حركة تركيا الفتاة تسببت في تفكيك الدولة العثمانية، واليوم “الأتراك البيض” و “الأكراد البيض” سيفككون تركيا!

 

يعتبر البروفيسور التركي “شريف ماردين” من أشهر علماء الاجتماع والسياسة حيث كان يتمتع برؤية عالية ويتميز بتحليلاته السليمة وقراءاته القوية. كما أن وضع مصطلح “اثنين من تركيا” (تركيا المزدوجة) يعود له.

وحذر البروفيسور شريف ماردين من مشروع الحداثة المتطرف (الراديكالي) في تركيا الذي انفصل عن جذور الحضارة واستبدلها بسياسته العلمانية منخرطًا في الحضارة الغربية، مؤكدًا ان هذا المشروع سيؤدي إلى أن تصبح تركيا مجتمعًا منفصمًا ويحمل هوية مزدوجة ويعاني من الصراعات.

“اثنين من تركيا” (تركيا المزدوجة).. عواقب مدمرة للشيزوفرينيا الثقافية

كتب شريف ماردين أولى مقالاته حول تعريف مصطلح “اثنين من تركيا” (تركيا المزدوجة) ونستطيع الآن أن نفهم مدى دقة هذا المفهوم بشكل أفضل وكيف لفت الانتباه بوقت مبكر جدًا إلى أن تركيا ستُجر إلى صراع طويل الأمد من شأنه أن يعيث فسادًا في البلاد. ويبدو أيضًا أنه لا توجد عقلية لفهم ما حذر منه شريف ماردين ولا توجد حتى قُدرة متبقية لفهمه في هذا البلد، للأسف!

أصبح تعريف “اثنين من تركيا” (تركيا المزدوجة) واضحًا بالفعل، حيث يعبر تعريف الدولة العلمانية وتعريف المجتمع الإسلامي بوضوح عن هذا الفصام. فالمجتمع يسير في اتجاه معين والدولة (يقصد الدولة العلمانية) تحاول جر المجتمع في اتجاه آخر!

ينظر المجتمع إلى الأحداث من مكان صانعي التاريخ لآلاف السنين. وقد عرّف الأديب التركي أحمد حمدي تانبينار، أحد ألمع أسماء النخبة المثقفة العلمانية، الدولة بأنها لا تتردد في ارتكاب جريمة الإنكار الثقافي، حيث فرضت مشروعًا هندسيًا اجتماعيًا وثقافيًا غايته تدمير روح المجتمع واقتلاع جذوره الروحية وجره إلى حافة الانتحار الثقافي لقرن من الزمن!. إن المجتمع الذي لم يقع تحت استعمار الغرب من الخارج سيستعمر عقليًا من قبل الغربيين العلمانيين من الداخل.

من العلمنة المتشددة إلى العلمنة المعتدلة

لم تنجح الهوية العلمانية التي فرضتها الدولة في البداية بل أتت بنتائج عكسية حيث كان مشروع العلمانية المتشدد كافيًا لجعل المجتمع يتذكر جذور الروح الإسلامية ويتبناه بمرور الوقت.

بلغ المشروع العلماني المتشدد ذروته بالتزامن مع حدوث الانقلاب العسكري التركي 27 مايو/أيار 1960، حيث ابتعد المجتمع عن الدولة. وبدأت الدولة تدرك فيما بعد أنها وقعت في الكارثة التي صنعتها بيدها.

حاولت تركيا تحت قيادة رئيس وزراءها الأسبق عدنان مندرس، منذ خمسينيات القرن الماضي، تنفيذ مشروع العلمنة المعتدلة من خلال المجتمع وليس من خلال الدولة. وتبنت الأوزالية التركية مشروع العلمانية المعتدلة أيضًا (الأوزالية تعني الآراء الاقتصادية والاجتماعية والأسلوب السياسي لتورجوت أوزال). وبدأ المجتمع في الدخول بالعلمنة المعتدلة بشكل عفوي. وتصاعدت هذه العملية خطوة أخرى بعد مجيء حزب العدالة والتنمية التركي حيث دخلت شرائح المجتمع الإسلامي في عملية العلمنة المعتدلة.

قبل ذلك، لم تستطع تركيا أن ترى أن لديها رأس مالها الثقافي والفكري الوحيد وأنها كانت تمزق خرائط المعنى الإسلامي بيديها.

وبكل تأكيد لم يبدأ حزب العدالة والتنمية التركي مشروع العلمنة عن عمد، حيث أدى انتشار العولمة على نطاق عالمي إلى دخول تركيا في عملية علمنة سريعة وشاملة من كل النواحي خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية. كما بدأ العالم كله يصبح عبدًا للسرعة والمتعة والإغراء وحل مكان تكنولوجيات الحرب تقنيات العاطفة والرغبة والمعلومات.

لقد سلبت الثقافة الدروموقراطية الشعبوية ما بعد الحداثة مبادئ العالم الذي نعيش فيه ودمرت جذور المجتمعات الروحية وجرت العالم إلى حافة الانحطاط.

تركيا على مفترق طرق

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

لقد وصلت تركيا إلى نقطة مفصلية في تاريخها فإما أن تقوم الثقافة الدروموقراطية الشعبوية بجرها إلى الانقراض وتُدمر جذورها الروحية على غرار ما حدث في دول آسيوية أخرى في العالم مثل الصين والهند واليابان وسنغافورة وتايلاند وكوريا، أو سيتم بناء دار الإسلام حيث سنقدم عبره للإنسانية فكرة حضارة تحتضن الجميع ولا تقصي ولا تهمش أحدًا حيث ستعيش كل الاختلافات البشرية في سلام وطمأنينة ضمن أجواء دار السلام الذي سنقدمه للبشرية التي ستبقى على طبيعتها من خلاله.

لكن الآن يوجد طرق شائكة أمامنا ومؤامرات خطيرة تحاك ضدنا. بالأمس، ارتكبت حركة تركيا الفتاة (الشباب الأتراك) أخطاء جسيمة تسببت في تفكيك الدولة العثمانية وإبعادها عن التاريخ. واليوم، “الأتراك البيض” و “الأكراد البيض” يمثلون مصالح النظام الرأسمالي العالمي ويباركون مصالح الطبقية والمتعة لديهم ويجتمعون مع هذا النظام حول نفس المصالح، ويهددون بتهديد سلامة ووحدة تركيا ويزرعون بذور الكراهية والحقد محاولين جر تركيا إلى حافة الانهيار.

يجب وضع خطط واستراتيجيات للاجئين

تشير المواضيع والمشاكل التي تخص اللاجئين في تركيا إلى أن العملية التي تسبق الانتخابات ستكون خطيرة للغاية.

إن يد الأخوة التركية الممدودة لضمان عدم إلقاء إخواننا السوريين المظلومين في جحيم بلادهم تفوق كل أنواع الثناء والتقدير.

ولكن حتى الآن لم تضع الدولة خطط سياسية واستراتيجية قوية وعقلانية فيما يتعلق بأخواننا اللاجئين، حيث يجب وضع استراتيجيات دائمة لنقل هؤلاء الإخوة إلى مدننا الحدودية وإن أمكن إلى داخل سوريا. بالمقابل لا يزال من الممكن تطوير مثل هذه الاستراتيجيات في الوقت الحالي.

إذا أبقينا الحدود مفتوحة، سنرى عملاء المخابرات يجوبون في البلاد (في الحقيقة هم يجوبون!) وستتحول تركيا إلى جحيم على المديين المتوسط والبعيد وتظهر أحياء الأقليات المخيفة كالتي في لندن وباريس وتصبح تركيا ساحة للصراعات الداخلية والعنصرية والانفصالية .لا قدر الله!

رغم كل ذلك نحن نُعتبر أبناء حضارة طورت الصيغة الأكثر كمالًا لكيفية التعايش بسلام مع مجتمعات تضم مختلف الأديان والثقافات والأعراق.

ويجب وضع خطط لاستراتيجيات دائمة وطويلة الأمد للاجئين، ونقل الأكثرية من أخواننا إلى أماكن يمكنهم العيش فيها بأمان داخل سوريا، وذلك لعدم الإضرار بوعي الأمة ومفهوم الأخوة.

كما يجب عدم الاستهانة باحتمالية تسلل المنظمات الإرهابية إلى البلاد بطريقة تحول تركيا إلى جحيم. وبصفتي مواطنًا تركيًا، ألاحظ أن أنشطة أنواع مختلفة من المافيا بدأت في الظهور بين اللاجئين.

تعتبر تركيا بلدًا يحمي المضطهدين والمظلومين ولكن يجب أن تفعل ذلك بحنكة وذكاء وتضع خططًا لاستراتيجيات لا تزعج المظلومين ولا المجتمع التركي، وإلا فلن نختلف عن الغربيين العنصريين والهمجيين الذين لا يمتلكون أي روح.

يجب على الدولة ألا تعطي المزيد من الفرص للأشخاص والمنظمات المستعدة لتفجير الأوضاع وزرع بذور التفكك في تركيا.

تسببت حركة تركيا الفتاة (الأتراك الشباب) بتفكيك الدولة العثمانية. واليوم “الأتراك البيض” و “الأكراد البيض”، الذين يباركون العلمانية ويزرعون الكراهية والحقد ضد الإسلام والقيم الإسلامية، سيفككون تركيا! لا قدر الله.

يوسف قابلانبواسطة / يوسف قابلان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.