رئاسة النمسا للاتحاد الأوروبي .. تهديد أم فرصة ؟

بلا شك، أصبحت النمسا البلد الأكثر إثارة للجدل في الاتحاد الأوروبي، وها هي تستعد لتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد بين 1 يوليو/ تموز و31 ديسمبر/ كانون أول 2018.

بعد غياب دام 18 عاما، عاد إلى السلطة في فيينا الائتلاف الحكومي بين “حزب الشعب” المحافظ، بقيادة سيباستيان كورتس، أصغر زعيم في أوروبا، وحزب الحرية اليميني المتطرف.

يكتسب هذا الائتلاف أهمية أكبر حاليا، حيث تستعد النمسا لتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي.

وكان الائتلاف نفسه، عندما تشكل لأول مرة عام 1998، قد لاقي ردود أفعال رافضة من بلدان أوروبية أخرى ساورها القلق حيال ذلك الائتلاف.

ففي تلك الفترة، لم يتمكن رئيس الوزراء الاشتراكي الديمقراطي، فيكتور كليما، من تشكيل حكومة، ونتيجة لذلك، شكل حزب الشعب ائتلافا مع حزب الحرية

آنذاك، جمد الأعضاء الأربعة عشر في الاتحاد الأوروبي العلاقات السياسية مع النمسا، بسبب أن أحد ضلعي حكومتها الائتلافية هو حزب يميني متطرف (حزب الحرية).

تولت النمسا رئاسة الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى في 1998، وستستلمها مجددا العام الجاري.

ومع ذلك، يوجد فرق كبير بين أول مرة ترأست فيها النمسا الاتحاد والمرة المقبلة.

ففي 1998 كان الديمقراطي الاشتراكي، فيكتور كليما، رئيسا للاتحاد الأوروبي.

لكن الاتحاد سيكون هذه المرة تحت رئاسة كورتس، رئيس الحكومة النمساوية، المعروف بسياساته اليمينية المتطرفة والمناهضة للهجرة.

وفي عام 1998، أدرجت النمسا قضية الهجرة في جدول أعمال الرئاسة.

منذ ذلك الحين تضاعف عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي، لكن سياسة النمسا ظلت دون تغيير.

ورغم مرور تلك السنوات، تعيد النمسا جدول الأعمال نفسه.

ففي تسعينات القرن الماضي، كان الناس يهاجرون إلى دول الاتحاد الأوروبي بسبب الحروب في البوسنة وكوسوفو.

واليوم، يهاجر أشخاص من دول مثل سوريا وأفغانستان وقارة إفريقيا إلى الدول الأوروبية فرارا من النزاعات الدموية.

وكما هو معروف، فإن أولويات النمسا فيما يتعلق برئاسة الاتحاد الأوروبي تتضمن قضايا اللاجئين وسياسات الهجرة وحماية حدود الاتحاد الأوروبي.

وكرئيس للاتحاد الأوروبي، سيتعين على كورتس أن يقضي معظم وقته في التعامل مع شؤون الاتحاد وقيادة الاجتماعات الوزارية ومئات الجلسات حول القضايا الأوروبية.

وتوقع نائب رئيس الوزراء النمساوي، هاينز كريستيان شتراخه (من حزب الحرية اليميني)، أنه بعد 1 يوليو/ تموز، وفي ظل انشغال كورتس بقضايا الاتحاد، سيصبح (شتراخه) أكثر انخراطا بشكل مكثف في سياسات النمسا الداخلية.

وهو ما يثير مخاوف جدية بسبب وجهات نظر شتراخه المعادية للأجانب، ولاسيما المسلمين.

يجدر هنا التذكير ببعض الشعارات الانتخابية لهذا الحزب المتطرف، والتي تضمنت عبارات مثل: “يجب إيقاف الأسلمة”، “فيينا لن تكون إسطنبول”، “النمسا تعتقد أن الكثير من الأوروبيين أغبياء”، “نحن نتفهم غضبكم، إن الانتماء كثيرا للاتحاد الأوروبي، لن يجعلكم أشخاصا جيدين”.

وقد يغير شتراخه وجهات نظره المناهضة للاتحاد الأوروبي خلال هذه الفترة القصيرة مع تولي النمسا رئاسة الاتحاد.

ربما يصبح تطوراً إيجابياً أن يظهر شتراخه، الذي كان في طليعة السياسات المناهضة للاتحاد لبعض الوقت، في صورة يعكس فيها أنه لن تكون هناك مشاكل مع الاتحاد.

لكن مثل هذا التغيير الجذري للسياسة سيعني مغامرة في السياسة الداخلية.

ففي النمسا، حيث يزداد الضغط على المهاجرين والمسلمين، يمكن أن يؤدي استخدام هذه الفئات كأداة سياسية إلى إشعال نقاش ساخن في البلاد.

وفي حين أن رئاسة كورتس للاتحاد الأوروبي تنطوي على مخاطر بالنسبة للسياسات الداخلية في النمسا، إلا أنه يمكن توقع حدوث مفاجآت داخل الاتحاد أيضًا.

ويشتهر كورتس بمواقفه المعادية لتركيا والمناهضة للمهاجرين والمسلمين، وقد يؤدي ذلك إلى الإضرار بروح الاتحاد الأوروبي وقيمه التقليدية.

مع مرور الوقت ستظهر عواقب وجود زعيم اليمين المتطرف في رئاسة الاتحاد الأوروبي.. رئيس أغلق طريق البلقان أمام المهاجرين.

لكن من وجهة نظر سياسية، قد تؤدي رئاسة النمسا للاتحاد إلى تحقيق نتائج “جيدة”، فبعض الحكومات التي لم تتمكن من التركيز على السياسة الداخلية خلال فترة رئاستها للاتحاد، فقدت قاعدتها الشعبية في الداخل، ولم تتمكن بعدها من الوصول إلى السلطة مجددا.

وأفضل أمثلة على ذلك هي فنلندا وإيطاليا وفرنسا واليونان.

في هذه البلدان، اضطرت الأحزاب الحاكمة إلى مغادرة الحكومة بعد فترة وجيزة من رئاستها للاتحاد الأوروبي.

يضاف إلى ذلك أن التحالف بين حزبي الشعب والحرية في النمسا يواجه جدلا في الأساس بسبب مواقفه من اليهود والمسلمين والمهاجرين.

وتعرضت الحكومة لفضائح في أول 180 يوما لها في الحكم، وتعد قضايا المسلمين والمهاجرين من موضوعات النقاش الساخن، إذ تتفوق في إلحاحها على قضايا مثل البطالة والاقتصاد والتضخم والاستقرار.

كما أن الخطاب المعادي لليهود، لاسيما من جانب أعضاء داخل حزب الحرية، يعد سببا للقلق بين اليهود.

علاوة على ذلك، انتقد أوسكار دويتش، رئيس الجالية الإسرائيلية في النمسا، الائتلاف الحاكم، قائلا “إن 14 حدثا معاديا لليهود وقعت خلال الأسابيع الثمانية الأولى من حكم الائتلاف”.

عندما تم تشكيل الائتلاف لأول مرة، سحبت إسرائيل سفيرها من فيينا، لإظهار احتجاجها ضد الحكومة اليمينية المتطرفة.

ويبدو أن حزب الحرية لا يمكن أن يتخلص من مواقفه المعادية لليهود المنبثقة من ماضيه، وستستمر هذه المشاعر داخل الحزب.

كما استهدفت الحكومة النمساوية الحالية المجتمعات الإسلامية.

وحظرت الدروس الإسلامية في رياض الأطفال في جميع أنحاء النمسا، التي تم الاعتراف فيها بالإسلام دينا رسميا منذ عام 1912.

وتجري الآن مناقشة قانون لحظر ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة.

وتم إغلاق سبعة مساجد وتنوي الحكومة ترحيل أئمتها.

ويرى كارل نيمار، المسؤول البارز بحزب الشعب، أنه يجب حظر الصيام في المدارس.

وتعرض مسلمون في النمسا لـ56 اعتداء في عام 2015، و256 عام 2016، و309 عام 2017.

وبشكل عام، وفي أجزاء مختلفة من العالم، تتعرض الحكومات الديمقراطية لخطر الحركات الشعوبية.

وأصبحت مثل هذه الحركات تهيمن على المشهد السياسي في دول بالاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا والمجر واليونان وهولندا.

وكانت النمسا واحدة من أوائل دول الاتحاد التي تولدت فيها الحركات اليمينية المتطرفة.

ومع ترؤس النمسا الاتحاد الأوروبي، مطلع الشهر المقبل، يبدو أن أيديولوجيتها اليمينية المتطرفة القوية في الماضي لن تتناغم مع قيم الاتحاد، مثل احترام كرامة الإنسان وحقوقه والحرية والديمقراطية والمساواة وسيادة القانون، وربما يزيد ذلك من صعوبة الأمور بالنسبة للمهاجرين والمسلمين.

 

 

.

محمد علي أوكار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.