العلاقات التي كشفتها العمليات التركية

بدأت تركيا عملياتها الفعلية منذ ست سنوات في الداخل السوري، وبغض النظر عما يقوله الآخرون، إلا أن وجود تركيا من خلال عملياتها في تلك المنطقة مهد الطريق لإيجاد حل تعود نتائجه بالفائدة على العالم بأسره. وكانت تركيا تشير دائمًا إلى هذا الحل وتطالب به لكنها لم تتمكن من الحصول على الدعم الذي تريده إزاء ذلك. ونظرًا لتأجيل ذلك الحل فإن الثمن الأكبر والحقيقي ستدفعه تركيا والشعب السوري بكل تأكيد، حتى يصل الأمر إلى نقطة لا تُحتمل ولا يمكن صدها.

ومهدت تركيا بمفردها الطريق لحل في سوريا والتي حاولت فرضه على المجتمع الدولي منذ البداية، من خلال إطلاقها لثلاث عمليات رئيسية متتالية.

وفي هذا الصدد، فإن كل الاعتراضات والعمليات العسكرية التي قامت بها تركيا في سوريا ضد الإرهاب المدعوم دوليًا كان لها دور في كشف جميع العلاقات القذرة والمعايير الفاضحة التي يقوم عليها النظام الدولي. والحقيقة التي لا تتغير هي أن هذا الإرهاب متمثل بـ”تنظيمي “داعش” و”بي كا كا/ ي ب ك”، ولكن بالمقابل لم يتراجع أحد عن نواياه القذرة بشأن العلاقات التي كشفت عنها العمليات العسكرية. وبالمقابل، الخطوات التي اتخذتها تركيا أفشلت بشدة الألاعيب التي تُحاك من أحدهم.

وتكمن أهمية وجود المنطقة الآمنة التي أرادت تركيا إنشاءها في سوريا منذ البداية في أمرين، الأمر الأول تضييق النطاق على حركة النظام السوري ، والأمر الثاني مواجهة موجات الهجرة من سوريا إلى تركيا، وبذلك لن يضطر السوريون للنزوح إلى أماكن أخرى ولن يتركوا وطنهم للأسد المجرم ولنزوات المحتلين ورعاتهم.

وفي الحقيقة، كانت المنطقة الآمنة التي طالبت تركيا بإنشاءها في سوريا من أفضل الحلول وأكثرها منطقية وواقعية وإنسانية.

وبكل تأكيد، عندما نقول “إنسانية” فنحن نتحدث عن حل إنساني ممكن لشعب تعرض لمعاملة غير إنسانية.

وأولئك الذين لم يدعموا اقتراح تركيا لهذا الحل المعقول والواقعي والإنساني ووضعوا الأعذار وقدموا أسباب مختلفة للمماطلة، قد قاموا أيضًا بتوجيه انتقادات واعتراضات لا يمكن تخيلها اتجاه تركيا عندما تصرفت بمفردها.

ووقفت تركيا أمام عبور ما لا يقل عن 5 ملايين سوري إضافي إليها والذين كانوا سيعبرون إلى أوروبا، وذلك بفضل هذا الحل الذي طبقته تركيا بشكل فعلي. ومهما كانت الطريقة التي تنظر بها إلى هذا الأمر، يجب على أوروبا أن تُدين لتركيا بدين كبير من الشكر والامتنان بسبب قيامها بهذه العمليات.

واعتبر الأوروبيون أن العمليات التركية هي تدخلات في الشأن الداخلي لسوريا، علاوة على ذلك، وقفوا إلى جانب الأسد المجرم تقريبًا ضد تركيا، بدلًا من سداد دين الامتنان لها.

وبات الدعم، التي تقدمه العديد من دول الاتحاد الأوروبي لتنظيم “بي كا كا/ ي ب ك” الإرهابي داخل سوريا، علني وواضح، ولا يمكنهم تقديم أي تفسير منطقي لذلك.

ويشيرون إلى أن العمليات التركية تعمل على تغيير البنية الديموغرافية لسوريا. ويتحدثون بذلك وكأنهم أوفياء كثيرًا للبنية الديموغرافية لسوريا. وكأن المناطق التي ينتشر فيها الأسد وتنظيم “بي كا كا/ ي ب ك” الإرهابي تناسب كثيرًا البنية الديموغرافية.

وإذا كان لديهم ذرة من إدراك وفهم الواقع، فلينظروا إلى الديموغرافية الناجمة عن كل هؤلاء الناس الذين لجأوا إلى تركيا أو أوروبا.

معاداة اللاجئين في تركيا بالشراكة مع أعداء تركيا

من جهة أخرى، المعارضة التركية التي تعتقد أن اللاجئين السوريين هم المشكلة الأهم في تركيا اليوم وتقوم بترويج دعاياتها (البروباغندا) بهذا الاتجاه، إذا كان لديهم ذرة من الصدق، فإنهم سيرون ويُقدرون أن تركيا قد منعت بالفعل مجيء المزيد من اللاجئين السوريين بفضل عملياتها.

ورغم كل ذلك، يرى هؤلاء الأشخاص عديمي الإنسانية في اللاجئين السوريين أنهم أسهم لسياساتهم العنصرية والقذرة.

والجشع السياسي، الذي تُبنى عقليته على زرع الكراهية والعنصرية والجهل والغضب لاستثماره سياسيًا، لا يمكن أن يحصد شيئًا سوى الكوارث وعدم الرحمة والتعصب لهم وللبلد.

ردود الفعل التي يظهرها بعض الأوروبيين وتلك الجماعات (المعارضة التركية) أيضًا حول عمليات تركيا، لأسباب معروفة، ألا تعطينا فكرة كافية عن نوع المشهد الذي نواجهه؟

إن شراكة أولئك الذين ينظرون إلى مسألة اللاجئين السوريين على أنها أكثر نقاط الحكومة ضعفًا ويحاولون النيل من تركيا عبر هذه المسألة بتصرفات غير إنسانية هو موضوع يجدر النقاش فيه والتوقف عنده.

عندما ستقوم بإرسال اللاجئين، هل ستجعل شبيحة الأسد يقرعون الطبول التي ذكرتها؟

هل حقاً هم يريدون إيجاد حل؟ هل يحاولون ضرب تركيا في كل الأحوال؟

تركيا التي اتبعت السياسة الأكثر إنسانية منذ سنوات دون أن تتراجع خطوة واحدة بشأن قضية اللاجئين، يحاولون اليوم ضربها من الناحية التي أصبحت فيها أقوى في الآونة الأخيرة، حيث باتت كراهية الأجانب والعنصرية آخر الأمراض التي نقلوها إلى هذه الأمة.

ولم تكن تركيا أبدًا غير مبالية أو غير متخذة للتدابير اللازمة عندما يتعلق الأمر باللاجئين، كما يدعي العنصريون. بل على العكس كانت العمليات التركية واحدة من أكثر التدابير فعالية في خصوص ذلك، ولكن يبدو أن معارضي اللاجئين يعارضون العمليات التركية أيضًا.

وفي هذا السياق، تعمل تركيا حاليًا على إنشاء مدن تمكن من خلالها عودة مليون لاجئ بأمان إلى ديارهم في سوريا، لكن كليجدار أوغلو الذي أصبح مهووسًا بمعاداة اللاجئين اعترض بشدة على ذلك في نفس اليوم الذي أعلن فيه الرئيس أردوغان عن هذا المشروع.

لماذا ؟ ألم تقل أنك تريد حلًا؟ ألم تقل أنك تريد إرسال السوريين؟ هل ممكن أن تكون طريقتك إنسانية لإرسالهم؟ ما خطة الإرسال التي تفكر بها؟ هل تريد تسليمهم إلى الأسد الجلاد والخسيس والقاتل بطريقة غير إنسانية؟ وعندما ستقوم بإرسال اللاجئين، هل سيقرع شبيحة الأسد على الطبول التي ذكرتها؟

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.