تنازلات مصر بالتحالف مع أثينا لمواجهة تركيا  

لطالما أعلنت أنقرة سابقاً استعدادها لمناقشة جميع القضايا مع اليونان دون أي شرط مسبق. كما دعت برلين مرة أخرى يوم الاثنين إلى محادثات مباشرة بين اليونان وتركيا، لتهدئة التوتر الذي أشعله اتفاق اليونان ومصر المثير للجدل. لكن تحرك اثينا الأخير يكشف أنها ستواصل “مطالبها المتطرفة”.

أعلنت أنقرة في 10 أغسطس أن سفينة الأبحاث والتنقيب التركية “أوروج رئيس”، ستواصل أنشطة الحفر في شرق البحر المتوسط حتى 23 أغسطس.

وكتب “فاتح دونماز” وزير الطاقة والموارد الطبيعية على تويتر قائلاً: “وصلت سفينة التنقيب التركية أورج رئيس بعد مغادرتها أنطاليا إلى منطقة العمليات في البحر المتوسط لتنفيذ مهمتها الجديدة. يدعمك حوالي 83 مليون تركي يا أوروج رئيس”.

ورافقت السفينة العملاقة في رحلتها البحرية ، سفينتان لوجستيتان هما “جنكيز خان” و”أتامان” التابعتان لقوات البحرية التركية. ومع أن اليونان أصدرت أمراً مضادًا لمهمة السفينة التركية، لكن لم تشاهد تعبئة كبيرة للبحرية اليونانية حتى الآن.

وتم إعلان مهمة التنقيب التركية الجديدة لأول مرة في 6 أغسطس وهو نفس اليوم الذي أعلنت فيه اليونان ومصر توقيعهما على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط. وصرحت وزارة الخارجية التركية أن ما يسمى اتفاقية الحدود البحرية بين اليونان ومصر باطلة ولاغية وأعلنت بالقول:”تقع المنطقة التي يفترض أنها ترسم الحدود بين مصر واليونان داخل الجرف القاري التركي كما هو معلوم للأمم المتحدة”.

وتظهر التطورات الأخيرة أن التوتر في شرق البحر المتوسط لن يخف وأن التصعيد سيستمر. لأن أنقرة بالرغم من إعلانها في أواخر يوليو أن “أوروج رئيس” ستبدأ الحفر، قامت بتعليق القرار بناء على طلب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بهدف إعطاء فرصة للدبلوماسية واستئناف المحادثات بين حليفي الناتو تركيا واليونان، وإيجاد حل لتقاسم عائدات احتياطيات النفط والغاز في شرق المتوسط.

وفي 7 أغسطس قال الرئيس رجب طيب أردوغان:”طلبت مني ميركل إيقاف عمليات التنقيب. وقلنا إذا كنت تثقين باليونان، فسوف نوقف العمل لبضعة أسابيع، لكننا لا نثق بهم”.

وأضاف أردوغان:”لم يفوا بوعودهم”.

وقال “إبراهيم قالن” المتحدث باسم الرئاسة التركية خلال عطلة نهاية الأسبوع، إن الاتفاق اليوناني المصري المثير للجدل تم توقيعه قبل يوم واحد من الإعلان المشترك لأنقرة وأثينا باستئناف المحادثات من أجل حل المشاكل بين البلدين.

ولطالما أعلنت أنقرة سابقاً استعدادها لمناقشة جميع القضايا مثل قضية بحر إيجة والجرف القاري والجزر والمجال الجوي وجهود البحث والتنقيب شرق المتوسط، إلى جانب المسائل الثنائية الأخرى مع اليونان دون أي شرط مسبق. كما دعت برلين مرة أخرى يوم الاثنين إلى محادثات مباشرة بين اليونان وتركيا، لتهدئة التوتر الذي أشعله اتفاق اليونان ومصر المثير للجدل. لكن تحرك اثينا الأخير يكشف أنها ستواصل “مطالبها المتطرفة”.

من ناحية أخرى، صرحت أنقرة أن ما يسمى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين اليونان ومصر تؤيد في الواقع فرضية تركيا بأن الجزر ليس لها جروف قارية ذات سيادة. وبحسب تركيا، فقد تنازلت اليونان لمصر عن هذه الحقوق السيادية. وقال وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو: “يبدو أنه تم تقديم تنازل بشأن الحقوق السيادية للجزر، بما في ذلك جزيرة كريت. وقد أثرنا هذا الموضوع من قبل في انتقاداتنا أمام وزراء خارجية اليونان السابقين أيضاً. ونجد هذا التنازل يوفر دعماً أساسياً لأطروحتنا”.

ولا تشمل الصفقة بين مصر واليونان جزيرة “كاستيلوريزو” ولا أجزاء من ساحل رودس. وبحسب الأنباء، حاولت مصر مقاومة المطالب اليونانية لتتجنب مواجهة تركيا.

وتعتبر تركيا أن تحديد “الجرف القاري” يتم بقياس المسافات انطلاقاً من البر الرئيسي، نظراً إلى أن قاع بحر إيجة هو امتداد جغرافي لكتلة اليابسة في الأناضول. ويتم تقسيم المسافة مناصفة بخط واضح عندما تتداخل المطالبات البحرية بين دولتين. وهذا التحديد يجعل تركيا صاحبة الحق بمناطق اقتصادية تصل إلى الخط المنصف لبحر إيجة، باستثناء المياه الإقليمية حول الجزر اليونانية في نصفها الشرقي، والتي تعترف بها تركيا كمناطق يونانية.

وتتخذ تركيا من جزيرة “كاستيلوريزو” اليونانية الواقعة على بعد كيلومترين من الساحل التركي، وعلى بعد 600 كيلومتر من البر الرئيسي اليوناني مثالاً على ذلك. ووفقاً لوجهة نظر تركيا القائمة على الأسهم، لا ينبغي أن يكون لجزيرة “كاستيلوريزو” منطقة اقتصادية حصرية نظراً إلى كونها جزيرة صغيرة جداً ولا يحق لها الاستناد إلى مقولة أن السيادة البحرية القانونية تقوم على مساحة أكبر بـ 4000 مرة من مساحة اليابسة، لأن المنطقة الاقتصادية الخالصة يجب أن تستند إلى الأطوال النسبية للخطوط الساحلية المجاورة.

لكن اليونان التي تزعم أن جميع الجزر يجب أن يتم اعتبارها براً رئيسياً بغض النظر عن مساحتها، تخلت عن مطالباتها وقامت بتقديم التنازلات.

كما أشار الوزير جاوش أوغلو إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها اليونان مع إيطاليا مؤخراً والتي لم تبدأ الجرف القاري السابق من جزرها في البحر الأيوني. وأكد جاوش أوغلو أن “هاتين الاتفاقيتين تؤيدان أطروحتنا”. فلماذا تتخلى اليونان عن مطالبها القديمة عندما يتعلق الأمر بمصر وإيطاليا وتتجاهل حقوق تركيا؟

وفي خسارة جديدة للشعب المصري، تخلت مصر باتفاقيتها الأخيرة مع اليونان عن مساحة تبلغ حوالي 10.000 كيلومتر مربع بالإضافة إلى خسارتها مساحة 11.500 كيلومتر مربع فيما يسمى بالاتفاقية الموقعة بينها وبين إدارة قبرص الرومية عام 2003. لكن القاهرة لا تهتم بالأمر ولا تتردد في اغتصاب حقوق ليبيا التي أعلنت حكومتها الشرعية المدعومة من الأمم المتحدة عقب الإعلان عن الصفقة اليونانية المصرية، أنها لن تسمح لأي طرف بانتهاك حقوقها البحرية.

ومنذ بداية العقد الأول من القرن الحالي، خلقت أنشطة التنقيب عن الغاز الطبيعي شرق المتوسط أزمات وفرصاً جديدة. ويشير تقرير نشرته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 2010، إلى أن هناك ما يقدر بنحو 3.45 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و 1.7 مليار برميل من النفط في حوض بلاد الشام، وهي منطقة تقع بين قبرص ولبنان وسوريا وإسرائيل. وهذا يعني أن أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم يقع في شرق البحر المتوسط.

كما أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن ما يقرب من 1.8 مليار برميل من النفط، و 6.3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و 6 مليارات برميل من احتياطيات الغاز الطبيعي المسال، موجودة في حوض دلتا النيل.

علاوة على ذلك، هناك حوالي 8 مليارات برميل من احتياطيات النفط حول جزيرة قبرص. وتذكر الهيئة الأمريكية أن هناك ما مجموعه 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في جنوب وجنوب شرق جزيرة كريت، والتي تسمى حوض هيرودوت. وتزداد أهمية المنطقة كلما اقترب اكتشاف الاحتياطيات المحتملة من الطاقة فيها.

واليوم نشهد استمرار المواجهات الحادة بين العديد من القوى السياسية، والتي امتدت خلال تاريخ حوض شرق المتوسط. وما زالت هذه الخلافات الحيوية تثير قلق اللاعبين الإقليميين وكذلك القوى العالمية التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في المنطقة.

ومن أكثر النزاعات الحالية تعقيداً واحتداماً تداخل مطالب العديد من الدول الساحلية حول المناطق البحرية في شرق المتوسط. وخصوصاً التصعيد الكبير الذي نشأ في العامين الماضيين بسبب المزاعم المتناقضة لكل من تركيا واليونان وجمهورية شمال قبرص التركية وإدارة قبرص الرومية.

وبالرغم من نداءات تركيا المتكررة لدول المنطقة بضرورة التعاون في ترسيم حدود المناطق البحرية والاشتراك في استخراج وتسويق موارد النفط والغاز الطبيعي، إلا أن الأنشطة الأحادية الجانب تتزايد للعديد من الدول، وخاصة اليونان وإدارة قبرص الرومية، بما يتماشى مع مصالحها الخاصة وكذلك تعددت الاتفاقيات الثنائية بين بعض الدول الإقليمية منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبعد اليونان، أطلقت إدارة قبرص الرومية وإسرائيل منتدى غاز شرق المتوسط، في محاولة تهدف إلى استبعاد تركيا وعزلها وهي التي تمتلك أحد أطول الشواطئ في شرق البحر المتوسط.

وللأسباب السابقة كلها وقّعت تركيا اتفاق متبادل المنفعة مع حكومة الوفاق الليبية الشرعية نتج عنه مذكرة تفاهم بشأن ترسيم حدود مناطق السيادة البحرية في 27 نوفمبر 2019، وذلك حفظاً لحقوق البلدين في المنطقة، وتثبيت المناطق البحرية لكليهما، ومنع أي اعتداء قد يقع من قبل دول المنطقة الأخرى. وهي الاتفاقية الثانية لتركيا في شرق البحر المتوسط بعد اتفاقية ترسيم الجرف القاري مع جمهورية شمال قبرص التركية في 21 سبتمبر 2011. ومن المحتمل أن تزيد محاولة اليونان إبرام اتفاق مماثل مع إدارة قبرص الرومية من التوتر في المنطقة.

وبالرغم من أن أنقرة لا تزال تبدي استعدادها لحل الخلافات في شرق المتوسط، وتدعو الدول الساحلية إلى طاولة المفاوضات لإفساح المجال للدبلوماسية، لكنها لن تتوقف عن حماية حقوقها ومصالحها إذا تم تجاهل دعواتها.

.

مروة شبنام أوروتشبواسطة / مروة شبنام أوروتش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.