الانتخابات التركية على مقياس ريختر

زار الرئيس رجب طيب أردوغان مقاطعة أديامان التي تضررت بشدة من جراء الزلزال الذي ضرب البلاد يوم السادس من شباط/ فبراير الجاري، واعترف بأن استجابة الإغاثة لم تكن سريعة كما كانت ترغب الحكومة. وهي زيارة لم تكن الأولى فقد سبقتها زيارات لكهرمان مرعش وكيليس وغازي عنتاب وعثمانية وغيرها من الولايات التي تضررت من الزلزال الأعنف منذ مئة عام والذي ضرب البلاد، وقال أردوغان: “أعلم جيداً أن الكلمات لا معنى لها لوصف ألمنا”.. كلمات يعتصرها الأوجاع من هول ما يرى زائر هذه المناطق، فبحسب الإحصائيات الرسمية حتى الآن فقد قضى ما يزيد على 29600 مواطن وأصيب ما يقارب 82 ألف مواطن.

وعلى الرغم من أن الرئيس وحكومته كانوا على مستوى الحدث من أول لحظة، بالمتابعة والانتشار في المناطق المنكوبة مع وضوح أن التحركات مدروسة إلى حد كبير رغم أن الكارثة أكبر بكثير مما قد تحتويها خطة طوارئ، إلا أن الأصوات الغاضبة بدأت تتعالى، غير مكترثة بهول المأساة والظروف المناخية التي حدثت فيها ولا ما تركته من آثار على البنية التحتية من طرق وجسور وإمدادات طاقة، حتى مع الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة لإعادة المرافق بشكل سريع وهو ما تم على مراحل بدأت مع غروب شمس اليوم الأول من الزلزال، وأظنه إنجازا، وهو مستمر حتى كتابة هذه السطور، فبحسب وزير الطاقة التركي فإن كوادره أصلحت خطوط الغاز المتضررة في ولاية أديامان وستوصل الغاز إلى المباني غير المتضررة تدريجياً، وهو ما يعني أن ولايات قليلة هي التي ما زال العمل مستمرا بها.
الأصوات الغاضبة هي الأصوات المعارضة للحكومة التركية والتي ترى في الزلزال فرصة لكسب نقاط على الحكومة التي تحكم البلاد منذ ما يزيد على العشرين عاماً، واستخدمت في ذلك سلاح وسائل التواصل الاجتماعي لتأليب الرأي العام على الحكومة رغم المجهود المبذول. فعلى سبيل المثال أطلق رئيس حزب “ظفر” تغريدة يؤكد فيها أن طواقم الإنقاذ تبحث عن أعضاء الحزب الحاكم تحت الأنقاض وتهمل من سواهم، على الرغم من أن عددا من “قيادات” الحزب قضوا تحت الأنقاض.

هي حرب انتخابية كسب جولتها الأولى الحزب الحاكم بتحديد يوم الرابع عشر من أيار/ مايو القادم على غير رغبة المعارضة، وهو تاريخ يبدو أنه محل شك الآن بعد الدمار الذي ضرب عشر ولايات وشرد معظم أهلها، وهي ولايات تراها المعارضة غير ذي نفع، لأنه في الغالب ما تعطي أصواتها لحزب العدالة والتنمية، فهل ستتمسك المعارضة بتاريخ الاستحقاق الانتخابي لتحيد هذه الولايات المهمة؟ رغم استبعاد ميرال أكشينر رئيسة حزب “الجيد” ذلك، إلا أنه يبقى سؤالاً تجيب عليه الأيام في ظل سكوت المعارضة عنه الآن، سكوت لا يعني التمرير بل يعني الانتظار ليروا ما قد تسفر عنه إدارة الحكومة والرئيس للكارثة ومدى الرضا العام على هذا الأداء.
أتى الزلزال بما لا يشتهي حزب العدالة والتنمية ورئيسه، ففي الوقت الذي بدأ الحزب ورئيسه تسديد ضربات للمعارضة رفعت من أسهمه في آخر استطلاعات للرأي، بعد معالجته لأهم ملف يهم الناخب، بعد ارتفاع الأسعار وهبوط الليرة التركية أمام الدولار وفقدانها نسبا لا يستهان بها من قوتها الشرائية، بقرارات قد يكون لها أثر على الاقتصاد إذا صاحبتها إصلاحات مالية من جهة وضخ استثمارات طويلة الأمد من جهة ثانية، يأتي الزلزال ليسحب جزءا كبيرا من موارد المشاريع الاستثمارية التي على أساسها أُخذت قرارات الدعم المالي المتمثل في زيادة الحد الأدنى للأجور. فبحسب المختصين فإن الزلزال سيتسبب في حرمان تركيا من 1 إلى 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بسبب تضرر عشر ولايات كانت تضخ ما يزيد على 9 في المئة من الناتج الصناعي، و15 في المئة من الناتج الزراعي للبلاد، ما يوازي 8 في المئة من الميزان التجاري ما يؤثر بشكل كبير على حصيلة احتياطي الدولار للبلاد، وما قد يتسبب في عجز إضافي للموازنة قد يصل إلى 30 مليار دولار، ما يعني أن الحكومة ستضطر إلى ضخ المزيد من الدولارات من الاحتياطي لحماية القوة الشرائية لليرة.

والتدابير في هذا التوقيت ستكون سياسية أكثر منها اقتصادية، حتى لا تستغل المعارضة كما فعلت في السنتين الأخيرتين أزمة التضخم في توجيه ضربات للإدارة، تزامنا مع تلك الضربات التي بدأت توجهها بالفعل بتحميل إدارات البلديات والحكومة بالتبعية سبب انهيار المباني.

لكن على المستوى الدولي فإن هناك حكومات يهمها إسقاط حكومة العدالة والتنمية فتوجه ضربات محسوبة، لكنها قوية إذا ما عرفنا أنها ستصبح داعمة لخط المعارضة في تحميل الحكومة مسئولية الكارثة، فلا تنفك القنوات الغربية في استضافة “خبراء” يحللون الكارثة ويرجعون مسئولية حدوث الزلزال إلى السدود تارة والتنقيب عن النفط والغاز تارة أخرى، ويخوفون المواطن التركي بأن الزلزال الأكبر سيكون في إسطنبول ذات الــ15 مليون نسمة، وسيخلف ضحايا بعشرات الآلاف في ظل عدم استعداد الحكومة منذ توليها لمواجهته.

وفي ظل كل هذه التجاذبات الداخلية والخارجية التي تؤثر بلا شك على الناخب، لم يعد لاستطلاعات الرأي وسبر الآراء دور، بعد أن أصبح مؤشر الانتخابات التركية القادمة يقاس بدرجات شدة التعامل والمقاومة مع الزلزال للعالم ريختر.

بواسطة / ياسر عبد العزيز

 

تعليق 1
  1. أحمد البدراني يقول

    الكوارث الطبيعية في الغالب ليست ذات شأن سياسي أو كورقة ضغط إلا في حالتين وهي مدى خطورتها وكيفية استجابة السلطات الحاكمة معها والكوارث الأخيرة في تركيا الشقيقة حدثت في وقت حساس سياسيا كحالة الاقتراب من استحقاق الرئاسي والبرلماني التركي في غضون شهور قليلة.، بالرغم من ذلك فإن العكس هو الصحيح لأن كل أطياف المعارضة غير قادرة على التعامل مع إدارة الكوارث الكبرى فضلاً عن تحمل المسئوليات الوطنية وسيزداد أسهم تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير.، الكوارث والأزمات هي وقود إضافي للإرادة السياسية بالاستقلال والنهوض وقد أثبتت الحكومة والشعب التركي العزيز تضامنا هائلا وكشفت عن زيف المعارضة التركية والتي تعمل بمعظمها لأجندات خارجية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.