تركيا.. قراءة في انتخابات بلدة صغيرة

شهدت بلدة دودورغا التابعة لقضاء أورطا بمحافظة تشنقيري التركية، الأحد، انتخابات محلية لانتخاب رئيس بلدية للبلدة بعد حوالي 13 عاما. وكانت بلدة دودورغا فقدت صفة البلدة وتحولت إلى قرية بسبب تراجع عدد سكانها، إلا أنها كسبت تلك الصفة مرة أخرى بعد انتصارها في معركة قضائية خاضتها لتبقى بلدة، لا قرية.

الانتخابات الديمقراطية النزيهة تعد أصدق استفتاء للرأي. ومن هذا المنطلق، أبدت الأحزاب السياسية اهتماما كبيرا لانتخابات دودورغا المحلية، واعتبرتها آخر اختبار قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها الصيف القادم، وبالتالي، استنفرت كافة طاقاتها، رغم صغر البلدة. وكان ذاك الاستنفار واضحا لكل من يزور البلدة وقضاء أورطا، وأول ما لفت انتباهي خلال زيارتي لقضاء أورطا، الأسبوع الماضي، حافلة حزب الديمقراطية والتقدم التي جاءت إلى المنطقة للمشاركة في الحملات الانتخابية.

مرشح حزب العدالة والتنمية، حسن حسين خاشقجي، الذي دعمه حزب الحركة القومية، حصل على 979 صوتا (87.02 في المائة) من أصوات الناخبين، وفاز برئاسة البلدية. وحل حزب “الرفاه من جديد” الذي يرأسه فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، في المرتبة الثانية، وحصل مرشحه على 47 صوتا (4.18 في المائة)، فيما حصل حزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان، على 23 صوتا (2.04 في المائة)، على الرغم من دعم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد مرشحه. وأما حزب السعادة برئاسة تمل قرة موللا أوغلو فحصل مرشحه على 16 صوتا (1.42 في المائة) فقط.

هذه النتائج تحمل دلالات ورسائل، مهما كانت البلدة صغيرة والانتخابات محلية، في منطقة تعتبر من قلاع اليمين المحافظ. ولعل أولى تلك الرسائل أن الناخبين في تركيا لا يريدون التخلص من الحكومة الحالية في أقرب وقت ممكن بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم، كما تدَّعي المعارضة. وتشير النتائج إلى أن الناخبين في محافظات وسط الأناضول لن يتخلوا عن دعم تحالف الجمهور الانتخابي في الانتخابات القادمة بسبب بعض المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كما أنهم لا يرون أن مفتاح الحل لتلك المشاكل بيد المعارضة.

تركيا ليست كلها إسطنبول وأنقرة وإزمير، وما زالت محافظات وسط الأناضول تثق بتحالف الجمهور الانتخابي وتدعمه بقوة. ومن المفارقات أن أنصار حزب الشعب الجمهوري يصوتون لهذا الحزب منذ سنين في الانتخابات المحلية بمدينة إزمير لأسباب أيديولوجية، رغم رداءة خدمات البلدية وعدم اعتنائها بالمدينة وسكانها، ثم ينتظرون من المواطنين الموالين لأحزاب تحالف الجمهور الانتخابي أن يتخلوا عن أحزابهم بسبب مشاكل اقتصادية يعود جزء كبير منها إلى عوامل خارج إرادة الحكومة وقدرتها، كارتفاع أسعار الطاقة.

محافظة تشنقيري من المناطق التي يصوت فيها الناخبون غالبا لأحزاب اليمين المحافظ، وتشير نتائج انتخابات دودورغا المحلية إلى أن أحزاب المنشقين من حزب العدالة والتنمية لم تنجح حتى الآن في كسب ثقة الناخبين في تلك المناطق. بل يعاقب الناخبون المحافظون تلك الأحزاب بسبب تحالفها مع حزب الشعب الجمهوري، وهذا ما يؤكده حصول حزب باباجان على 23 صوتا فقط في انتخابات دودورغا المحلية.

النتائج تشير إلى أن حزب السعادة سيدفع ثمن تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري غاليا في الانتخابات القادمة، وقد تتجاوز شعبية حزب فاتح أربكان شعبية حزب السعادة في المستقبل القريب، لتخلي نسبة من الناخبين عن تأييد حزب السعادة ليؤيدوا حزب “الرفاه من جديد”، في ظل استياء واسع في صفوف الموالين لحزب السعادة من الاصطفاف مع حزب الشعب الجمهوري.

حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو لم يقدم مرشحا لانتخابات دودورغا المحلية، ويدَّعي داود أوغلو أن حزب العدالة والتنمية حصل على 49.50 بالمائة من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حين كان يرأس الحزب، وأن تلك النسبة العالية تدل على حجم شعبيته في البلاد، إلا أن استطلاعات الرأي تقول غير ذلك، وتشير إلى أن شعبية حزب داود أوغلو حاليا لا تتجاوز الـ1 في المائة، وهذا تؤكده نتائج انتخابات الأحد الماضي.

الانتخابات المحلية التي أجريت في بلدة دودورغا لا تعكس بالتأكيد ميول عموم الناخبين في تركيا، إلا أنها منحت أحزاب تحالف الجمهور الانتخابي دفعة معنوية قوية، كما أنها شكلت خيبة أمل كبيرة لأحزاب التحالف المعارض، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الهامة التي تبذل جميع الأطراف كافة طاقاتها للفوز فيها.

تركيا.. قراءة في انتخابات بلدة صغيرةبواسطة/ إسماعيل ياشا
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.