دروس أوكرانيا

قبل الدخول في تفاصيل ما يجري في أوكرانيا، دعوني أذكركم بما كتبته هنا قبل بضعة شهور حول حديث أجريته مع مسؤول أمني تركي رفيع المستوى، لأن النقاش الذي دار آنذاك بات مهمًا في الحقيقة بعد أن تحولت الأزمة الأوكرانية إلى حرب واحتلال روسي للأراضي الأوكرانية.

سألت المسؤول الأمني التركي حول تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حينما قال متحدثًا عن احتمال غزو روسيا لأوكرانيا “إذا أقدمت روسيا على هذه الخطوة فسنجعلها تدفع ثمنًا باهظًا”، وقلت له “هل يمكن أن يكبح هذا التهديد جماح بوتين؟”.

يمكن أن ألخص جواب المسؤول الأمني صاحب الخبرة الطويلة التي تمتد لعقود، بقوله: “لا يوجد تهديد ولا دفع للثمن”، داعيًا لعدم تحميل تصريح بلينكن مؤشرات كبيرة كما توحي.

على الرغم من أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي اتبع موقفًا شجاعًا وحازمًا منذ البداية، إلا أنه أصيب بخيبة أمل نتيجة مبالغته في تقدير رسائل الدعم الغربية.

بالطبع موقع الرئيس ومسؤوليته أمر صعب، لكن من الواضح أنه ارتكب خطأ في هذا التقدير.

يجب أن لا يتحول الأمر إلى مجرد تنديد وإدانة فحسب

بالأمس وقبيل انقعاد قمة زعماء حلف الناتو، تحدث الرئيس التركي أردوغان بلغة انتقاد لموقف الحلف والغرب.

حيث عرّض بزعماء الدول الأبرز في حلف الناتو قائلًا “الجميع يقدم الكثير من النصائح، لكن ليس من السهل الوصول إلى نتيجة من ذلك، فلم يكن هناك أي خطوة اتخذت في هذا الإطار”.

وقال أن الأمر يجب أن لا يتحول إلى مجرد تنديد وإدانة فحسب.

حينما سألت الرئيس أردوغان على متن الطائرة خلال عودته إلى أنقرة من زيارة السنغال، حول توقعاته من قمة الناتو، انتقد أردوغان زعماء دول الناتو وسمّاهم بشكل صريح.

قال أردوغان “تعلمون أن ماكرون ذهب إلى روسيا والتقى بوتين ثم عاد دون تغيير شيء، ومن بعده ذهب شولز إلى روسيا والتقى بوتين ثم عاد دون شيء كذلك. الأمر ذاته ينطبق على بايدن الذي تحدث ويتحدث مع بوتين، لكن لم يتغير شيء حتى الآن. وإذا أردنا أخذ المسألة على مستوى الدولة والمؤسسات، فالخيار الحالي الموجود الآن هو حلف الناتو”.

جاءت تصريحات أردوغان من منطلق الحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات الحقيقية من أجل وقف الحرب والوقوف إلى جانب أوكرانيا. لكن في الوقت نفسه يمكن أن تكون تلك التصريحات بمثابة رسالة تعبر عن عدم الثقة التي تشعر بها أنقرة إزاء موقف الغرب من تحرك روسيا الذي بدا وكأنه فرض أمر واقع.

في نهاية المطاف بات من الواضح أن الناتو ليس مستعدًا لفتح جبهة حرب ضد روسيا.

على صعيد آخر، من الممكن أن تستفيد بعض الدول الرائدة في الناتو خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، من الخطوات التوسعية لروسيا، من حيث فرض بعض الضغوط على بعض الدول الأخرى في الحلف التي تريد اتباع سياسة متوازنة في هذا الإطار، مثل تركيا وألمانيا.

من المهم أن تحافظ أنقرة على مواصلة سياستها الناجحة إلى الآن، والتي تحافظ على العلاقات الثنائية مع كل من روسيا وأوكرانيا، على الرغم من أنها عضو في حلف الناتو.

لكن لو افترضنا أن تركيا تعرضت لمعاملة مختلفة في الأيام المقبلة من تلك الدول الرائدة في حلف الناتو، من قبيل إلزام هذه الدول لأنقرة بحسم موقفها بالكامل ضد روسيا، أو قالت لها: إذا لم تكوني معنا فأنت ضدنا؛ فحينئذ اعلموا تمامًا أن هذه الدول لا تسعى إلا لمراقبة الاحتلال الروسي لأوكرانيا وتوريط لاعبين آخرين دون أن تقوم هي بشيء.

ومن المفيد في هذا السياق أن نتذكر جيدًا من يتخذ لغة فوضوية تشجع على الحرب منذ البداية، فمن كان يصرخ في السابق مرارًا بأن الحرب ستحدث هو في الحقيقة كان يدعو لبدء هذه الحرب ويصفق لها.

محمد آجاتبواسطة / محمد آجات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.