الشيء الذي قاومتموه طيلة 19 عامًا هو الإصلاحات أيضًا

كان حزب العدالة والتنمية قد أعلن منذ فترة عن تحضيراته لحزمة الإصلاحات الجديدة، وكلما اقترب وقت تبلور هذه الإصلاحات على أرض الواقع، كلما ازداد الفضول إلى جانب تزايد النقاشات والجدل أيضًا حتى ما قبل الكشف عن هذه الإصلاحات. وفي هذا السياق نجد أن حزب المعارضة الرئيسي قد جسد ردّة فعل تساءل فيها فيما لو كان حزب العدالة والتنمية قد تذكر الآن قضية الإصلاحات، بعد 18 أو 19 عامًا من وجوده على رأس السلطة. في الحقيقة إن أبسط ما يُقال عن موقف أكبر أحزاب المعارضة في هذا الصدد أنه يعاني من تشتت وتخبط.

لقد كانت هذه الـ19 عامًا مليئة للغاية بما حدث في تركيا، لقد كانت بمثابة إعادة هيكلة رسمية لتركيا وإنشائها من جديد. تغير فيها معنى الدولة وماهيتها، وأصبحت الدولة هي دولة الشعب. ولقد فقدت هياكل “حكم الأقلية” اميتازاتها السابقة إلى حد كبير، وعلى صعيد آخر دخلت البنية الاجتماعية في تركيا نحو مرحلة تغيير كبير.

وبينما كان جميع ذلك يحدث، كان حزب الشعب الجمهوري بكل طاقته وكوادره يُظهر مقاومة حريصة للغاية مقابل ذلك. لدرجة ان مقاومته في سبيل الحفاظ على الوضع الراهن، جسدت مشاهد لا يمكن أن تُمسح من ذاكرة الشعب بسهولة. ولم يتردد في التعاون والشراكة مع كل ما يمكن أن يطيح بهذه الثورة الصامتة التي أحدثت هذه التغيّرات، بما في ذلك اللجوء للانقلابات. لا يمكن أن ننسى موقف الشعب الجمهوري خلال أحداث غيزي بارك في 27 أبرل/نيسان 2013. وكذلك حلال محاولة انقلاب 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013، وكيف وقف إلى جانبهما بكل طاقته.

لم ينس أحد في تركيا على الأرجح ما قام به الشعب الجمهوري من مواقف. إلا أن هذا الحزب حينما يخرج ليتساءل “لماذا لم تكن إصلاجات من قبل حتى تحدث الآن؟”، علينا أن نتساءل نحن في المقابل فيما لو كنا أمام نوع من الزهايمر السياسية؟. لذلك علينا أن نعيد لهذا الحزب ذاكرته قليلًا؛ آملين أن لا يتعرض لأية نوبة وهو يستيقظ من ثباته: إن جميع مواقفك العدائية والمعارضة والمقاومة طيلة 19 عامًا خلت. كانت في الأصل ضد الإصلاحات التي قام بها حزب العدالة والتنمية. الأمر باختصار، أن العدالة والتنمية لا يتوقف عن الإصلاح منذ 19 عامًا حتى الآن. بينما يقوم الشعب الجمهوري بمقاومة ذلك والوقوف بوجهه. لدرجة أن ذلك قد تحول إلى روتين. أو نوع من تقسيم العمل السياسي بين الحزب الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة.

لقد ذكرنا سابقًا ونؤكد أن الإصلاحات ليست شيئًا قد تبادر لذهن العدالة والتنمية الآن بشكل مفاجئ. بل إنّ الإصلاحات هي نموذج سياسي تميز به العدالة والتنمية. وإن الهوية الإصلاحية لهذا الحزب الحاكم تعتبر أهم السمات التي كوّنته.

إن الإصلاحات هي ما طالب به على الدوام، المجتمع في تركيا الذي يتمتع بهيكل ديناميكي إلى آخر حد. وكنتيجة لهذه السمة الديناميكية، فمن الطبيعي أن تشهد نموًّا مستمرًّا، وكلما نمت بشكل أكبر كلما تطورت احتياجاتها وتغيرت وتجددت. وبناء على ذلك، ربما تجد أنك ما قمت به في الفترة السابقة، لم يعد كافيًا الآن، او لم يعد يسد حاجة الواقع. ولذلك نقول أن المراقبة الدائمة لمتطلبات واحتياجات المجتمع والاستجابة لها، تتطلب بالضرورة تبني سياسية إصلاحية مستمرة.

ولذلك السبب لم تكن سياسة الإصلاحات بالنسبة للعدالة والتنمية شيئًا قد حدث مرة واحدة وانتهى معه إلى الأبد. بل كانت بمثابة نموذج سياسي تميز به الحزب.

ربما يكون الإصلاح أحيانًا حاجة ناشئة عن المشاكل الناجمة عن ممارسة الحكومة ذاتها. وإن حقبة زمنية من 19 عامًا من الطبيعي أن تشعر الحكومة أنها بحاجة إلى إجراء تغيير أو تطوير ما. الشيء المهم هنا هو ان تشعر الحكومة بهذه الحاجة، وان تفكر بناء على ذلك. لمعرفة ما يكمن من خلل سواء في نفسها أو النظام العام.

حزب العدالة والتنمية يقوم بذلك الآن، كما قام به من قبل أيضًا، ويقوم به بشكل مستمر. نعم ربما قد أعطى الحزب انطباعًا مختلفًا في الفترة الماضية بسبب انشغاله بالتصدي لمحاولات الانقلابات التي حدثت، لكن في نهاية المطاف تبقى الإصلاحات شيئًا مزروعًا في وجدان العدالة والتنمية وفي جيناته السياسية. ولا يمكن أن يتراجع عن هذا المبدأ، لأنه يعلم أن الخسارة ستكون حليفه حينئذ.

إن الهدف الأهم للإصلاح هو العدالة. وإن الهدف النهائي لجميع الإصلاحات السابقة التي قام بها العدالة والتنمية. وبرنامجه السياسي الكامل، هو ضمان العدالة. ليس لأن الإصلاح القضائي هو ركيز مهمة للإصلاح فحسب. بل لأن القضاء في الأصل هو مجدر جزأ من العدالة بمفهومها الشامل، ولا شك أن جزأ مهم للغاية منها.

إن اختيار كلمة “العدالة” في اسم حزب العدالة والتنمية، لم يكن مجرد زيادة كلمة أو شعار صوري دون معنى. بل إن العدالة تمثل هوية وهدفًا لهذا الحزب في آن واحد. أما الجزء الآخر في هوية الحزب؛ “التنمية” فقد وضع ليكون في خدمة تحقيق العدالة بشكل أقوى. ولا شك أن التنمية هي أهم وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

إن مستوى التنمية القوي الذي تتمتع به تركيا منذ 19 عامًا، ساهم في إبراز شخصية المواطن القوي، الحضري، من ذوي الطبقة الوسطى. ومع وصول عدد الجامعات إلى 210 جامعة، مع زيادة مستوى التعليم بشكل مضاعف خلال وقت قصير، زاد من إقبال سكان المدن إلى أكثر من 80%، وإن هذا هو أفضل مؤشر رقمي على التنمية التي حصلت.

إن ظهور شخصية ما نسميه بالمواطن القوي اجتماعيًّا، هو نتيجة للثورة الصامتة التي تجعل الشعب شريكًا للدولة، على نقيض هيكل حكم الأقلية تمامًا. كما ان خدمات التعليم والصحة والمواصلات والنبية التحتية التي يحصل عليها المواطن من سكان القرى النائية في تركيا، تتشابه إلى حد كبير مع الخدمات ذاتها التي يحصل عليها مواطن المدن الكبرى، وهناك مؤشرات قوية على مدى تشابه هذه الخدمات فيما بينها.

قد يكون من الوارد في مجتمعات ونماذج أخرى، أن تسفر التنمية عن نتائج قد تضر بالعدالة او تؤثر عليها بالسلب، إلا أن الأمر في تركيا مختلف للغاية، حيث أن التنمية فيها لا تضر أدنى ضرر بالعدالة، على العكس من ذلك نجد أن التنمية تخدم تحقيق العدالة بصورة أرقى، وإن ذلك لهو أحد المكونات الرئيسية للنموذج التركي.

.

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي 

تعليق 1
  1. أحمد البدراني يقول

    حزب العدالة والتنمية الحاكم هو أكبر من مجرد حزب سياسي ، بل هو مشروع حضاري/تنموي للأمة التركية بغالبية فئاتها المهمشة خصوصاً الطبقات الوسطي والشعبية والفئات التي كانت تعاني من التهميش القصري”الأكراد” ، ونجح في تجسيد إرادة وحاجات الشعب التركي وأصبح مركز الثقل الجماهيري والمحرك للسياسة التركية من كل أنحاء الأناضول والوطن التركي وليس في الغرب فقط”إسطنبول وأزمير وغيرهما” وسيبقي هذا المشروع الحضاري/التنموي= حزب العدالة والتنمية بفضل صحة مبادئه ومرونته في مواجهة التحديات وتحمل الأعباء وثبات قادته علي الحق والعدل والتنمية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.