سيف أردوغان وذهبه.. والتحولات الدولية

لما اختلف الناس في نسب الفاطميين بلغ الخبر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، فخرج على المصريين بالسيف في يد، وفي اليد الأخرى الذهب، وردد عبارته المشهورة: هذا حسبي، وهذا نسبي، وهو يشير إلى السيف والذهب. وهكذا نشأت العبارة الشهيرة “سيف المعز، وذهبه”، للتعبير عن الترغيب والترهيب.

ذهب أردوغان

منذ اندلاع الثورة السورية وتركيا متمثلة في رئيس حكومتها السيد رجب طيب أردوغان كانت داعمة إلى أبعد حد لها، على الرغم من أن علاقة الرجل بالرئيس السوري كانت على أحسن ما يرام، حتى على المستوى العائلي، لكن الرجل فضل إنسانيته، ومصالح الشعب الجار على العلاقات الشخصية، فنصح الصديق القديم قبل أن يتحول عنه ويفتح بلاده للنازحين قبل أن يفتحها للمعارضين.

لم تحظ المعارضة السورية في أي بلد كما حظيت في تركيا من دعم مادي وسياسي ومعنوي ثم عسكري، تتلقى المصالح وتولد منافع، على الأغلب هذا مقبول في حياة الناس، وفي السياسة هو عين العمل السياسي، وعليه تدور العلاقات فيها، ولما كانت المعارضة السورية قد أخذت ما أخذت في الأعوام الأولى من دون أن تعطي، فإنه مع تحول القوى وظهور خطر الانفصاليين الأكراد، أو ما تسمى بمليشيات قسد والمرتبطة عضويا بمليشيات حزب العمال الكردستاني التركي الانفصالي وارتباطهم بمشروع الدولة الكردية الكبرى التي تحلم باقتطاع جنوب تركيا وشمال العراق وسوريا، بات لزاماً أن تتحرك تركيا التي وجدت أن دعماً غربياً لا محدوداً لهذه المليشيات الإرهابية والتي تشكل خطراً على كل من سوريا وتركيا، ولأن الأولى تنسق مع تلك المليشيات، فلم يكن أمام تركيا إلا الاستفادة من المعارضة التي من المفترض أنها وطنية ومن أدبياتها المحافظة على كامل التراب السوري موحدا.

فتحت تركيا أبوابها على مصاريعها للمعارضة ووفرت لهم كل الإمكانيات للتحرك لحل أزمتهم، ولأن الأزمة مشتركة بدأت تتفاوض مع الفاعلين من أجل الوصول لحلول تنهي الأزمة السورية بما يحفظ للثورة مكتسباتها أو على الأقل بعضها، ويحافظ على مصلحة تركيا، وهو ما قدمت له دماء أبناء الشعب التركي في الشمال السوري ومناطق خفض التصعيد.

سيف أردوغان

كان لزاما على تركيا ومن أوكل من قبل الشعب لحماية مصالحه؛ أن يشهر سيفه أمام ذلك الخذلان الكبير الذي جناه من وراء المعارضة السورية التي تفرغت في أكثر الأحيان لمناكفة بعضها البعض، أو تكسير مصداقية بعضها البعض، صراعاً على المناسب أو المنافع، أو جرياً وراء علاقات يمكن أن تنفعهم شخصياً بعد أن تنتهي الحرب، أو حتى قبل ذلك بعد أن يعلنوا الاعتزال إذا ما انسدت أمامهم الأبواب أو احترقت ورقتهم، هذا في وقت باتت القضية السورية تمثل لتركيا صداعاً على الحدود بوجود المجموعات الكردية الانفصالية، وفي الداخل (التركي) بوجود ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ تكايد المعارضة التركية بهم الحكومة وتؤلب الشعب بهم عليها، فلا حديث منذ خمس سنوات إلا عن السوريين، والامتيازات التي يتحصل عليها السوريون، بحق أو افتراء، إلا أن الشعب يسمع هذا الكلام ليل نهار سواء من السياسيين المعارضين أو إعلامهم الموالي.

إن التسريبات التي ظهرت خلال الأيام الماضية، والتي نشرتها وكالة تسنيم الإيرانية، من أن تركيا طلبت من المعارضة السورية أن تسوي أوضاعها في تركيا وأن تسعى لأن تجد لنفسها مستقرا خارج الأراضي التركية (وإن كان قد تم نفيه من قبل نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض عبد الرحمن مصطفى، قبل أن يخرج رئيس الائتلاف سالم المسلط عبر تلفزيون سوريا وينفي الأمر)، قد تكون بالون اختبار، لا سيما وأنه جاء بعد لقاء أردوغان بوتين، وثم رئيسي على هامش قمة شنغهاي، وقد يكون جرس إنذار لا سيما وأن تركيا لم تنف الخبر ولم يتحدث عنه أحد، ما يعني رضا ضمنيا بما قد يكون، لا سيما وأن وزير الخارجية التركي قد صرح قبل أيام بأنه أصبح من الضروري تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، مضيفا بأنه لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك. وقال تشاووش أوغلو إنه أصبح من الضروري أن يتمكن السوريون من العودة إلى بلدهم، بمن فيهم الموجودون في تركيا.

تصريحات تشاووش أوغلو إذا ما وضعت جنباً إلى جنب مع ما سربته وكالة تسنيم فإن أمراً ما داخل المطبخ السياسي التركي يجهز، والمعارضة لا تزال طامعة في ذهب أردوغان، وهو ما تحدثنا عنه في مقال “لماذا باعت تركيا الثورة السورية؟!”.

التحولات الدولية

الأمر بكل بساطة لأي مراقب أن ثمة تحولات إقليمية ودولية في المنطقة على تركيا أن تسرع الخطى حتى تواكبها، وإلا ستجد نفسها واقفة في مربع وحيد وقد احترفت التنقل بين المربعات. ففي الوقت الذي دفعت فيه روسيا تركيا لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، تراجعت حدة المطالبات الغربية والأمريكية بالتخلص من نظام الأسد لصالح حل إعادة كتابة الدستور، أو حتى تعديله، وتم الاعتراف بلجنة من المعارضة دولياً للقيام بهذه المهمة.

ورغم الرفض النوعي للجنة لفكرة بقاء الأسد، إلا أن رهان الغرب والمجتمع الدولي على عامل الوقت والضغط المستمر من كل الأطراف، التي كانت تدعم المعارضة، وصولا إلى تركيا التي أصبحت في ورطة بعد أداء المعارضة الباهت، جعل تركيا تتحرك في اتجاه التخلص من هذا العبء، لا سيما وأن المنطقة تشهد تحولات تحدثنا عنها في مقال “الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه بايدن”، فأصبح لزاماً على تركيا أن تكون دولة فاعلة في هذه المنظومة التي ترسم في المنطقة.

ولأن تركيا العدالة والتنمية، تسعى دائما للريادة، لكنها مضغوطة في نفس الوقت بالأزمة الاقتصادية، فإنها تناور على كل التحالفات لتحصيل أفضل المكاسب، فيزور رئيسها أوكرانيا، في دعم واضح لها أثناء حربها، ليرضي أمريكا التي بات رئيسها يردد مقولة بوش أمام الكونجرس أثناء إعلانه الحرب على ما يسمى الإرهاب: “من ليس معنا فهو ضدنا”، وبعدها بأسبوع يلتقي بوتين في قمة شنغهاي، ويلتقي في القمة بالرئيس الإيراني التي تدعم أرمينيا، وفي نفس اليوم يلتقي الرئيس الأذري، عدوها.

لكن أردوغان فطن أن العالم منذ فترة غسل يديه من الأزمة السورية وأصبحت التسويات البينية هي سيدة الموقف، والصراع سيدور بين أصحاب المصلحة الحقيقيين، مع تغاض مؤقت من الإدارة الأمريكية عن مكتسبات كل من روسيا وإيران في سوريا، على أمل أن تتقاطع المصالح ويختلف الشركاء على ما سرقوه، وتبقى تركيا في دوامة الصراع مع الانفصاليين الأكراد في شمال سوريا مستنفدين قوتها واقتصادها في حرب طويلة.

ومن هنا كانت الرؤية التركية في الخروج من الأزمة بمقولة “الأسد أولى من قسد”. ولا شك أنه في الأيام الماضية وقبيل التحضير للعملية العسكرية التركية التي اتفق على رفضها الأضداد (أمريكا وروسيا وإيران)، أصبح لا مفر من التخلص من قسد باستخدام الأسد، إما بتسليم قسد شرق الفرات للنظام، أو بسماح روسيا لتركيا ببدء عمليتها العسكرية المعلن عنها منذ أشهر ومتوقفة على توافق الأطراف الفاعلة، على أن تحل تركيا أزمتها مع أمريكا بشكل أو بآخر، وهو إن حدث فقد يكون انتصارا لأردوغان قبل الانتخابات.

الانتخابات البرلمانية والرئاسية

الانتخابات البرلمانية والرئاسية تمثل تحديا كبيرا للرئيس أردوغان وحزبه، إذ يراها أردوغان مفصلية وتحديا كبيرا في ظل عوامل خارجية وداخلية صعبة. فمن ناحية يرى أردوغان أن تحديات المنطقة، رغم محاولاته تصفير المشاكل، لا تزال كبيرة، حيث إن نظرية صفر مشاكل التي تسعى الإدارة التركية لتطبيقها اختلفت معطياتها، ومن ثم لن تعطي نفس النتائج بالنتيجة. ولعل القارئ يعود لمقال “عندما أسكتت أنقرة أنواء شرق المتوسط” ليستزيد في هذه النقطة. كما أن الحرب في أوكرانيا وتموضع القوى وتشكل تكتلات دولية مع تعاط مختلف للقوى الإقليمية حتى مع الرعاة الدائمين، يجعل تركيا تنفض عن كاهلها ما ثقل وزنه وخف ثمنه.

أما على المستوى الداخلي، فإن المعارضة تكرر ليل نهار أن الإدارة التركية هي من أشعلت الخلاف مع سوريا وجلبت للبلاد الإرهاب (يقصدون قسد)، رغم أن بعضهم متهمون في قضايا بتهم دعم تلك المليشيات الإرهابية.. هذه البروباجندا أراد أردوغان أن ينهيها، حتى تبحث المعارضة عن أوراق أخرى، لعل أهمها الآن هي ورقة اللاجئين السوريين، وهو ما يسعى أردوغان لحله من خلال المنطقة العازلة وإعادة مليون ونصف المليون سوري، بحسب تصريحات أردوغان. وهذا مرهون بتفاهمات دولية كما شرحنا آنفاً، إلا أن مناطق العمليات السابقة في درع الفرات وغصن الزيتون وغيرها، قد لا تتسع لهذا العدد، إن هو أراد.

يبقى هنا الحديث عن رد الفعل السوري، سواء على مستوى المعارضة أو اللاجئين الذين بدأوا يتحركون من دون قيادة حقيقية تحركهم. فالمعارضة من جهتها لم تظهر خططاً ولا مشاريع في ظل هذا الحراك الدولي والإقليمي والمحلي، وتراهن على الوقت من جهة والمعجزات من جهة أخرى.

أما اللاجئون فبدت ردود فعلهم عشوائية، يسوقون أنفسهم أو يساقون بغير وعي إلى حتفهم، متناسين أنهم تحت حكم دولة ولها مؤسسات، فتخرج تظاهرات في بعض المناطق منددة بتطبيع تركيا المحتمل مع النظام، فيندس بينهم مغرض ويحرق العلم التركي فتقوم قيامة السوريين في تركيا، وتارة يدعون إلى الإضراب العام، وتارة أخرى يدعون إلى هجرة جماعية، وكأن إحراج الإدارة التركية سيصبح في صالحهم، على الرغم من أن تجربتهم السابقة، وأعني هنا المجنسين منهم، كانت عكسية، حين صوتوا لخصم مرشح العدالة والتنمية في إسطنبول، ولعل الجميع يعلم رد فعل الإدارة التركية على هذا التصويت العقابي.

كلمة أخيرة.. للمعارضة السورية: لم يبق الكثير وسيحاسبكم التاريخ، وكلمة للاجئين السوريين والمجنسين منهم: أردوغان لن يخذلكم وخصمه يضمر لكم الشر فعودوا إلى الجادة فالقادم من غير العدالة والتنمية أسوأ

بواسطة / ياسر عبد العزيز

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.