البحث في أصل وفصل تنظيم غولن الإرهابي

مضت ست سنوات على المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها تركيا في 15 يوليو/تموز.

واستشهد خلال هذه المحاولة الانقلابية 252 مواطنًا وأصيب أكثر من ألفين بجروح. ويعتبر ما جرى في تلك الليلة حدث استثنائي في تاريخ تركيا له العديد من الأسباب والنتائج من كافة الجوانب.

بدأت تلك العملية منذ خمسين عامًا ولولا وجود مانع بسيط لذلك، لدخلت تركيا مجرى مختلف تمامًا، ولربما كنا سنعيش في تركيا وعالم مختلف تمامًا عن اليوم.وربما لكان بعضنا لا يتنفس في هذا العالم اليوم أو الأدوار كانت ستصبح مختلفة تمامًا.

كانت تركيا ستصبح مختلفة تمامًا والعالم أيضًا، لو أن خطط الانقلابيين التي وضعوها نجحت مثلما يخططون، ولولا وجود مانع بسيط فيما يخص بعض الأشخاص في 15 يوليو/تموز.

كانت ستصبح تركيا خارج المعادلة والنظام تمامًا، والتي تعتبر أمل الشعوب وتقلق راحة الانقلابيين وحلفائهم في العالم الإسلامي الذي يريدون إدارته ووضع نظامه كما يحلو لهم.

كانت ستسير الأمور بتركيا بشكل جيد لأن أبناء شخص ما سيتولون القيادة والمسؤولية، لكن حادث غير مخطط له قلب مخططات الانقلابيين رأسًا على عقب.

ألم تُغير أحداث كثيرة مجرى التاريخ؟ وكان لها تداعيات ونتائج كبيرة في التاريخ. من جهة أخرى، ليس ممكنًا أن ننظر لهذه الأمور بعين بشرية، ولكن لا يمكن تفسير أي شيء ببساطة عن طريق الصدفة بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن هناك حسابًا فوق كل حساب وأن هناك مصير يحل مكان مصير آخر.

باستثناء الحسابات الرائعة لرب العالمين الذي يهيمن على كل ذرة في الكون بحكمة وتدبير والذي بيده كل شيء.

التنظيم الذي جر جميع الأطراف إلى “الخدمة” لمدة 50 عامًا

العقلية التي سيطرت على السياسة والتجارة والشرطة والقضاء والجيش والإعلام والمنظمات غير الحكومية في تركيا لمدة خمسين عامًا، أصبحت تثير لهم الأوهام بأنهم يستطيعون تنفيذ أي عملية يريدونها وبأي زمان ومكان يريدوه

كان يثقون بأنفسهم لدرجة أن عقليتهم باتت تقترب من نوع من الألوهية والغطرسة والشجع. ومن يعتقد أنه يستطيع أن يقتل ويصنع ويخطط وينفذ ما يشاء فتعتبر تصرفاته على أنها غطرسة نمرودية.

لم يكونوا بحاجة إلى معيار أخلاقي أو كتاب للمساءلة في شرعية أفعالهم أو تبريرها ، فالحركة التي أسسوها وأطلقوا عليها اسم “خدمة” أصبحت هي مقياس الصواب والخطأ لديهم. وكان باعتقادهم أن كل الأفعال التي تصب في مصلحة حركة ” خدمة” هي صحيحة ولا يمكن التشكيك فيما إذا كانت ملاءمة أم لا.

والأشخاص الذين رسموا أوجه التشابه بين هذه الحركة وحزب العدالة والتنمية، لا يرغبون أن يتذكروا أن هذه الحركة سيطرت على جميع الأحزاب والحركات السياسية وجرتهم إلى “الخدمة” عن طريق تغلغلها واقترابها من النظام منذ بداياتها.

أعضاء تنظيم غولن كان لديهم اجتماعات وطنية مع الطرف الآخر منذ البداية

إذا بحثنا عن أصل وفصل هذه الحركة، فيمكننا أن نذكركم أن الحركة الوحيدة التي حذرت بأن حركة “خدمة” لن تكون حليفًا في جوهرها هي حركة “الرؤية الوطنية”.

ربما جاء ذلك بسبب التوترات أو الخلافات التي حدثت في مرحلة التأسيس وكان الطرف المقابل لحركة “خدمة” هي حركة الرؤية الوطنية.

وضمن المشهد السياسي في سبعينيات القرن الماضي، وجه تنظيم غولن الإرهابي انتقادات عدوانية وعلنية لنجم الدين أربكان ولم يقدمون الدعم مطلقًأ لحركته السياسية. بل قاموا بتقديم الدعم لخصومه السياسيين من أحزاب يمين الوسط أو اليسار.

في 28 فبراير/شباط 1997، وعلى الرغم أنهم كانوا في السلطة، إلا أنهم لم يترددوا في اتخاذ موقفهم ضد حكومة حزب الرفاه والوقوف إلى جانب حلف الانقلابيين.

وتكشفت لاحقًا كيف أخذ تنظيم غولن الإرهابي دورًا في التلاعب بالعديد من مراحل انقلاب 28 شباط/فبراير .

وباتت معروفة الآن للأشخاص الذين تولوا أدوار قيادية في الشرطة والإعلام في ذلك الوقت، حادثة (علي كالكانجي ،مسلم غوندوز، وفاطمة شاهين) الشهيرة والذين تم اعتقالهم وإدانتهم فيما بعد بارتكاب جرائم باسم تنظيم غولن الإرهابي.

على الرغم من ذلك، يعتبر سبب ظهور حزب العدالة والتنمية وحركة “الخدمة” معًا في مرحلة ما، نتيجة لقدرة تنظيم غولن الإرهابي في التغلغل والاقتراب من الحكومات على مدى 50 عامًا.

حركة الرؤية الوطنية، التي كان يُنظر إليها على أنها الطرف المقابل لهم، وصلت إلى السلطة على الرغم من عدم رغبة حركة “الخدمة” (تنظيم غولن) في ذلك. ولكن قاموا منذ البداية بتنفيذ خطة للاستيلاء الكامل بعد اتباعهم نهجًا حذرًا، حيث كانوا يتظاهرون بعقليتهم الاستراتيجية، التي كانوا قد اتبعوها منذ البداية.

وخلال مرحلة البدايات، كانت رغبتهم في الاقتراب من حزب العدالة والتنمية يعود إلى أن المشهد السياسي كان دون خيارات. حيث بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة بمفرده وحقق نجاحًا غير مسبوق وكان من غير الممكن الإطاحة به في فترة قصيرة من خلال الوسائل السياسية والمؤامرات.

ومع ذلك، كان لدى تنظيم غولن الإرهابي أعمال يجب تنفيذها بالاشتراك مع الحكومة وكان حزب العدالة والتنمية مضطرًا لذلك. ولكن بالمقابل كان يتطلع إلى تحويل هذا الاضطرار إلى تحقيق أعلى المكاسب كما هو الحال دائمًا.

الأشخاص الواقعين في الفخ الذي نصبوه لأنفسهم، يقولون من نصب لنا الفخ؟

وكان من المؤكد أن يؤدي، عدم الإخلاص والمساومة الداخلية والأجندة الخفية وتصفية الحسابات، إلى خلق صراعات خلال فترة قصيرة.

بدأت التوترات العلنية الأولى بعد مؤتمر دافوس وحادثة سفينة مرمرة.

وبعد الاستفتاء الدستوري التركي 2010 بدأت الألاعيب التي تُحاك تعطي مؤشرات حول نوايا التنظيم.

في 7 شباط/فبراير، بعد استدعاء وكيل جهاز الاستخبارات الوطنية للإدلاء بشهادته، بدأ الرئيس أردوغان في الإشارة إلى المسألة التي ستستهدف أكثر المراكز حساسية للتنظيم وهي قضية مدارس “الديرشان”.

اظهرت هذه القضية أن تفنيد أسرار تنظيم غولن قد تم بأفضل طريقة لأن مدارس “الديرشان” كانت الأموال والموارد البشرية التي يمتلكها التنظيم، وذلك يشير إلى تراكم مؤسسي لمدة 50 عامًا.

ولأول مرة تشجع أردوغان على اتخاذ قرارات ضد تنظيم لم يتجرأ أي حزب سياسي على محاسبته، ولو كانوا من قبل اتخذوا قراراتهم ضد هذا التنظيم لخسروا حياتهم السياسية.

بفضل قلب أردوغان الشجاع، شرعت تركيا في طريق التطهير من هذا الهيكل (تنظيم غولن الإرهابي) الذي سيطر على البلاد متغلغلًا بها ومنتشرًا لمدة خمسين عامًا.

ولم يكن من السهل التخلص من هذا التنظيم المتغلغل والمنتشر، لكن ردود الفعل المتغطرسة والمتعجرفة لتنظيم غولن الإرهابي نفسه جعلت هذه المهمة سهلة نسبيًا.

لقد مهدت محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز، الطريق لتصفية حسابات أكثر ديمومة، حيث تم إيقاف هذا الانقلاب بفضل الله تعالى والموقف النبيل الذي اتخذه هذ الشعب بقلب شجاع.

وأولئك الذين نصبوا الفخاخ لنا وبقدر الله تعالى، تفاجئوا بما تعرضوا له ورأوه من خلال أعمالهم الذي نفذوها على أن هذا الفخ نصبوه لأنفسهم.

ورغم ذلك كل ما حدث لم يكن سوى ما فعلوه بأنفسهم.

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي

تعليق 1
  1. أحمد البدراني يقول

    فتح الله غولن شخصية مثيرة للارتياب والجدل هو ظاهره إسلامي لكن باطنه غرور وطموح شخصي بالسيطرة على السلطة من خلال التسلل عبر قنوات التعليم والإعلام عبر مؤسسات حركته المسماة بالخدمة والأمر المثير للشكوك هو علاقته بالغرب وترحيبه له مثل مؤسسة الفاتيكان ودوائر صنع القرار في أمريكا والتي ترى في الحركة نموذج الإسلام الحداثي والمتفتح ذو التوجه الثقافي بدلا من السياسي، رؤية غولن حول سياسة تركيا الخارجية وتوجيهها نحو آسيا الوسطى والانفتاح على الغرب والتساهل تجاه الصهيونية تكشف عن عمالته غير المباشرة وقطع صلة تركيا بالشرق الأوسط وهو مركز ثقلها السياسي والجيواستراتيجي لقرون طويلة كما أن تحالفه مع القوي العلمانية الراديكالية ضد حكومة الوفاق بقيادة نجم الدين أربكان والانقلاب ضده تكشف عن نواياه الغير نزيهة واتجاهه اللاقومي واللاإسلامي.، نجحت تركيا في تطهير المنزل الداخلي من تنظيم أرجينكون ومن المؤسسة العلمانية المتشددة وحاليا من تنظيم غولن وحركات الإرهاب اليسارية الكردية وفي بضعة سنوات ستتجاوز تركيا كل العقبات الداخلية والخارجية نحو انطلاقة تاريخية ماسية تفوق كل نجاحاتها التاريخية السابقة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.