تمسك اردوغان بمصالح بلاده .. وتفريط قادتنا

 

معركة جديدة يخوضها الرئيس التركي اردوغان مع الأوروبيين، عنوانها هذه المرة حقوق بلاده في شرق المتوسط، مهددا باستعمال القوة للحفاظ على مصالح البلاد.

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس التركي اردوغان يوجه تحذيراته تلك للأعداء “الطامعين”، كان الرئيس المصري يوجه تحذيرات مماثلة

باستعمال القوة، ولكن ضد أبناء شعبه، حيث تعهد السيسي بإنزال الجيش لهدم البيوت على رؤوس المصريين.

بطبيعة الحال لا نقر بالتجاوزات التي قام بها بعض مرتكبي مخالفات البناء والمتعدين على الأراضي الزراعية، لكننا نحاول هنا عقد

مقارنة بين الاستسهال في استعمال القوة لدى الحكام العرب ضد شعوبهم، كما فعل السيسي قبل ذلك في رابعة والنهضة التي
حلت منذ أسابيع ذكراها، وبين الرئيس المنتخب من شعبه الذي يستعمل التفويض الشعبي قوة لمواجهة الطامعين الخارجيين
في بلاده. فرق بين من يكون منتخبا من الشعب، ومن هو منقلب على خيارات الشعب، وهنا يكمن تفسير تهديدات السيسي

لشعبه، ومهادنته لإثيوبيا التي تهدد أمن بلده.

وفي سياق الحديث عن الأزمات وخيارات القادة في التعامل معها، فتقديري أن جذور المشكلة في العالم العربي تكمن في اعتماد

قادته على الشرعية الخارجية، ودفعهم أثمانا باهظة للخارج الذي يستمدون شرعيتهم منه، بمقابل تهميش شعوبهم واستعمال
يد حديدية في سحقهم. وهذا الفهم ينبغي أن يكون واضحا ومتجذرا، فلا يمكن لأمة أو دولة أن تنهض وقادتها مرتهنون للخارج،
يعملون لأجندته، لأن كلفة ذلك باهظة ونرى اليوم تبعاتها في تخلف دولنا عن ركب التنمية والتقدم، فيما تسبقنا دول وشعوب لا
تملك أكثر ولاحتى مثل ما تملكه دولنا من مقدرات وثروات مادية وبشرية.

إقرأ إيضا: عملية اصطياد اردوغان في ليبيا !

ويمكن للمراقب أن ينتهي لنتيجة مفادها أن لا نهضة دون مكافحة للفساد، ولا تصدي للفساد دون حكومات منتخبة ووطنية،

ولا يمكن أن ينهض بلد دون أن تكون أجندات الحكومات والقادة وطنية خالصة، وأن يكون ثمة رؤية يتبناها قائد وطني، ويمضي

في سبيل تحقيقها ضمن برنامج وخطة محددة الأهداف، وواضحة المقاصد.

ولو استعرضنا تجارب دول نهضت في ذات الفترة الزمنية (وسنبتعد عن التجربة التركية حتى لا نتهم بالأتركة والأخونة) التي

رافقت استقلال الدول العربية، فبوضوح يمكن رصد الفجوة بينها وبين كثير من الدول العربية، رغم تولد استقلال تلك الدول

في ذات الفترة الزمنية التي استقلت فيها كثير من الدول العربية أو قريبة منها.

فماليزيا على سبيل المثال حققت نهضة كبيرة في مختلف القطاعات منذ بداية السبعينات، وذلك بعيد سنوات قليلة من نيل

استقلالها. وكانت الحوكمة والقضاء على الفساد كلمة السر في ذلك، فضلا عن الاستثمار في التعليم.

أما في كوريا الجنوبية فكان للدولة وثقلها وتخطيطها دور كبير، فضلا عن الطاقة البشرية، وهي الطاقة الكبيرة المهدرة في بلداننا

العربية.

أما سنغافورة، فقبل خمسين عاما ونيف كانت بلدا متخلفا يعاني سكانها ويلات الفقر ويكتظ 70 في المئة منهم في مناطق

مزدحمة، وثلث السنغافوريين يفترشون الأرض مع نسبة بطالة وصلت إلى 15 في المئة، كما لم يتعد الناتج الإجمالي للفرد
الواحد 320 دولارا أمريكيا.. واليوم هي واحدة من أسرع وأهم الاقتصاديات نموا في العالم، وكانت كلمة السر في ذلك إيمان
مؤسسها وصانع نهضتها “ليكوانيو”، أول رئيس وزراء، بأن الاعتماد على النفس والعمل الجاد هما الطريق الأوحد، بعد أن تخلى

العالم عن بلاده وتركها تغرق في الفقر والبطالة.

ومن 1965 إلى 1972 وبعد سلسلة إصلاحات اقتصادية رافقتها بعض الإجراءات المشددة من الدولة، تحولت سنغافورة لبيئة

جاذبة للمستثمرين، وزاد رأس المال 33 مرة بفضل الإجراءات الاقتصادية التي طبقها مجلس السياسات الاقتصادية، ولديها
احتياطي أجنبي يزيد على300  مليار دولار بحسب تقارير اقتصادية. وكان القطاع العام يعمل واستمر في العمل كمستثمر
ومحفز على الاستثمار.

إقرأ إيضا: ترامب وبوتين يطردان الأتراك من ليبيا اردوغان

الخلاصة التي يريد هذا المقال الانتهاء إليها، أنه ليس صحيحا أن العرب بطبيعتهم متخلفون، أو وجدوا ليتخلفوا عن ركب الحضارة.

فالعقول العربية التي برزت خلال فترة كورونا، والكم المهول من أصحاب الكفاءات من الأطباء العرب الذين ظهروا على شاشات
التلفزة خلال فترة الوباء تؤكد أن المشكلة ليست في العقول العربية وإنما في عدم وجود إرادة سياسية في الإفادة من تلك الطاقات،
وعدم وجود قيادات وطنية تعمل لبلدانها وتستفيد منهم، وانشغال قادة الدول العربية في الصراع مع شعوبهم عوضا عن

صياغة خطط تنموية وبرامج وطنية وإشراكها في تطبيقها.

العقول العربية مبدعة، لكنها مغيّبة، لنتذكر أن على رأس الفريق الطبي اليوم في أكبر دولة في العالم طبيب مغربي، وجد في

أمريكا ما لم يجده في بلده والدول العربية الثرية الأخرى.. لنتذكر أنه وبينما تستنفر أوروبا وأمريكا أطباءها وعلماءها في جهود
للوصول للقاح لكورونا، فإن دولا عربية تزج بخيرة أطبائها وعلمائها في السجون، ويموتون في السجن، فقط لأنهم يعبرون عن

رأيهم السياسي!

باختصار البداية تكون من الداخل، تكون بالتخلص من النظم وطريقة التفكير القائمة، وتولي قادة وطنيين زمام الأمور في بلداننا. .. بلاده

محمد أمين
محمد أمين

 

 

بواسطة / محمد أمين
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركياالآن”
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.