هل حجّم حزب العدالة والتنمية “العلمانية” في تركيا .. وما علاقة علي أرباش؟

استغلت أحزاب المعارضة خطوة القيادة التركية المتمثلة في حضور علي أرباش رئيس الشؤون الدينية حفل افتتاح مبنى المحكمة العليا في اسطنبول، في إثارة النعرات القديمة بأنها من طقوس القرون الوسطى، على الرغم من أن كلمته لم تتجاوز دعاءً بالخير لتركيا وأهلها، ما يعيدنا إلى مفهوم العلمانية الذي تركناه وراءنا

ووصفت المعارضة هذا الأمر بالخطأ الفادح وأن هذا لا ينتمي إلى العالم الطبيعي ولا إلى تركيا، مهاجمةً الرئيس رجب طيب أردوغان أيضا باعتباره المسئول عن وجود مثل هذه المظاهر في تركيا.

والمتابع للشأن السياسي التركي يرى أن الجدول حول علامانية الدولة أصبح بعيدا عن اهتمام وسائل إعلام بفضل سياسة حزب العدالة والتنمية المفاجئة غير المتوقعة، فقد عملت على إغلاق الموضوع بحنكة عالية.

اقرأ أيضا/  أردوغان يعين علي أرباش في منصب رئيس الشؤون الدينية التركية

وذكر المحللون أن العدالة والتنمية عمل على تسليط الضوء على معنى العلمانية في الحرية الدينية وليس كما أشيع أنها مناهضة للدين، مشيرين إلى أن هذه الخطوة  أدت إلى التأثير على الشريحة الأكثر تعصبا للعلمانية من دون شن حرب علنية عليها.

وأوضحووا أنه ركّز على العلمانية البريطانية والأميركية وحتى الألمانية، بدلا من العلمانية الفرنسية، وأثبت أنها لا تتناقض مع معتقدات الإنسان المسلم، وبدا الأمر كأنه اتفاق ضمني على تناولها من هذا المنطلق.

ودعا رئيس الشؤون الدينية الدكتور علي أرباش دعاء يسيرا افتتاحا للمبنى قال فيه: “اللهم يا مفتح الأبواب، افتح لنا خير الباب. اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك. اللهم يا محوّل الحال والأحوال، حوّل حالنا لأحسن الأحوال”، ثم دعا أن يكون افتتاح هذا المبنى خيرا وبركة على الأمة التركية”.

وأشاد بالنواب والقضاة الذين حكموا في المحكمة العليا على مدى عقد ونصف من الزمان، وأنهم بذلوا الكثير والكثير من الجهد لأداء العدالة التي أمر بها الله، ثم قرأ بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية التي تتحدث عن العدل وإقامته بين الناس.

وفي هذا السياق يقول السياسي والكاتب التركي ياسين أقطاي أن الهجوم الذي شنته المعارضة بسبب هذا الدعاء يعيدنا إلى مفهوم العلمانية الذي تركناه وراءنا منذ زمن بعيد -المفهوم المليء بالعنف والتعصب والذي أصبح جزءا من الماضي.

اقرأ أيضا/ كتاب بولتون: أردوغان مشغول بتحويل تركيا من “دولة أتاتورك العلمانية” إلى “دولة إسلامية”.. والرئاسة التركية تعلق!

وأضاف أقطاي: “يمكننا ملاحظة أن الموقف العلماني البدائي لم يتغير ولا يزال يسيطر على عقول البعض؛ أولئك الذين لا يحترمون الآخرين ويرفضون أي رؤية مختلفة، وينتظرون أي فرصة لينتعشوا ويعودوا إلى الواجهة من جديد”، متسائلا: هل تكمن المشكلة في دعاء رئيس الشؤون الدينية؟ أم في دعائه وهو يرتدي العباءة؟ أم في أنه قام بذلك عند افتتاح المحكمة العليا؟ هل يتعارض أي من هذه الأمور مع مفهوم العلمانية؟

وأوضح أقطاي في مقال له، أن لا علاقة للعلمانية بالاعتراض على دعاء الدكتور أرباش، فالأمر يتعلق بالإسلاموفوبيا، مشيرا إلى أن العلمانية أصبحت أشبه بعبارة مقدسة يتم استدعاؤها لإظهار عداء شخص ما للإسلام.

ولفت إلى أن أنه  يمكن رؤية أن العلمانية اختلفت عما كانت عليه في الماضي، فقد تحولت إلى رهاب أو كراهية ضد الدين، ولا سيما الإسلام، موضحا أن هذه العلمانية لا علاقة لها بالعلمانية كما ينبغي أن تكون عليه.

وشدد على أن النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الحفاظ على تركيا بعيدا عن هذا الجدل السخيف ليس عن طريق تدمير العلمانية، بل عن طريق وضعها في مكانها الصحيح، وجعلها ذات فاعلية أكبر؛ فاعلية تضمن حرية الدين والضمير، أي عدم الإكراه في الدين، وعدم ممارسة أي اضطهاد ديني على أي شخص.

اقرأ أيضا/ العلمانية التركية الحديثة وتوافقها مع أصل مقاصد الإسلام

وأوضح السياسي التركي أنه يجب على الدولة أن تخدم مواطنيها على قدم المساواة من دون أي تمييز ديني أو فلسفي، كما لا يجوز منع أي شخص من العيش والتعبير عن عقيدته ونقلها إلى الأجيال القادمة عبر التعليم، مهما كانت تلك العقيدة.

وأضاف أنه من المستحيل رؤية هذا الجدل الواسع الذي أثير في تركيا بسبب قيام رجل دين بالدعاء في افتتاح مؤسسة قضائية، في أي من الدول الأوربية، بل سيكون من المثير للسخرية في أوروبا طرح مثل هذا النقاش باسم العلمانية.

وأكد على أن تعاون الدولة مع المؤسسات الدينية شرط أساسي لنجاح العلمانية إذا كان هدفها هو خلق مجتمع يتمتع بالعدل والرفاه والسلم.

وضرب أقطاي مثلا على هذا التعاون بين الدولة والكنيسة في إنجلترا، حين كانت الدولة تابعة للكنيسة الأنجليكانية، وفي ألمانيا التي تبنت العلمانية بشكل مؤسساتي في المجتمع الذي كان ينقسم بالتساوي تقريبًا بين الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية. وفي الولايات المتحدة، هناك نص دستوري يمنع الدولة من سن أي قوانين تقيد الحريات الدينية.

وختم أن “العدالة والتنمية أعاد العلمانية إلى مكانها الصحيح لتلعب دورها بفعالية، لذلك لم نكن نسمع عنها شيئا في وسائل الإعلام. ولكن يبدو أن عمامة رئيس الشؤون الدينية علي أرباش أحيت الحنين العلماني إلى الماضي، وأنعشت النقاشات المنسية حول طبيعة العلمانية”.

المصدر: تركيا الان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.