نقوش “بالبال”.. شواهد قبور في سهوب قرغيزيا تحكي التاريخ التركي

تحتضن السهوب القرغيزية، آثارا مهمة تعود لمختلف حقب تاريخ الحضارة التركية وميثولوجيا شعوبها، فتجمع على ربوعها أوابد تزخر بأسرار لدول تأسست على تلك الأرض قبل ظهور الإسلام، وأخرى بعده.

تتناثر على ربوع تلك السهوب، نقوش “بالبال”، وهي عبارة عن أحجار أسطوانية متوسطة القصر، تحمل نقوشا لصور رمزية مجردة وهيئات إنسانية، كانت توضع على قبور المتوفين.

انتشر تقليد وضع أحجار “بالبال”، بشكل خاص، في عهد إمبراطورية الكوك تورك التي تأسست في منطقة آسيا الوسطى (552 – 743)، وتزامنت مع عهد النبي محمد عليه السلام (571 – 632).

وتسلط المنحوتات الحجرية تلك، الضوء على الملابس والحياة الاجتماعية والثقافية والشخصية المحاربة للأتراك في ذلك العصر، فضلًا عن أنها تعتبر ممثلًا للقيم الفنية لذلك العصر، وسبيلًا أوصل تلك القيم إلى يومنا هذا.

و بحسب الأناضول قال عبد الله قره جاغ عضو الهيئة التدريسية في كليّة الفنون الجميلة بجامعة ماناس التركية القرغيزيّة في العاصمة القرغيزية بيشكك، إن “معظم المنحوتات الحجرية الموجودة في المنطقة، تعود لحقبة أسلافنا الكوك تورك؛ وبالتحديد لفترة ما قبل ظهور الإسلام”.

وأضاف قره جاغ، أن “انتشار أحجار بالبال ليس حكرًا على الجغرافيا القرغيزية، بل على جميع المناطق التي شهدت انتشارًا للشعوب التركية قبل الإسلام، من سيبيريا إلى الصين، ومن فيافي منغوليا وسهول القبجاق والقوقاز إلى سهوب البلقان”.

ولفت إلى أن نحت الأحجار الصلبة على شكل إنسان، ونصبها على أضرحة الموتى، يندرج في إطار المعتقدات التقليدية للشعوب التركية آنذاك، والتي تؤكّد “تقديس الأجداد”.

وأوضح أن “قرغيزيا، وبلدان آسيا الوسطى التركية، من أكثر الدول التي تضم ذلك النوع من الآثار، التي تأخذ أشكال شخصيات من الذكور والإناث على حد سواء. وتتراوح ارتفاعات بعض تلك المنحوتات ما بين 50 سنتيمترا إلى ثلاثة أمتار، بعضها يحمل رموزًا وحروفًا أورخونية”.

والأبجدية الأورخونية هي أبجدية تركية محضة، تتكون من 38 حرفاً، دوّن من خلالها الأتراك تاريخهم ولغتهم وثقافتهم، منذ فجر التاريخ حتى اعتناقهم الدين الإسلامي وتبنيهم للحرف العربي النبطي في تدوينهم للغتهم بعد ذلك.

وأبرز ما دون بها “المسلات الأورخونية” التي أقيمت على ضفاف نهر “أورخون”، بمدينة “أوتوكان” عاصمة إمبراطورية الكوك تورك، التي تقع اليوم ضمن الحدود السياسية لجمهورية منغوليا.

وأشار الأكاديمي القرغيزي إلى أن ذلك النوع من المنحوتات التي تحمل بعدًا روحانيًا وتاريخيًا في الوقت نفسه، وتجذب اهتمام السياح وعلماء الآثار بالدرجة الأولى؛ تنتشر بشكل أكبر في المناطق المحيطة ببحيرة “إيسيق كول” (شمال شرق)، ومدينة “بلاساغون” التاريخية القريبة من البحيرة، شمالي قرغيزيا، محوّلة المكان لمتحف في الهواء الطلق.

ومدينة بلاساغون التي اعتبرت من أهم الحواضر الإسلامية في آسيا الوسطى (تركستان) بالعصر العباسي، كانت موطنًا للعديد من العلماء واللغويين والحكماء أمثال يوسف خاص حاجب (فيلسوف ورجل دولة تركي مسلم ومؤلف كتاب علم السعادة «قوتادغو بيليك» ولد في 1019 وتوفي عام 1085).

تم تدمير بلاساغون بشكل تام إبان الغزو المغولي عام 1137، ولم يبق منها إلى يومنا هذا سوى “برج بورانة”، الذي كان ينتصب وسط المدينة وكان يستخدم من قبل العلماء في ذلك العصر لأغراض تتعلق بعلم الفلك.

المصدر : الاناضول .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.