تركيا .. محاولة لقراءة أخبار الحكومة من خلال دخان حرائق الغابات

يعتبر الجوهر الرئيسي للسياسة هو السعي نحو السلطة. فلا توجد حركة سياسية لا تطمح للوصول إلى السلطة.

وقد نوقشت كثيرًا، مسألة أولئك الذين يحددون وجهتهم ومهمتهم السياسية من خلال التحليلات والخطابات السياسية، على أنها تُقتصر فقط بعبارة “معارضة في كل الأوقات”، وتشير تلك المهمة إلى أنها نابعة من الشعور بعدم القدرة أو العجز الذي يقمع أو يخفي الرغبة في الوصول إلى السلطة.

وهذا إذا ما تحدثنا عن موقف تهكمي حقيقي لا ينتقد ولا يطالب الحكام بأي شيء ولا حتى يتحدث إليهم، والذين يستخدمون ضمن هذا الموقف تعبيرهم المثالي: “لا تحجبوا الظل، لا نريد إحسانًا آخر”.

في السياسة الديمقراطية، تتطلع الأحزاب والحركات السياسية إلى السلطة وتنافس وتعارض الحكومة الحالية. وعندما يعتلون السلطة، يدعون أنهم سيفعلون كل شيء بشكل أفضل من الحكومة الحالية ويقولون أن تلك الحكومة تفعل أعمال سيئة لذلك هم يطمحون إلى القيام بأعمال لا يمكنهم تنفيذها.

إن الاستياء المتزايد من الحكومات القائمة أو في الحقيقة إقناع أولئك الذين يقترحون البدائل، يتيح للحكومات تغيير بعض الرموز من خلال الوسائل الديمقراطية.

التعبير عن الاستياء من الحكومة و النقد والمطالبة ببديل عن الحكومة الحالية من خلال الاداعاءات فقط من غير تقديم بديل مقنع، من الممكن أيضًا أن يؤدي إلى زيادة المؤيدين والداعمين للمعارضة.

وهذا تعبير على أن السياسة محظورة بالفعل وأن وظيفتها التدميرية هي التي تبرز بشكل خطير بدلاً من بروز وظيفتها التنموية. وفي مثل هذه الحالة، تشعر المعارضة بالحاجة إلى عدم القيام بفعل أي شيء سوى إسقاط الحكومة الحالية والعمل على إنهاءها عبر إرهاقها ومن ثم أخذ دورها.

و ليس للمعارضة التركية أي خيار قابل للمناقشة بشأن أي قضية تطرحها اليوم على الساحة، وكل أفعالها تشير إلى أنها لم تستثمر بشيء سوى إسقاط الحكومة الحالية والعمل على إنهاءها.

ويكون إرهاق الحكومة عبر كارثة طبيعية يجب أن تتعامل معها أو من خلال صعوبات قد تواجهها في أزمة سياسية أو اقتصادية تحدث على نطاق عالمي أو إقليمي. وأيًا كان ذلك وبأي طريقة كانت ورغم كل جهود ومساعي الحكومة فهناك إمكانية أن تخرج الحكومة منهكة ومرهقة من رماد حرائق الغابات، أو من انتزاع جذوع الأشجار التي اقتلعها الفيضان.

يجب أن لا تكون السياسة رخيصة إلى هذا الحد. كما يعتبر أمر مروع أن يكون إمكانية الوصول إلى السلطة من قبل أولئك الذين لا ينتجون أي شيء حتى لأنفسهم، ولا يعتمدون سوى على إرهاق خصومهم.

ما فعلوه في التاريخ هو ضمان يكفي لإبلاغنا لما سيفعلونه في الوقت الحاضر. وإن تجهيزات واستعدادات المعارضة من أجل وصولهم إلى السلطة أو احتمالية الوصول لها (لا قدر الله)، تكون من خلال انتظار إرهاق الخصم وسقوطه دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تطوير أي مشروع كامل حول تلك السلطة أو حل أي مشكلة في هذا البلد ويعتزمون الوصول إلى السلطة دون جهد.

وعندما ذهب كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض للتحقيق في حرائق الغابات في قضاء مرمريس، أدلى ببيان صحفي انتقد فيه الحكومة بشدة بسبب عدم وجود الطائرات والمروحيات. وفي نفس تلك اللحظة، كانت أصوات المروحيات تُسمع فوق رأسه، حيث أعطته الرد المناسب من خلال صدفة لا تصدق.

كيف ستعرف تلك المروحيات التي كانت تحلق فوق رأسه أنها تم الحديث عنها في ذلك الوقت؟

إذا كنا لن نبحث عن مؤامرة داخل البيئة بالتزامن مع ذكر المروحيات، فإننا نستنتج أن كليجدار أوغلو ذهب إلى مرمريس بمجرد سماعه أن هناك حرائق وبدون تجهيزات أو استعدادات، فقط من أجل أن ينتهز أي فرصة متاحة للمعارضة.

ويشار إلى أنه حدثت حالات مشابهة أثناء اندلاع حرائق الغابات العام الماضي. حيث بذلت وزارة الزراعة والغابات ووزارة الداخلية وكافة الجهات المختصة في الدولة، جهودها وحشدت كافة الوسائل المتاحة وغير المتاحة واستخدمتها بأذكى طريقة ممكنة من أجل إطفاء الحرائق.

ومنذ لحظة اندلاع هذه الحرائق، يبذل وزير الغابات والزراعة ووزير الداخلية جهودًا مكثفة في عمليات إطفاء الحرائق دون أن يغادرا المكان.

هذا هو مستوى الاستعدادات والتحضيرات الكاملة لكليجدار أوغلو الذي يأمل في أن يقرأ أخبار الحكومة من خلال دخان حرائق الغابات. ومنذ عامين، لم يتمكن كليجدار أوغلو من الحصول على معلومات صحيحة وسليمة حول مواضيع قد يعرفها أي شخص في تركيا لديه معرفة متوسطة، واتخاذه للتدابير اللازمة لعدم الوقوع في مثل هذا الموقف المضحك.

وقعت حوادث الحرائق، العام الماضي والعام الحالي، ضمن المناطق التابعة لرؤساء البلديات المنتخبون من حزب كليجدار أوغلو، وفي الحقيقة هو صاحب السلطة في تلك المناطق. ليس لديه الحق في إبقاء أي شخص ينتظر حتى يصل إلى السلطة. وباعتبار تلك المناطق عبارة عن سلطة إدارة محلية، فيجب الحفاظ والحرص على أنشطة مكافحة الحرائق من قبلها.

وعلى الرغم من أنه غير مدرك لقوته وسلطته، إلا أنه كان يطلق تصريحات من مكان الحادث يقول فيها: “أين الطائرات، أين المروحيات”.

وأثناء إطلاقه تلك التصريحات، كانت المروحيات التي تحلق فوق رأسه عديمة الفائدة بالنسبة له ليتابع تصريحاته بالقول: “أعطونا السلطة وسنقوم بالواجب وننهيه، سنقوم بحملة تبرعات ونجلب الهيلكوبترات والطائرات الليلية لهذا المكان ونخمد الحرائق”.

الشعب قد قدم لك بالفعل، ماذا تريد منهم أكثر من ذلك؟

إن الجانب المؤلم أن زعيم المعارضة كليجدار أوغلو ليس وحده في هذا الأسلوب البدائي.

من جهة أخرى، يم اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمتاحة ضد حرائق الغابات، كما أن المساعي والجهود التي تبذلها فرق الإطفاء لا تختلف عن المعايير العالمية، حيث تُبذل جهود جبارة فوق طاقتهم لإخماد الحرائق.

هذه المرة، هناك تذمرات واداعاءات لا يتقبلها عقل تشير إلى أن فرق الإطفاء قامت بإخماد الحرائق عندما اقتربت من مقر إقامة الرئيس أردوغان”. كما أن تلك الادعاءات تقول أنهم يحرقون هذه الأماكن كي يتمكنوا بناء فنادق فوقها وتفتح للإسكان.

تقوم وزارة الزراعة والغابات مباشرة بإلإدلاء بتصريحات وإعطاء صورة كافية حول ذلك بالقول: “حرق الأشجار الموجودة على أرض الغابات لا يمكن أن يجعلها أن لا تصبح غابة لأننا نضع خطط من أجل إعادة التشجير لتعود من جديد الغابات كما كانت”.

إذا لم تكن تلك التصريحات والدلائل القانونية كافية، بإمكانهم أن يشاهدوا كافة صور مناطق الغابات المحترقة العام الماضي ومقارنتها كيف أصبحت هذا العام، لعلها تفتح أعينهم العمياء حول الحقيقة وتشبعها.

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.