي.

الولايات المتحدة تقدم إلى وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني دعما سخيا في سوريا، بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وأرسلت وزارة الدفاع الأمريكية (وما زالت ترسل) إليها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

وتقوم وحدات حماية الشعب الكردي بتدريب أعضاء حركة “أنتيفا” في معسكراتها في شمال سوريا، وبعد استكمال التدريب والمشاركة في القتال لمدة، يعود هؤلاء إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة ليثيروا الفوضى، ويواصلوا الإرهاب، ويقوموا بأنشطة مخلة للأمن والأمان. ولذلك، يتساءل كثير من الأتراك: “يا ترى، هل يعرف المواطنون الأمريكيون أن أعضاء هذه الحركة المتطرفة يتدربون في شمال سوريا على يد منظمة إرهابية يتم تمويلها بأموال الضرائب التي يدفعونها؟”.

أنقرة سبق أن حذرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة من دعم حزب العمال الكردستاني في سوريا بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وقالت إنه من الخطأ مكافحة تنظيم إرهابي بالتعاون والتنسيق مع تنظيم إرهابي آخر. وكان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان قال، في إحدى كلماته في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، إن الأسلحة التي تقدمها الدول الغربية إلى المنظمة الإرهابية سيتم توجيهها في المستقبل إلى ذات الدول.

حزب العمال الكردستاني تنظيم إرهابي ذو توجهات يسارية ماركسية لنينية. وتشكل هذه الأيديولوجيا أرضية مشتركة تجمعه مع حركات يسارية متطرفة في العالم. وبعبارة أخرى، يرضع حزب العمال الكردستاني وحركة “أنتيفا” من ثدي واحد. ويقول أحد أعضاء الحركة الذين تدربوا في معسكرات حزب العمال الكردستاني بمنطقة الحسكة، إنهم قرأوا كتب عبد الله أوجلان، زعيم المنظمة الإرهابية، وأعجبوا بآرائها. ويضيف أنهم وأوجلان يهدفون إلى ثورة فوضوية من أجل إقامة ديمقراطية بلا دولة.

الاضطرابات في الولايات المتحدة ما زالت مستمرة، وليس من الواضح حتى الآن هل سيقدم ترامب خطوات عملية لتصنيف حركة “أنتيفا” تنظيما إرهابيا كما قال، أم سيبقى تهديده حبرا على ورق، إلا أن الأتراك يتمنون أن تعيد الولايات المتحدة النظر في دعمها لحزب العمال الكردستاني، بعد ركوب أعضاء الحركة الموجة لتحويل المظاهرات السلمية إلى اشتباكات مع الشرطة وأعمال تخريب وإرهاب .

.
قراءة الأتراك لأحداث الولايات المتحدة
بواسطة/ إسماعيل ياشا
.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركياالآن”
تعليق 1
  1. شادي عليان يقول

    تعقيبا على ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية من تمييز عنصري هو دليل على التناقض في آراء الشارع الأمريكي تجاه القضايا الإقليمية والدولية….. وهذا واضح جدا… فهي تعمل على زعزعة الإستقرار في العالم….. وتعمل على الفتن بين الدول وبعد ذلك تقول أنها دولة ديمقراطية….. ولكن العكس هو الصحيح…. وأن ما يحصل عندهم هو نتيجة هذه السياسة …. يعني بوجهين …. وهذا ما يحصل في قضيتنا الفلسطينية….وأي قضية في هذا العالم…. وتحاتي لكم ولقناتكم الموقره….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.