ما السبب الذي دعا “أردوغان” إلى تحدي “ميتسوتاكيس”؟

يمكننا القول إن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ألقى خطابًا تاريخيًا يوم أمس الأربعاء في اجتماعه مع أعضاء كتلة حزبه “حزب العدالة والتنمية” في البرلمان، وخاصة المتعلقة منها بالعملية العسكرية الجديدة في “سوريا” والتصريحات التي توجه فيها إلى “اليونان”.

حيث أشار “أردوغان” إلى دنو إنطلاق العملية العسكرية التي تستهدف أماكن تواجد عناصر “بي كي كي/ ي ب ك” الإرهابي غربي “نهر الفرات” في “الشمال السوري”، حين قال:

“نحن نفتح صفحة جديدة في قرارنا بإنشاء منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومتراً على طوال حدودنا الجنوبية، وسوف نطهّر “تل رفعت” و”منبج” من الإرهابيين”.

وهو ما لا يدع مجالاً للشك في بدء العملية والضغط على الزر بمجرّد الانتهاء من التجهيزات اللازمة، بحسب ما صرّح “أردوغان” سابقاً.

كما تشير هذه التصريحات، إلى عدم جدوى الضغوطات التي حاولت “القيادة الأمريكية” ممارستها على “أنقرة”، يضاف إلى كل هذا، البيانات الرافضة التي أصدرتها “الخارجية الأمريكية” و”البنتاغون”، والتي لم تغيّر القرار التركي الثابت في بدء العملية.

ولعلّ تاريخنا الحديث، وخاصة السنوات السبع أو الثمان الماضية، مليء بالأمثلة التي تؤكّد أنّ تأخر الرد من شأنه يؤدي إلأى تفاقم التهديد الإرهابي في “الشمال السوري”.

فلو تم اتخاذ قرار بدء العملية، مثلاً، خلال أعوام 2013-2014، عندما كانت الظروف مواتية أكثر، لما استطعنا إدراك المدى الذي تعاظم فيه هذا الخطر في تلك المنطقة لاحقاً، ولعل اختبار مثل هذه التجربة المؤلمة، مع اجتماع الظروف والأسباب المناسبة، كانت سبباً في الإعلان عن العملية دون أي اكتراث للضغوطات أو محاولات الإلهاء التي يتم ممارستها.

الرسالة إلى اليونان “هل الشعب هو المهيمن أم الحكّام”؟

إن اللافت للنظر أكثر في الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي أمام أعضاء كتلة “حزب العدالة والتنمية”، هي الرسائل التي وجهها إلى “اليونان” تحديداً، في بداية حديثه بالقول:

“كان لدينا اتفاق مع “اليونان”، وقد قلت لوزير خارجيتنا يوم أمس إننا انتهكنا اتفاقية المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى مع “اليونان” “.

وسَرَدَ بعدها الأسباب التي استوجبتْ ذلك، بقوله:

“استعرضْ أمامنا عروضاً بطائرتكَ بين الحين والآخر، ثم ابدأ بالبكاء والنحيب..!!… لا تحاولْ اللعبَ مع تركيا، وإلا سترهق نفسكَ وتبقى في منتصف الطريق….إنه اللوبي اليوناني في الولايات المتحدة، وسيتحدث ضدنا في الكونغرس، لقد سئمنا من هؤلاء، مقعدكَ جاهز أمامنا متى أردتَ التحلي بالصّدق، وإلاً، فلا تلمنا”.

لقد وُجّهت هذه العبارات إلى “اليونان” التي طالما حاولت تهديد “تركيا” منذ زمن طويل.

فهل يمكن تفسير هذه العبارات على أنها يمكن أن تتضمن رسالة مفادها:

“فلنرى من الذي سيحدد مقاس طولك، الشّعب أم الحكّام”؟

بالتأكيد ذلك وارد بشدة…

إنّ الموقف “اليوناني” يشبه الكلب الذي لا يتوقف عن النباح، بينما يهزّ ذيله من شدة الخوف.

قد لا يكون التشبيه مستساغاً كثيراً لكنني لم أجد تشبيهاً أفضل يعبّر ويلخّص الموقف “اليوناني” تجاه “تركيا”، وإليكم تفسيره:

موقف “أثينا” تجاه “تركيا” يشبه الكلب الذي ينبح باستمرار لإخافة البشر من حوله، لكنه في الوقت ذاته، يحاول اخفاء خوفه من خلال هزّه المستمر لذيله.

فمن جهة، بدؤوا يفكرون في إخافة “تركيا” بالقول إن لديهم من يساندهم ويقف وراءهم، متشبثين بالجرأة التي أخذوها من “الكونغرس الأمريكي” ومن “ماكرون”، لكنهم في المقابل، لا يستطيعون اخفاء أطرافهم المرتعشة من الخوف بمجرّد تفكيرهم فيما ستؤول إليه أحوالهم إن قررت “تركيا” بالفعل إعلان الحرب.

سبق وذكرت هذه المقولة مرتين، نقلاً عن أحد خبراء “اليونان” الأكاديميين، الذي قال:

“كل فرد في “اليونان”، من أكبرهم حتى أصغرهم، في داخله رهاب مشترك تجاه “تركيا” “.

الخرائط التي تظهر التوسع “اليوناني”…

اسمحوا لي في هذا الصدد أن أشارككم هذه القصة:

منذ فترة وجيزة، عندما اجتمع وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” مع أحد نظرائه من إحدى دول “أوروبا الغربية”، حدث التالي:

في مرحلة ما من الاجتماع، استخدم ذلك الوزير عبارات اتهم فيها “تركيا” باتباع “نهج توسعيّ”، فما كان من “أكار”، الذي كان مستعداً لمثل هذه الاتهامات، إلاّ أن طلب من أحد مساعديه جلب خريطة على الفور، فلما كشفتْ الخريطة مدى التوسع “اليوناني” خلال الـ 200 عام الأخيرة فقط، وكيف وصل هذا الامتداد إلى أراضي “الأناضول”، احمر وجه الوزير خجلاً وحار في كيفية تغيير الموضوع.

نوّه الوزير “أكار”، في معرض حديثه عن “اليونان”، إلى المستنقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، والذي لم يمنعها، بتحريض من بعض الدول، من الدخول في سباق التسلح ضد “تركيا”، مؤكداً على أنها لن تتفوق على “تركيا” بمثل هذه المبادرات، وخاصة أن تاريخهم وكل معادلاتهم الرياضية واضحة للجميع ولا تخفى على أحد.

وكما تحمل هذه العبارات من تحذير إلى “اليونان”، بدم بارد، بقدر فإنها في الوقت ذاته، تعكس ثقة “تركيا” واعتزازها بنفسها.

ويبدو أن “أردوغان” قد أعرب عن عدم ارتياحه إزاء تصرف “ميتسوتاكيس” الذي لجأ إلى أسلوب “الطيران والهروب” بدلاً من التحدث مع “تركيا” بشكل واضح وصريح، ودون وساطات.

كما يمكن تفسير خطابه يوم أمس وكأنه يقول:

“أنت مخطئ جداً إن اعتقدتَ أنّ هذا الموقف…. ناجم عن ضعف”.

محمد آجات بواسطة / محمد آجات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.