إسرائيل تشكل أكبر تهديد على الأمن العالمي

اليوم هو اليوم الذي أعلنته إسرائيل لبدء إتمام خطة “ضم” وادي نهر الأردن وإكمال بناء المستطونات اليهودية التي تبنيها منذ سنوات، رغم اعتراض العالم أجمع، في الضفة الغربية الواقعة أصلا تحت احتلالها. وتعتبر هذه الخطوة هي أكثر الخطوات التي أقدمت عليها إسرائيل وقاحة وعندا، ضاربة بكل القوانين عرض الحائط، بعدما وسعت أراضيها بشكل تدريجي منذ قيام دولتها حتى لم تجعل للفلسطينيين مساحة يلتقطون حتى بها أنفاسهم. ولهذا السبب فلا تجد إسرائيل تحظى هذه المرة حتى بدعم أي من الدول التي اعتدنا أن نراها تدعمها، بخلاف الولايات المتحدة بطبيعة الحال. بل إن عدد كبير من الدول التي لطالما تعودنا على سياساتها المناصرة لإسرائيل يعارض هذه الخطوة علانية ويحذر إسرائيل لتتراجع عنها. أضف إلى ذلك أنه حتى من في الولايات المتحدة، باستثناء ترامب وفريقه المقرب، ينتقدون خطة الضم هذه يحذرون من أنها ستكون سبب في تخلي واشنطن عن دورها في إقرار السلام والاستقرار بين جميع الأطراف في الشرق الأوسط.

لا شك في أن الدور الذي تلعبه أمريكا عندما يكون الأمر يخلص قضايا فلسطين وإسرائيل لم يكن دورا وسيطا أبدا. بل على العكس تماما كانت واشنطن دائما هي الطرف الذي يقود المفاوضات لمصلحة إسرائيل. وحتى عندما كانت تتظاهر بالوساطة الحيادية وتقبل هذا الدور فإنها لم تكن تفعل شيئا سوى التلاعب بالأوراق لصالح إسرائيل. لكن يبدو أنه يوجد داخل الولايات المتحدة قطاع عريض من الذين لا يتفقون أبدا مع مخطط الضم هذا الذي يعارض العقل والمنطق والضمير والقانون. ولا يقل أصحاب هذا الرأي بين الديمقراطيين المناصرين لإسرائيل عنه بين الجمهوريين. فإسرائيل هي صاحبة أكثر القضايا حساسية بين الحزبين الكبيرين. غير أنه يبدو أن خطتها هذه المرة لا تتمتع بأي جانب يمكن أن يحظى بالدعم والدفاع عنه.

إن إسرائيل لا تكون قد احتلت بعض المناطق بشكل تدريجي من خلال المستوطنات اليهودية التي بنتها في الأراضي المملوكة لمواطنين فلسطينيين على مدار سنوات، بل إنها تبني جدرانا حول هذه المستوطنات لأنها تعتبر أن الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي تحتلها يمثلون تهديدا على مستوطناتها التي بنيت بشكل مخالف للقانون. وهكذا يصبح أمامنا جدار أمني عجيب ومخالف لكل قواعد الإنسانية. وإن هذا الجدار ليس مبنيا حول المستوطنات اليهودية، بل مبني حول المناطق التي يعيش بها جيرانهم من الفلسطينيين لتحوَّل المساحة المتروكة لهم إلى ما يشبه معسكر الاعتقال. وهو الإجراء الذي يعتبر بمفرده إجراء مخالفا للإنسانية، لكن إسرائيل لا تكتفي به وحسب، بل ترى إسرائيل أن من حقها أن تضم كامل الأراضي الفلسطينية التي تشكل حوالي 30% من الضفة الغربية لأنها تعتبر أنها تشكل تهديدا على مستوطناتها التي بنتها بشكل مخالف للقانون.

إن مصطلح الأمن هو من أكثر المصطلحات المنافقة للنظام الدولي الذي نعيش فيه. فعندما يرد ذكر الأمن يتوقف كل شيء ونجدهم يختلقون حجة لكل أنواع الظلم وانتهاك حقوق الإنسان. بيد أنه لو أن هناك تهديدا أمنيا في الوقت الراهن فهو ليس من الفلسطينيين للإسرائيليين، بل على العكس تماما. فإسرائيل تهدد الفلسطينيين دائما، فهذا التهديد ليس افتراضيا بل حقيقي. فانظروا مثلا إلى خرائط فلسطين – إسرائيل كيف تشكلت منذ عام 1967، فلن نرجع بالتاريخ كثيرا، سترون كيف اكتست الأراضي التي يرجع ملكية معظمها للفلسطينيين باللون الإسرائيلي بشكل تدريجي خلال تلك السنوات.

إسرائيل لا تشكل تهديدا للفلسطينيين فقط، بل للعالم كله. ولقد رأينا الدور التجاوزي الذي تلعبه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية قريبا كذلك في ضمها للغولان. ويكفي أن توافق واشنطن ولا تصدر أي صوت على الساحة الدولية كي تضم إسرائيل مناطق تحتلها بالفعل.

لم تتورع إسرائيل وتتوقف عما تفعل حتى في أوقات مفاوضات السلام والتطبيع والاستقرار السابقة. بل حتى إنها في الوقت الذي كان تعقد فيه المفاوضات كانت من ناحية أخرى تواصل تشييد المستوطنات التي تقوم على فكرة الاحتلال وضم الأراضي الفلسطينية في المرحلة التالية. كما استغلت الهدوء خلال مرحلة المفاوضات لتوسيع نطاق احتلالها. وها هي اليوم والجميع منشغلا بمواجهة جائحة كورونا تسعى لانتزاع مزيد من الأرض، لكنها خطوة من شأنها أن تصيب الجميع بالجنون.

في الواقع علينا أن نعترف أن تطورات الأحداث بهذه الطريقة لا تدل على خير كذلك لإسرائيل التي تبنت فكرة الاحتلال كأسلوب من أجل بقائها. فهي ستمثل أكبر تهديد حتى على نفسها بسبب أسلوبها الاعتدائي هذا الذي تتبعه متحججة بحفظ أمنها.

ولنذكركم بأن الصليبيين احتلوا القدس قبل ذلك لنحو قرن من الزمان، لكن مائة عام ليست بالفترة الطويلة في تاريخ البشرية.

ينبغي لإسرائيل الا تثق بأمريكا أو الاتحاد الأوروبي أو أي قوة دولية أخرى، بل يجب ألا تثق كثيرا كذلك بأنظمة بعض الدول الإسلامية التي استطاعت ضمان تأييدها وإسكاتها بعدما اشترتها أو هددتها. فشعوب هذه الأنظمة وصلت لمرحلة الانفجار غضبا بسبب هذا الاحتلال الظالم. وإذا ما أصرت على هذه السياسيات فلا ريب أن هذا الغضب سيصل إليها هي كذلك في أكثر الأوقات التي تشعر فيها بالأمان. ولقد كان فرعون قد اتخذ ما يلزم من “تدابير أمنية” مزعومة لمواجهة موسى عليه السلام. لكن هذه التدابير نشرت الحنق بين بني إسرائيل، ما أذن بنهاية فرعون. لا شك أن الأدوار تغيرت اليوم، لكن المصير واحد، ويبدو أن إسرائيل تسير بسرعة نحو نهايتها.

.

ياسين اكتايبواسطة / ياسين اكتاي  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.