تشكيك المعارضة في قانونية ترشح أردوغان

أعلن رؤساء الأحزاب التركية الستة التي تشكل التحالف المعارض المعروف إعلاميا بــ”الطاولة السداسية”، بعد اجتماعهم الحادي عشر الذي عقدوه الأسبوع الماضي، أن ترشح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في 14 أيار/ مايو المقبل؛ غير دستوري، لأن النظام المعمول به حاليا في تركيا ينص على أن رئيس الجمهورية لا يحق له الترشح لأكثر من فترتين متتاليتين.

أردوغان انتُخب رئيسا للجمهورية مرتين، وكانت الأولى في 2014 والثانية في 2018، إلا أن البلاد انتقلت من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في 2018، بعد التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 2017، كما تغير دور رئيس الجمهورية وصلاحياته ليتولى رئاسة الحكومة مع إلغاء منصب رئيس الوزراء. وبالتالي، بدأت فترته الأولى في النظام الجديد في 2018، ما يعني أنه سيترشح الآن لفترة ثانية في ذات النظام.

اللجنة العليا للانتخابات هي التي ستقبل ترشيح أردوغان، ولا يتوقع أن ترفضه، لأن ما تدعيه المعارضة لا أساس له، ولا مانع قانونيا أمام ترشح رئيس الجمهورية لهذه الانتخابات، كما يقول خبراء الدستور والقانون. بل رؤساء الأحزاب المعارضة أنفسهم كانوا يعترفون بأنه يحق له الترشح، ويقولون إن مرشح المعارضة سيهزمه في السباق الديمقراطي. وذكر رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، في برنامج تلفزيوني في 4 شباط/ فبراير 2022، أنهم لن يعترضوا على ترشح أردوغان في الانتخابات الرئاسية، كما زعم آنذاك عدد من أقطاب حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد في تصريحاتهم حول قانونية ترشح أردوغان في الانتخابات القادمة، أن حزب العدالة والتنمية هو الذي يقف وراء إثارة النقاش حول الموضوع ليلعب بورقة المظلومية، ويجعل الرأي العام يعتقد بأن أردوغان مرشح قوي قادر على الفوز، وأن المعارضة تسعى إلى عرقلة ترشحه.

قد يسأل القارئ هنا: “ما الذي تغير خلال سنة؟ ولماذا تراجعت المعارضة عن رأيها في قانونية ترشح أردوغان؟”. الجواب أن المعارضة كانت في تلك الأيام واثقة بفوز مرشحها في الانتخابات الرئاسية أمام أردوغان، وترى أن شعبية الأخير انخفضت كثيرا بسبب الظروف الاقتصادية. ولكنها اليوم تدرك جيدا أن حظ أردوغان أكبر من حظ مرشح المعارضة بعد سلسلة من الخطوات العملية التي قدمها رئيس الجمهورية لحل بعض المشاكل العالقة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، في مقابل فشل تحالف الطاولة السداسية المعارض في تحديد مرشحه حتى الآن، وسط خلافات عميقة تهدد بتماسك التحالف، وتنافسٍ شرسٍ بين المرشحين المحتملين.

قد يكون التحالف المعارض أراد أن يبعد انتباه الرأي العام عن خلافاته الداخلية من خلال إثارة هذا الموضوع، ولكن تشكيكه في قانونية ترشح أردوغان مرة أخرى لرئاسة الجمهورية سلاح ذو حدين، ويضر المعارضة أكثر؛ لأن إلحاح المعارضة على إثارة الموضوع سيدفع الرأي العام التركي إلى الاعتقاد بأن المعارضة غير قادرة على نيل ثقة الشعب، وعاجزة عن هزيمة رئيس الجمهورية عبر صناديق الاقتراع، ولذلك تسعى إلى إسقاطه بطرق غير ديمقراطية.

المعارضة تقول إن أردوغان يمكن أن يترشح لرئاسة الجمهورية في حال اتخذ البرلمان قرار إجراء انتخابات مبكرة، كما تؤكد أنها ستصوت لصالح إجراء انتخابات مبكرة إن تم تقديم موعدها إلى ما قبل 6 نيسان/ أبريل القادم، كيلا يتم تطبيق قانون الانتخابات الجديد الذي تم إقراره في 6 نيسان/ أبريل 2022، في هذه الانتخابات. وقد تكون إثارة قانونية ترشح أردوغان محاولة لدفع حزب العدالة والتنمية إلى قبول اقتراح المعارضة التي تعرف أن القانون الجديد ليس لصالحها.

تشكيك المعارضة في قانونية ترشح أردوغان أعاد إلى الأذهان محاولة عرقلة انتخاب عبد الله غول رئيسا للجمهورية في 2007. وكان انتخاب رئيس الجمهورية يتم آنذاك تحت قبة البرلمان. وكتب المدعي العام الأسبق، صبيح كاناد أوغلو، في مقال له، أنه يجب أن يحضر 367 نائبا على الأقل لعقد جلسة في البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية. ولما قاطع حزب الشعب الجمهوري الجلسة الأولى وألغت المحكمة الدستورية نتائجها بناء على الشكوى التي تقدم بها حزب الشعب الجمهوري، قرر البرلمان إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لتجاوز الأزمة، وحصل حزب الحركة القومية على 71 مقعدا في البرلمان، وأعلن أنه لن يقاطع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وهكذا تم انتخاب غول رئيسا للجمهورية في الجلسة الثالثة، وباءت محاولة حزب الشعب الجمهوري بالفشل.

وباختصار شديد، أن الشعب التركي لا يقبل اغتصاب إرادته الحرة بطرق غير ديمقراطية، كانقلاب عسكري أو تفسيرات قانونية شاذة.

بواسطة / إسماعيل ياشا

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.