تعرف على شجرة ساهمت في إنقاذ ملايين البشر

ساهمت شجرة “سينشونا أوفيسيناليس” وموطنها سفوح جبال الإنديز جنوب غرب بيرو، في تغيير شكل تاريخ البشرية لقرون.

وتقول ناتالي كانالز، عالمة بيولوجيا بالمتحف الوطني بالدنمارك وتنحدر من منطقة غابات الأمازون في بيرو، إن المُركب الذي يستخرج من هذه الشجرة أنقذ حياة الملايين على مر التاريخ، وفق ما نقلت “بي بي سي”.

ويستخرج من لحاء هذه الشجرة النادرة (مهددة بالانقراض) مادة الكينين، التي تعد أول عقار لعلاج الملاريا في العالم.

وفي الأسابيع الماضية أصبحت هذه المادة الطبية محل جدل عالمي واسع. وروّج البعض للبدائل المخلقة معمليا لمادة الكينين، مثل كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين، كعلاجات محتملة لفيروس كورونا المستجد.

ويعد مرض الملاريا، الذي تسببه طفيليات ينقلها البعوض بين البشر، من أكثر الأمراض فتكا في تاريخ البشر، إذ اجتاح الإمبراطورية الرومانية منذ قرون عدة وأودى بحياة ما يتراوح بين 150 إلى 300 مليون شخص في القرن العشرين.

ويقال إن لحاء سينشونا أوفيسيناليس، الذي يعد أول علاج معروف للملاريا، اكتشفت في جبال الإنديز في القرن السابع عشر.

ويقتل الكينين، وهو مركب شبه قلوي يستخلص من لحاء شجرة سينشونا، بالفعل الطفيلي المسبب للملاريا

واستخدمت مادة الكينين في فرنسا لعلاج الملك لويس الرابع عشر من نوبات الحمى. وأجرى طبيب البابا في روما تجارب عن مسحوق الكينين ووزعه الكهنة اليسوعيون على الجمهور مجانا.

وأدرجت كلية الأطباء الملكية لحاء الكينا في دستور الأدوية البريطاني كعقار رسمي في عام 1677.

ولتلبية الطلب المتزايد على مادة الكينين، استعان الأوروبيون بالسكان المحليين للبحث عن شجرة سينشونا أوفيسيناليس، أو الكينا، في الغابات المطيرة والحصول على لحائها وتحميلها في سفن نقل البضائع في مرافئ بيرو. وما لبثت شجرة الكينا أن أصبحت نادرة.

وارتفعت قيمة لحاء الكينا في القرن التاسع عشر، بالتزامن مع التوسعات الاستعمارية، حين أصبحت الملاريا من المخاطر الكبرى التي تهدد الجيوش الأوروبية في المستعمرات الأجنبية. وبات الحصول على مادة الكينين أحد المزايا الاستراتيجية في السباق نحو الهيمنة العالمية. ومن ثم أصبح لحاء الكينا أحد أكثر السلع طلبا في العالم.

وعلى الرغم من ظهور عقار “أرتيميسينين”، في السبعينيات من القرن الماضي كعقار بديل لعلاج الملاريا، إلا أن الطلب على مادة الكينين ترك إرثا لا يزال واضحا في مختلف دول العالم. إذ حول الهولنديون مدينة باندونغ عاصمة جاوة الغربية في إندونيسيا إلى أكبر مركز عالمي للكينين.

ولعبت مادة الكينين دورا كبيرا في انتشار اللغة الإنجليزية في الهند وهونغ كونغ وسيراليون وكينيا وسريلانكا، واللغة الفرنسية في المغرب وتونس والجزائر.

وفي غمرة البحث عن مادة الكينين في منتصف القرن التاسع عشر، حصلت بوليفيا وبيرو على حق احتكار تصدير لحاء شجرة الكينا. وأنفقت بوليفيا أرباح صادرات لحاء الكينا على إقامة كاتدرائية مدينة لاباز ورصف شوارعها الحجرية وبناء ميادينها الواسعة في قلب المدينة التاريخي.

غير أن الطلب المتزايد على لحاء الكينا خلف ندوبا واضحة على موطن الشجرة الطبيعي. ففي عام 1805 سجل المستكشفون 25,000 شجرة كينا على سفوح جبال الإنديز في الإكوادور، لم يتبق منها الآن في نفس المنطقة سوى 29 شجرة.

وتقول كانالز إن إزالة الأنواع الغنية بمادة الكينين من شجرة الكينا في جبال الإنديز أدى إلى تغيير التركيبة الجينية للنبات، وأضعف قدرته على التطور والتغيير. وترى أن أشجار الكينا أصبحت تحتوي على نسبة أقل من الكينين بسبب الحصاد الجائر.

وتقول كانالز إن اكتشاف عقاقير جديدة في المستقبل يتوقف على حماية أشجار الكينا والموطن الأصلي لهذه الأشجار الغنية بالتنوع الحيوي.

وتقول باتريشيا شلاغينهوف، أستاذة طب السفر بجامعة زيوريخ، إن قصة مادة الكينين تدل على أن التنوع الحيوي يرتبط ارتباطا وثيقا بصحة البشر. وقد ينسب الفضل للنباتات في الاكتشافات الطبية الكبرى في تاريخ البشرية.

.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.