هل يزلزل أردوغان تركيا من جديد؟!

استيقظت تركيا صباح السادس من شباط الجاري على أكبر زلزال بالقرن الحالي ، الذي أصاب احدى عشر محافظة بأقل من دقيقة واحدة فهز مساحة جغرافية زادت عن خمس مائة كيلومتر مربع بتركيا ومناطق بشمال غرب سوريا وبلاد الشام .

عشرات الآلاف من المباني تهدمت فجأة ،ومئات الآلاف تحت الأنقاض وملايين الناس أصبحوا بالعراء بلا مأوى .

الطرق تقطعت والمطارات تعطلت والمشافي تهدمت ومراكز الدولة التي ستدير الازمة هي الاخرى انهارت وشبكة التواصل لم تعد موجودة للتحرك والوصول لأصحاب الادارة المحلية الذين اصبح بعضهم وذويهم تحت الانقاض.

شُلت الحياة بكل معنى الكلمة بأقل من دقيقة واحدة ،وسادت حالة الرعب والهلع والخوف المتزايدة مع كل هزة ارتدادية .

أدركت تركيا  منذ اللحظات الاولى حجم المصاب وضخامة الكارثة وعظم الامتحان والتحدي فأعلنت مباشرة الدرجة الرابعة للكارثة وطلبت المساعدات الاممية والتدخل الدولي .

صورة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لحظة وصوله للمناطق المنكوبة أمام هول المصيبة كانت أكبر دليل على حجم التحدي الذي يواجهه في هذه الظروف القاسية والحمل الذي وقع على كتفيه وعليه تحمله أمام هذا الشعب المنكوب.

زلزال الاناضول المدمر غير مجرى الحديث  بتركيا وقلب الاهتمامات وأسكت السياسة لفترة وجيزة حيث كانت تركيا قد دخلت جو الانتخابات المقبلة مبكرا وكان حديث الساعة عن الانتخابات والمرشحين والحملات الانتخابية استعدادا للانتخابات المفصلية الحاسمة القادمة .

لكن هذا السكوت لم يطل كثيرا رغم حجم المأسة وكبرها

فقد أعاد الزلزال للأذهان حديث أحد الصحفيين الذي كان يقول فيه أن اسقاط أردوغان عبر صناديق الاقتراع لم يعد ممكناً بعد اليوم ، ولابد من حدوث آفة أو كارثة طبيعية أو زلزال مدمر حتى ينتفض الشعب  ويثور عليه  بسبب هذه الكارثة.

مواقف احزاب المعارضة جاءت  هي الاخرى داعمة لهذا التفكير الذي ترفضه قواعد الديمقراطية والانتخابات واحترام رأي الناخب وقراره.

كليجدارأوغلو وكعادته سعى لتمييع الحدث ولم يمنعه حجم المأساة من التصريح بأن الحزب الحاكم يضخم الكارثة ليستغلها لمآرب سياسية .

ولم يكن موقف داوود اغلو وبقية احزاب الطاولة السداسية ترق لمستوى الحدث وكبر المصيبة فجاءت تصريحاتهم تحمل اللوم وتسعى لتحميل الحزب الحاكم مسؤولية حدوث الانهيارات والتأخر والعجز والفشل بادارة الازمة .

تزامن ذلك مع حملة بالتواصل الاجتماعي على الحكومة وانقسام حاد واصطفاف وتنخندق عميق بين فريقين ، فريق يسعى لاظهار عجز الحكومة وفشلها وترهل كوادرها واشاعة بعض الاخبار التي تبين عدم صدقها من انهيار للسدود أو التحييز بانقاذ الموالين للحزب الحاكم أو أن بلديات المعارضة هي التي قامت بأصلاح مدرج مطار هتاي …وفريق يريد اثبات سيطرة الدولة على الازمة رغم الارتباك بالساعات الأولى من الزلزال ويعزوه لاسباب تتعلق بحجم الزلزال وقوته التدميرية.

فرغم الماساة  الانسانية التي تداعت دول كثيرة لتخفيف لانقاذ المنكوبين من تحت الانقاض وايصال الماء والطعام واللباس ، كانت هناك حملة وخطة مبرمجة لدفن الحكومة والحزب الحاكم تحت انقاض الزلزال..

كانت هذه الحملة واضحة لكل من تابع تصريحات الاحزاب السياسية وحملة الأقلام والصحفيين حيث صلت لحد المطالبة بعدم دعم والمشاركة بحملة التبرع الجماعية تحت اسم تركيا قلب واحد.

العدالة والتنمية والرئيس أردوغان وتركيا كلها كانت تراقب ذلك الحرص الشديد لاستغلال الزلزال وتجييره للنيل من الحكومة ورفع وتيرة السخط واثارة الفوضي والفشل ،وهذا ما جعل أردوغان يقول بأن حجم المأساة  وعظم المسؤولية ومقام رئاسة الجمهورية يمنعانه من قول الكثير بحق أحزاب المعارضة .

أمام هذا الحدث الجلل والاستغلال البشع من قبل أحزاب المعارضة ، واستحقاق الانتخابات القادمة أصبح الرئيس أردوغان أمام تحدي أكبر مما كان عليه بالفترة الماضية بعد تجاوز – ولو بشكل جزئي على الأقل – تحدي كورنا وأزمة تراجع الليرة التركية وغلاء الاسعار والبيوات والآجارات بتركيا بهذه الدرجة لأول مرة بتاريخها الحديث.

جاء الزلزال  الذي تسبب بدمار أكثر من مئة وخمسون الف بناء ، ومدن بأكملها ، مع تبعاته الاخرى ومضاعفاته الكبيرة الكثيرة التي يعجز المقال عن ذكرها ،جاء كأكبر تحدياً جديداً أمام اردوغان والعدالة التنمية في هذا الفترة الحرجة قبل الانتخابات المصيرية له ولتركيا.

فهل يزلزل أردوغان الأرض من جديد أمام معارضية ومناوئيه واعداءه بالداخل والخارج !!؟

أم يكون الزلزال كما تمناه البعض هو الضربة القاضية ،وتذهب كل المحاولات السابقة هدراً تحت أنقاض الزلزال المدمر الذي سيدمر النظام الرئاسي برمته بعد أن دمر نصف تركيا !؟

مثل هذه الكوارث الكبيرة والازمات العميقة عادة ما تؤدي لسقوط الحكومات والاحزاب الحاكمة بأول انتخابات تخوضها تلك البلاد ،وخاصة اذا كانت الانتخابات قريبة من تاريخ تلك الكوارث حيث لاتزال حالة التذمر والغضب واللوم وتحميل المسؤولية للحكومة بذورتها وأوجها ،ويريد المتضرر أن يعاقب من يعتقد انه السبب بمعاناته .ويريد أن يأتي بالبديل الذي يعوض له خسائره ويداوي له جراحه.

لكن هل الحال بتركيا هكذا..!؟

قبل الزلزال وامام التدهور الاقتصادي والتراجع بقيمة الليرة التركية كانت كل الاستطلاعات تشير لتذمر الناخب التركي من الوضع الاقتصادي ، لكن كانت كل الاجابات على السؤال الثاني عمن يستطيع حل هذه المشاكل وتعديل الاوضاع الاقتصادية من جديد ،كان الجواب انه أردوغان .

هذا مؤشر لثقة الناس بقدرة اردوغان من جهة ومؤشرا واضحا لفشل المعارضة وعدم وجود البديل من جهة اخرى.

أردوغان أدرك حجم المصيبة والتحدي ،ومن يعرف اردوغان جيدا يدرك انه وخلال تفكيره بتضميد الجراح الاسعافية  من جهة ، يفكر بنفس الوقت كيف يحول هذه المحنة الى منحة ، وكيف يستخرج الخير من هذا الشر  ، لذلك لا عجب وهو في حالة الصدمة هذه  أمام هول المصيبة أن يطلق البشارة الاولى والتحدي الأكبر ويتعهد ببناء كل ما تهدم خلال عام واحد فقط.

هذا التصريح والتعهد كان بمثابة مؤشراً واضحاً لمعالم السياسة المستقبلية وما سيقوم به أردوغان بالأيام القادمة ليقلب الطاولة السداسية على رؤوس مجتمعيها الذين عحزوا حتى الآن عن مجرد تسمية مرشح للرئاسة رغم اقتراب موعدها.

بداية معالم هذه السياسة كانت رفض أردوغان حتى مجرد الخوض بالحديث عن الانتخابات وموعدها خلال معالجة جراح المنكوبين رغم محاولات المعارضة جر الحزب الحاكم لهذا الأمر ،وكانت هذه مثابة رسالة للشعب ان اليوم يوم لملمة الجراح ليس الحديث عن الانتحابات.

ثانياً:رفض أردوغان اي عرض لتأجيل الانتخابات لسنة قادمة كما ظن البعض من خلال تعهده باعادة البناء خلال عام ،او التراجع عن تقديمها بالرابع عشر من مايو القادم .وهذا دليل على أهمية وتفضيل مصلحة تركيا لكي يبدأ بالعمار والبناء من يأتي للحكم مهما كان ،واعمار تركيا هو الأولوية وهي رسالة ايجابية أيضاً للناخب التركي بشكل مباشر  بأنه أهم من اي مصلحة اخرى.

ثالثاً: كل التسريبات تشير الى اعداد حملة  اعادة اعمار مبنية على أفكار خارج الصندوق ،حملة ستذهل الجميع وستزيد من قناعة المواطن أن هذه الحملة لن يستطيع تنفيذها والوفاء بها سوى الرئيس أردوغان نفسه مما يعزز ثقة الناخب به وريما ولأول مرة بالنظام الرئاسي أيضاً .

رابعا:اعادة الاعمار ستكون سياسة دولة بناء على قرارات مجلس مشكل من العلماء والخبراء والمهندسين وربما المتعهدين والبلديات على حذو ماتم التعامل به مع أزمة كورونا ،كي تكون القرارات فوق اتهامات السياسة والتحزب والاصطفاف والتخندق.

خامسا: أردوغان لم يكن تنقصه الشجاعة للاعتراف بكل بساطه عن التقصير والارتباك والتأخر الذي حصل ببداية ادارة الكارثة وهذه هي طبيعته ،ولن يسامح كل من كان له تقصير أو اهمال أو فشل بعمله ، وبعض التعينات الاخيرة كانت بداية لتغييرات لاحقه . وهذا ما لم تفهمه كثير من المعارضات العربية التي ترى كل نقد للذات هو جلد للذات وتفضل دفن رءوسها بالتراب مثل النعامة كي لا ترى المصيبة حولها.

أردوعان الذي عرف كيف يحمي تركيا من الازمة الاقتصادية  العالمية بالعام 2008

واستطاع افشال الانقلاب العسكري بالعام 2016

وتجاوز أزمة كورونا بنجاح بالاعوام الماضية

وأطفاء نار الغلاء بالعام الماضي

اليوم يستعد للنهوض بتركيا وتحويل أزمة الزلزال الى فرصة لإعمار وبناء تركيا الحديثة على اسس صحيحية وعلمية

اردوغان يستعد اليوم لزلزال يزلزل السياسة التركية والمفاهيم الحزبية والانتماء للوطن على المستوى المحلي والدولي ..

فهل يكون زلزال أردوغان مفيدا نافعا ليس لتركيا فقط بل لكل المنطقة والانسانية!؟

هذا ما آمله وأتوقعه ولكن الايام القريبة القادمة هي الفصل والحكم بذلك.

بواسطة / مصطفى حامد أوغلو 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.