تركيا دخلت معركة حياة أو موت.. ولن يبقى الجنود الأمريكان في منبج بعدما أشهروا أسلحتهم بوجهنا

لا أعلم ما مدى إدراكنا لما يحدث، فتركيا دخلت معركة حياة أو موت، معركة من أجل المستقبل، تسعى لتنمو وتقوى أكثر رغم أنف أصحاب خطط التقزيم، تقاتل تحديا لمن يأمروننا بالركوع.

تخوض تركيا “معركة شرسة” للتصدي لأكبر تهديد يحدق بها منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتعيش حالة من تصفية الحسابات الشديدة والشرسة بقدر “حرب الاستقلال”، وتستعد لمقاومة إحدى موجات الصدمة القليلة التي واجهها الأناضول منذ الحروب الصليبية.

حان وقت الاتحاد تحت مظلة “محور تركيا”!

في هذه المرحلة، أكثر مراحل التاريخ ضعفا لأنها تشهد انسياق العالم بأسره – وليس الشرق الأوسط فحسب – خلف تصفية حسابات كبرى؛ لا يملك أحد خيارا آخر للدعم وتحديد الصف والطرف الذي يدعمه باستثناء “محور تركيا”، ومن يتحرك باسم الولايات المتحدة وأوروبا وتنظيمات إرهابية مثل بي يي دي وغولن ليروج لأفكارهم خلسة، فلن يكون له مكان في تاريخ هذا البلد ولا مستقبله.

لن يعتبر هؤلاء أبدا أبناء تركيا أو مواطنيها، بل سنعتبرهم تهديدا ومحتلا داخليا وعميل للقوى الخارجية لتنفيذ عمليات داخلية. وعلينا جميعا الحذر والحيطة في مواجهة كل عملاء بي يي دي ومؤيدي الولايات المتحدة السريين والمروجين للسياسات الأوروبية ومحاولاتهم لإبطاء تركيا الساعية للقضاء على ممر الإرهاب على حدودها الجنوبية.

سيقرر الجميع مدى انتمائه لتركيا

لم يعد هناك ما يسمى بالاختلاف العرقي أو السياسي أو الأيدلوجي، فالجميع، بعض النظر عن انتماءاتهم السياسية، سيخضعون لاختبار حقيقي لإثبات قدر وطنيتهم وانتمائهم لتركيا. فلم يعد هناك سوى جبهتان: محور تركيا ومحور الاحتلال، وعلى كل من يعيش في هذا البلد أن يدرك هذه الحقيقة وألا يشعر بخصلة شك من انتمائه لتراب هذا الوطن.

إن التهديد القادم من سوريا والعراق ليس فقط عبارة عن تنظيمات إرهابية مثل داعش وبي كا كا، بل هو كذلك محاولة الاحتلال التي نتعرض لها، وهي جزء من مخططات سلب هذا الشعب وطنه. ولهذا فالكفاح الذي نقدمه في هذه المنطقة هو دفاع عن الوطن، كفاح من أجل حماية وحدة هذا البلد ومستقبله.

إيانا أن تلين قلوبنا بوعودهم البراقة!

إن من يهاجموننا من خلال التنظيمات الإرهابية هو الولايات المتحدة والقوى التي نقاومها منذ مئات السنين وعلى طول تاريخ الدلة العثمانية. ولهذا فعلينا ألا نركز فقط على داعش وبي كا كا/بي يي دي وننسى من يقف خلفهم.

علينا ألا تنخدع عقولنا بكلماتهم وألا ترق قلوبنا بالوعود البراقة التي يطلقها من يزورون أنقرة بكثرة هذه الأيام. كما ينبغي لنا ألا تضل أذهاننا بالكلمات التي يطلقها من يتظاهرون بالمعرفة في الداخل وعناصر الاحتلال و”أحصنة طروادة”.

إننا صامدون فوق هذه الأرض، في الأناضول ومحيطها، منذ مئات السنين بهذه العقلية والموقف الكبيرين ونظرتنا للمنطقة والعالم، كما واجهنا الصدمات الشديدة التي كانت تختبرنا في مرحلة معينة من مراحل التاريخ. فهذه المنطقة قد شهدت أشرس مراحل تصفية الحسابات في تاريخ البشرية.

ثمة عقلية عظمى تغذيها هذه الأرض!

لقد شهد تراب هذه الأرض موجات انهيار وصعود كبرى، كما عاشت أقسى نتائج أكثر مراحل التاريخ العالمي ضعفا. والآن نعيش مرحلة تغير ذلك التاريخ؛ إذ يعاد رسم خريطة القوى. ونحن هذه المرة كذلك متمركزون في هذه المنطقة، ليقع على عاتقنا مجددا أثل حملا من أحمال هذا الصراع.

لا توجد علاقة بين هذه الحقائق وبين السياسة الداخلية والتكتلات السياسية في الداخل واختلافات الهويّات القائمة على المحاور العرقية والمذهبية، كما أن كل من يروّج لهذه الأشياء على أنها جوانب ضعف لمنطقة الشرقة الأوسط كاذبون. لأن هذه الحقائق هي حقائق عشناها أيام الحملات الصليبية والحرب العالمية الأولى، كما أن حجج تلك الحقائق هي ذاتها لم تتغير.

تعزيز هذا الوعي المشترك والمحور الوطني..

لقد أخذ الغرب ثأره من الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بعد غل دام لقرون، وها هو اليوم يغير علينا من جديد بالغضب ذاته في وقت تستعد تركيا الشابة للوقوف على قدميها من جديد وتستيقظ من سباتها. ولن نصل إلى أي نتيجة حقيقية دون أن نقيّم ما يحدث اليوم من خلال الجغرافيا والتاريخ والتغيرات التي تشهدها خريطة العالمية والمسيرة التي تقودها تركيا.

إننا لا نتحدث هنا عن بطولة أو تشاؤم أو قلة حيلة أو حتى فرح مبالغ فيه، بل نحاول تعريق اليوم وتوقع المستقبل وحساب ما سيظهر أمامنا ونحن نسير على الطريق، وندعو الجميع لاتخاذ الحيطة والاستعداد. نسعى لتعزيز وعي ومحور وطني مشترك وإضافة قوة إلى قوة هذا البلد.

لقد أفشلنا وسنفشل هذه اللعبة الكبرى!

ثمة هدف وحيد تحمله جميع الوفود القادمة من الولايات المتحدة عقب بدء عملية غصن الزيتون في عفرين، ألا وهو إيقاف تركيا وتقييد العملية والحيلولة دون توسيعا نحو منبج وشرق الفرات. ذلك أنهم ينفذون المشروع ذاته منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، فكل شيء فعلوه في سوريا الوعراق وكل شيء يوجهونه نحو تركيا بشكل سياسي يعتبر جزءا من هذه الاستراتيجية الرامية لتقسيم الدول الأربع المتجاورة.

لقد أفسدت تركيا هذه اللعبة الكبرى للمرى الأولى من خلال عملية “درع الفرات”، وتتابع الآن إفسادها من خلال عملية عفرين. لقد أغلقت أبواب البحر المتوسط أمام تلك الخريطة الاحتلالية، ليجد الجنود الأمريكان أنفسهم مع إرهابيي بي كا كا وداعش بين شقي رحى تركيا وإيران وسوريا والعراق.

ويجب على كل من حكومات سوريا والعراق وطهران، في هذا الوقت بالتحديد، أن يتصرفوا بعقلانية وألا يعرقلوا تقدم تركيا، لأنهم لو فعلوا ذلك سيضرون بأنفسهم بقدر إضرارهم بتركيا، ولن يستطيعوا أن يستجمعوا قواهم مستقبلا.

واشنطن فقدت كل فرص النجاح في ذلك الممر!

إن ما نطلق عليه اسم ممر الإرهاب ما هو إلا خريطة احتلال أجنبي، وهي مخطط صريح لتقسم تركيا. ولقد صارت الوحدات العسكرية الأمريكية إرهابيي المنطقة؛ إذ إنهم يهاجمون أحد حلفائهم في حلف الناتو. فالصور الذي التقطوها في منبج على الحدود التركية هي بمثابة هجوم على هذا البلد. يقولون لنا “لو هاجمتم بي كا كا سنهاجمكم!”. ولن تنسى تركيا أبدا هذه الصور المليئة بالحقد والرغبة في الانتقام.

لم تسقط أي دولة حتى ذلك اليوم في موقف مضحك بأيدي التنظيمات الإرهابية مثلما حدث للولايات المتحدة التي فقد كل فرص النجاح في ذلك الممر بعدما لم يعد لها “صديق” في المنطقة سوى بي كا كا وداعش. ولن تستطيع الموصد ليس فقط في عفرين ومنبج، بل وكذلك شرقي الفرات.

إن القضية هي عزيمة تركيا وتصميمها، ومن الخطير أن يحاول البعض من الخارج وآخرون من الداخل للإضرار بهذه العزيمة؛ إذ لو نجحوا في ذلك لن تقوى تركيا بهذا القدر مرة ثانية على الدفاع عن نفسها.

لقد خرقنا ذلك “الحصار” لتتوالى خسائرهم

لقد شهدت تركيا للمرة الأولى تحرك عقل دولة قوي، عقل أدرك حجم التهديدات والإمكانيات واطلع على المستقبل ما يجب القيام به، وبناء على ذلك اتخذ موقفه الراهن، كما حصل بشكل عجيب على دعم الرأي العام. ولهذا فهو عازم على السير في الطريق للنهاية، ذلك أنه لم يعد أمامنا خيار آخر، ولا يحق لأحد أن يضيع هذه المسيرة الكبرى بالجلوس على طاولات التفاوض لتبادل هراء الدبلوماسية.

كانوا سيمزقون هذا البلد من خلال هجوم 15 يوليو 2016، وكانوا سيفصلون الجانب الأوروبي من إسطنبول وتراقيا عن الأناضول، فهذا كان مخططهم. ولو كان هذا الهجوم قد نجح لكان بي كا كا وداعش قد هاجمونا من الجنوب، كما كنا سنشهد محاولة احتلال إضافية تأتينا من الغرب.

لقد خسروا تلك الليلة، لكنهم لم يتوقفوا، بل نقلوا قواتهم العسكرية بأعداد مهولة إلى سوريا، وبدأوا استهدف تركيا من هناك. كانوا يحاصروننا، لأنهم كانوا سينفذون من الخارج ما فشلوا بتنفيذه من الداخل. كانوا سيهاجموننا من ذلك الممر، وفي الوقت ذاتها كانوا سيثيرون القلاقل في منطقة بحر إيجة.

وعندما أطلقنا عملية درع الفرات مباشرة عقب هجوم 15 يوليو، تعرضوا للهزيمة للمرة الثانية، لكنهم لم يتوقفوا كذلك. واليوم تعتبر عملية غصن الزيتون الخسارة الثالثة بالنسبة لهم. لكننا نعلم أنهمم لن يستسلموا، والدليل على ذلك العروض التي نفذها الجنود الأمريكيون على الحدود استهدافا لتركيا. بيد أنهم سيتعرضون للخسارة مجددا..

سنتقاتل في منطقة إيجة لأننا قادرون على ذلك..

انتبهوا إلى التصريح الذي أدلى به أمس الفريق أول خلوصي أكار رئيس أركان الجيش التركي حينما قال في إشارة إلى التهديد القادم من منطقة بحر إيجة “قادرون على القتال على جبهتين منفصلتين”. فماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أننا نتعرض للتهديد من الجنوب والغرب، وأن القوى نفسها تهدد تركيا من هاتين الجبهتين.

وهو ما يكشف عن حقيقة يجب ينبغي لتركيا التركيز على “المقاومة الشرسة”، ويعني ضرورة الاستعداد للدفاع ككيان واحد. وهو تعبير أن الوقت قد حان للتعبئة العامة في مجال الدفاع وأن تركيا تخوض أحدث نموذج من نماذج حرب الاستقلال الكبرى. وهو ما يعني – بالتالي – أن الوقت قد حان ليدعم الجميع الموقف الذي يتخذه وينتبه في مواجهة منفذي “العمليات الداخلية”.

لن يصمد هناك الجنود الأمريكان الذين أشهروا أسلحتهم في وجوهنا

توجد دول من ناحية الغرب يسيل لعابها، وهناك من يريد الانتقام لما حدث يوم 15 يوليو. لكن كما أفشل هذا الشعب العظيم تلك الليلة مخططاتهم الدولية، فإنه سيفعل الشيء ذاته في شمال سوريا، ولن يرضى بالقبوع في عفرين، بل لن تستطيع الموانع الأمريكية إيقافه في منبج كذلك.

سجلوا ما أقوله لأنكم سترونه يتحقق: لن يستطيع أي جندي أمريكي من الذين يشهرون أسلحتهم اليوم في وجه جميع أبناء الشعب التركي من حدودنا الجنوبية أن يمكث مزيدا من الوقت في سوريا، بل سينسحب هاربا. وسترون أن الذين يهددوننا من ناحية إيجة لن يلبثوا أن يتقاتلون فيما بينهم.

هذا قدرنا

لقد حان وقت استجماع القوى والتضامن بشكل استثنائي في الداخل والخارج. يجب على كل فرد فعله ما يقع على عاتقه، بل عليه فعل هذا، ذلك أن عبء التاريخ الثقيل، عبء هذه المنطقة الكبير، حُمّل على عاتق هذا الشعب مرة أخرى. لأن القوة المغيرة للتاريخ كامنة في هذا الشعب، وهذا هو قدره.

إن تركيا تسير في الطريق الصحيح، وما علينا فعله هو تعزيز خطواتنا وتسريعها. لم يعد هناك خيار للتراجع، كما لن تستطيع أي قوة إثناء تركيا عن السير في هذا الطريق. فهذا مخاض حقبة الصعود الكبرى، وشعبنا وجيناتنا السياسية ألفوا هذا الأمر منذ عصور مضت.

يني شفق + ابراهيم كراجول

تعليق 1
  1. احمد يقول

    يا استاذ,
    الغالبية العظمى من المسلمين, تدعوا لتركيا بالثبات, وتسأل الله ان يحفظ تركيا, نسأل الله ان يحفظ تركيا من كل مكروه, ولو قدر لمعظمنا الدفاع عن تركيا لما ترددنا, لكن جواز السفر واننا عرب ونحمل جوازات سفر عربية, فهذا ما يمنعنا. لم ولن ننسى موقف السلطان عبد الحميد ولا تاريخ الدولة العثمانية الكبير في الحفاظ على المقدسات وحفظ الدين والدفاع عن الاسلام والمسلمين. حفظ الله تركيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.