تركيا.. لا جديد في مسودة دستور الطاولة السداسية

أعلن التحالف المعارض المعروف إعلاميا بـ”الطاولة السداسية”، في مؤتمر صحفي عقده الاثنين، عن تفاصيل مسودة الدستور الذي يعد الناخبين بتطبيقه بعد العودة إلى النظام البرلماني في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع إجراؤها في أيار/ مايو أو حزيران/ يونيو 2023.

تتضمن المسودة تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية في مقابل توسيع صلاحيات البرلمان، وتشير إلى أن رئيس الجمهورية يتم انتخابه من قبل الشعب لفترة واحدة فقط مدتها سبع سنوات، ويقطع الرئيس في تلك الفترة علاقته بحزبه، ويمنع من ممارسة العمل السياسي بعد انتهاء فترة رئاسته. ويمنح الدستور المقترح رئيس الجمهورية حق إعادة القوانين إلى البرلمان مرة واحدة لإعادة مناقشتها وتكرار التصويت عليها، ولكنه يمنعه من رفضها في حال صادق البرلمان عليها مرة أخرى.

ما يقترحه التحالف المعارض بشأن صلاحيات رئيس الجمهورية لا يختلف كثيرا عما كان معمولا به قبل الانتقال إلى النظام الرئاسي، ويجعل رئاسة الجمهورية مجرد منصب شرفي، ليترك حكم البلاد إلى حكومة ائتلافية تتصارع فيها أحزاب مختلفة الجذور والتوجه، كما يجعل رئيس الجمهورية دمية بأيدي رؤساء تلك الأحزاب.

من المؤكد أن انشغال التحالف المعارض بما لا يعني المواطنين كثيرا خطأ إستراتيجي كبير، في ظل نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الشارع التركي يرى ارتفاع الأسعار أكبر مشكلة يجب حلها من قبل الحكومة

لو افترضنا أن تحالف الطاولة السداسية فاز مرشحه في الانتخابات الرئاسية، وأن أحزابه تمكنت من الحصول على عدد من المقاعد في البرلمان يكفي لتعديل الدستور، وأن البلاد عادت إلى النظام البرلماني، يعني ذلك أن مرشح التحالف المنتخب كرئيس الجمهورية سيتخلى عن صلاحياته لصالح رئاسة الوزراء التي سيتولاها بالتأكيد رئيس حزب آخر. وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: “هل سيطلب تحالف الطاولة السداسية من الناخبين أن يصوتوا لمرشح سيتحول إلى كومبارس في المشهد السياسي ومزهرية في القصر الرئاسي؟”. وإن قدَّم التحالف المعارض، على سبيل المثال، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو كمرشحه للانتخابات الرئاسية، فهل سيطلب من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري أن يصوتوا كي يكون رئيس حزبهم رئيسا للجمهورية بلا صلاحيات لتتولى رئيسة الحزب الجيد مرال أكشنير رئاسة الحكومة لتحكم البلاد؟

هناك احتمال آخر وهو أن يفوز مرشح التحالف في الانتخابات الرئاسية وأن لا تتمكن أحزابه من الحصول على أغلبية في البرلمان تمكن التحالف من تعديل الدستور، أو يرفض حزب رئيس الجمهورية المنتخب أن يصوت لصالح تغيير النظام ويستمر تطبيق النظام الرئاسي. وهو ما أشار إليه رئيس حزب السعادة، تمل كاراموللا أوغلو، حين قال إنه ليست هناك قوانين تجبر الرئيس المنتخب بدعم التحالف على التخلي عن صلاحياته والتنسيق والتعاون مع الأحزاب الأخرى إن قرر أن يحكم البلاد وحده. وفي تلك الحالة، سيكون مؤيدو الأحزاب التي سيتجاهلها الرئيس الجديد هم المخدوعين.

مسودة الدستور التي كشف عنها تحالف الطاولة السداسية لم تحظ باهتمام الشارع التركي الذي تختلف همومه وأولوياته عن أولويات الأحزاب الستة. ومن المؤكد أن انشغال التحالف المعارض بما لا يعني المواطنين كثيرا خطأ إستراتيجي كبير، في ظل نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الشارع التركي يرى ارتفاع الأسعار أكبر مشكلة يجب حلها من قبل الحكومة. وبعبارة أخرى، تعديل الدستور للعودة إلى النظام البرلماني ليس من هموم الناخبين ولا من أولوياتهم.

الشارع التركي ينتظر من تحالف الطاولة السداسية أن يسمي مرشحه للانتخابات الرئاسية، كما يتطلع دون جدوى لمعرفة البرنامج الاقتصادي الذي ستطبقه حكومة التحالف، بالإضافة إلى السياسة الخارجية التي ستتبناها. إلا أن التحالف لم يكشف عن أي منهما حتى الآن

تحالف الطاولة السداسية يتعهد في المسودة بتقييد صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب شعبيا لصالح رئيس الوزراء، ويعني ذلك عودة إشكالية التعارض والصدام بين الرئيسين يحظى كل واحد منهما بتفويض شعبي. وكانت إزالة هذه الإشكالية أحد أسباب الانتقال إلى النظام الرئاسي كيلا تتسبب في أزمة سياسية تدفع البلاد ثمنها غاليا.

التحالف المعارض يسعى إلى تحويل الانتخابات القادمة إلى استفتاء شعبي على نظام الحكم في البلاد، ولكنه ينسى أن الشعب التركي وافق على الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في استفتاء شعبي، كما أنه ليست هناك مؤشرات تشير إلى أن نسبة من الذين أيَّدوا تغيير النظام ندموا من تصويتهم لصالح التعديل الدستوري، وأن الأغلبية تريد الآن تطبيق النظام البرلماني. وإضافة إلى ذلك، يدعو تحالف الطاولة السداسية المواطنين إلى التصويت للعودة إلى حقبة الحكومات الائتلافية التي عانت فيها تركيا من أزمات سياسية واقتصادية.

الشارع التركي ينتظر من تحالف الطاولة السداسية أن يسمي مرشحه للانتخابات الرئاسية، كما يتطلع دون جدوى لمعرفة البرنامج الاقتصادي الذي ستطبقه حكومة التحالف، بالإضافة إلى السياسة الخارجية التي ستتبناها. إلا أن التحالف لم يكشف عن أي منهما حتى الآن، في ظل انشغاله بمراقبة ما سيؤول إليه الصراع الداخلي في حزب الشعب الجمهوري.

إسماعيل ياشا بواسطة / إسماعيل ياشا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.