عراقيل ألمانية على الطريق بين أنقرة وبرلين

منذ أشهر والعلاقات بين تركيا وألمانيا تعاني من اضطرابات أدت إلى تذبذب مسارها.

ويبقى مهماً استمرار القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين البلدين اللذين تستند علاقاتهما المشتركة إلى روابط سياسية واقتصادية وثيقة، فضلاً عن مصالح مشتركة في القضايا الإقليمية.

وفي سبتمر/أيلول 2015، وعقب فتح ألمانيا أبوابها لفترة وجيزة أمام اللاجئين القادمين إليها عبر بحر إيجة، واجهت الحكومة ولا سيما المستشارة أنجيلا ميركل، انتقادات شعبية بشأن اللاجئين.

وهو ما دفع ميركل إلى القيام مراراً بزيارة تركيا التي اعتبرتها مفتاحاً في حل أزمة اللاجئين، ولاسيما السوريين.

* 8 زيارات خلال 5 شهور

وبعد انقطاع دام عامين، كثفت ميركل زياراتها إلى تركيا، حيث جاءتها خمس مرات خلال ثمانية أشهر.

وعبر اتباع سياسة براجماتية، نجحت في إيجاد أرضية لاتفاقية مع أنقرة بشأن اللاجئين، رغم كل ما تعرضت له من ضغوط داخلية، بعد أن فشل الاتحاد الأوروبي في توزيع اللاجئين على دوله.

وفي أكتوبر/ تشرين أول 2015، زارت ميركل مدينة إسطنبول التركية، وفي الشهر التالي، شاركت في قمة مجموعة العشرين بمدينة أنطاليا.

وخلال الزيارة الثالثة التي جرت في فبراير/ شباط الماضي، بحثت المسؤولة الألمانية مع المسؤولين الأتراك مسألة اللاجئين، وإمكانية إبرام اتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.

ورغم انتقادات الرأي العام الألماني لها، أبقت ميركل العلاقات وطيدة مع تركيا، وتمكنت من إبرام اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة في 18 مارس/ آذر الماضي، بشأن الهجرة وإعادة قبول اللاجئين.

وعقب توقيع الاتفاقية، كثفت وسائل الإعلام الألمانية حملتها ضد تركيا، معتبرة أن ميركل “ركعت” أمام أنقرة.

وبعدها، توترت العلاقات بين البلدين؛ جراء إساءة الكوميدي الألماني، جان بوهمرمان، للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في برنامج ساخر على قناة تلفزيونية محلية.

وهو ما دفع أنقرة إلى إرسال مذكرة دبلوماسية احتجاجية.

وبينما لاقى “بوهمرمان” دعماً من الرأي العام الألماني، انتقدت ميركل أبيات الشعر التي أساء فيها هذا الكوميدي للرئيس التركي، وسمحت للنيابة العامة بالتحقيق معه، رغم اعتراض زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الشريك في الحكومة الائتلافية.

وفي أبريل/ نيسان الماضي، زارت ميركل مخيماً للاجئين في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا.

وفي الشهر التالي، زارت تركيا مرتين، شاركت في إحداهما بالقمة الإنسانية العالمية التي احتضنتها إسطنبول، وأشادت بجهود تركيا في إيواء اللاجئين، فيما بدا محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين.

وينص أحد بنود اتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، على إلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى دول اتفاقية “شنغن” الأوروبية.

لكن الاتحاد الأوروبي تنصل من تنفيذ هذا البند، وادعى أنه قدم دعماً مالياً لتركيا لمساعدة اللاجئين على أراضيها.

وهو ما انتقده الرئيس أردوغان بقوله إن الحكومات الأوروبية لم تتصرف بود تجاه تركيا.

* مشروع قرار برلماني حول أحداث 1915

وفي 23 فبراير/ شباط الماضي، ناقش البرلمان الألماني مشروع قرار يتعلق بأحداث 1915.

وطالبت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا الرئيس المشارك لحزب الخضر، جيم أوزدمير، بسحب المشروع؛ لتفادي الإضرار باتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

لكن في 2 يونيو/ حزيران الماضي، تم إدراج مشروع القرار على جدول أعمال البرلمان البرلماني، ثم التصويت لصالحه.

وتسببت هذه الخطوة البرلمانية في تدهور العلاقات بين تركيا وألمانيا مجدداً، واستدعت أنقرة سفيرها من برلين للتشاور.

كما توقفت اللقاءات بين البلدين على مستوى مسؤولين رفيعي المستوى، ومنعت تركيا وفداً برلمانياً ألمانيا، ومستشار وزير الدفاع الألماني، من زيارة عسكريين ألمان في قاعدة “إنجيرليك” بولاية أضنة جنوبي تركيا.

* المحاولة الانقلابية الفاشلة

وعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي، عانت الجالية التركية في ألمانيا خيبة أمل؛ لعدم تضامن السياسيين الألمان مع حكومة بلادهم، وعدم تركيز وسائل الإعلام الألمانية بشكل كاف على إفشال الشعب لهذه المحاولة.

وفي 31 يوليو/ تموز الماضي، أصدرت محكمة ألمانية قراراً بمنع الرئيس أردوغان من إجراء اتصال عبر دائرة تلفزيونية مع متظاهرين في ألمانيا كانوا ينددون بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.

بينما سمحت برلين عام 2011 لـ”مراد قاريلان”، أحد قادة منظمة “بي كا كا” الإرهابية بمخاطبة أنصار للمنظمة في مدينة كولونيا الألمانية.

وعقب محاولة الانقلاب، أبدت تركيا امتعاضها لعدم اتخاذ برلين أية إجراءات ضد عناصر منظمة “فتح الله غولن” الإرهابية في ألمانيا، إضافة إلى نصب أنصار “بي كا كا” خيمة في هذا البلد الأوروبي للترويج للمنظمة الإرهابية.

فيما انتقد مسؤولون ألمان تحقيقات السلطات التركية مع مشتبه في تورطهم بالمحاولة الانقلابية.

وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، شهدت العلاقات بين البلدين تقارباً نسبياً، لاسيما حين صرحت ميركل لقناة تلفزيونية ألمانية قائلة: “إن استنكارنا للانقلاب (الفاشل في تركيا) أمر صائب ومهم، وتركيا محقة في انتظار موقفنا هذا.. فكروا ماذا لو هاجم جيشنا مبنى البرلمان الألماني؟!”.

وفي الاتجاه نفسه، قال سيغمار غابرييل، زعيم حزب الديمقراطي الاجتماعي، نائب ميركل: “كان علينا أن نذهب سريعاً إلى تركيا في يوم المحاولة الانقلابية أو في اليوم التالي”.

وبشأن القرار البرلماني الألماني باعتبار أحداث 1915 في تركيا “إبادة جماعية” بحق الأرمن، قال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير إن “هذا القرار ليس ملزما للحكومة من الناحية القانونية”.

وعقب هذا التصريح، وافقت تركيا على زيارة وفد ألماني لقاعدة “إنجيرليك” التركية، وعينت سفيرا جديداً لها في برلين، لتدخل العلاقات الثنائية مرحلة جديدة.

وفي 13 سبتمبر/ أيلول 2016، أصدرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عدداً خاصا عن تركيا، جاء غلافه “مستفزاً” ويخلق تصورا سلبيا ليس عن تركيا فقط، وإنما عن الدين الإسلامي. وهو ما أدانته أنقرة.

وفي الشهر نفسه، بعثت أنقرة مذكرة دبلوماسية إلى برلين؛ على خلفية تقارير إعلامية أفادت بمشاهدة المدعي العام التركي السابق، زكريا أوز، الفار من تركيا، والمطلوب للتحقيق معه بدعوى تشكيل “منظمة غير قانونية”.

وطالبت بتوقيف “أوز” وإعادته إلى تركيا، تنفيذا لمذكرة توقيف صادرة بحقه.

وفي 21 أكتوبر/ تشرين أول من العام نفسه، أعلنت ألمانيا أن 35 مواطنا تركيا يحلمون جوازات سفر دبلوماسية تقدموا بطلب لجوء إليها، بعد إبعادهم عن وظائفهم ضمن التحقيقات بشأن المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وتعليقاً على طلب تركيا إعادة مجرمين إليها، قال وزير العدل الألماني، هايكو ماس، مطلع الشهر الجاري: “نحتفظ بحقنا في عدم اتخاذ الإجراءات بخصوص طلبات الإعادة، وذلك لأسباب سياسية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.