“غصن الزيتون” تعلن إفلاس السياسة الأمريكية الداعمة لـ “ب ي د” الارهابي

على خطى سيطرة قوات “فييت كونغ” على مدينة سايغون في فيتنام عام 1975، وهدم جدار برلين في 1989، رشح محللون عملية “غصن الزيتون” التركية لأن تصبح واحدة من نقاط التحول التاريخية، معلنة بذلك إفلاس السياسة الأمريكية الداعمة لـ “ب ي د”.

** “غصن الزيتون”.. الصفعة القاتلة

بعد وقت وجيز من تولي جورج بوش مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، اتخذ الجيش الأمريكي من الهجمات التي استهدفت البلاد عام 2001 من قبل تنظيم “القاعدة”، ذريعة لغزو العراق وأفغانستان تحت مسمى مكافحة الإرهاب.

وساهم ظهور تنظيمات غامضة على غرار “داعش”، في تعزيز حماس أتباع بوش بخصوص حملة “هرمجدون”، إلا أن نتائج هذه الحملة أفضت إلى باب غير متوقع، حيث يبدو أن عنوان تصفية الحسابات سيكون في منطقة عفرين البالغة مساحتها 3 آلاف و900 كيلو متر مربع، عوضا عن فلسطين وكوريا الشمالية، كما كان مخططا لها.

وتعني “حرب هرمجدون” بحسب المفهوم التوراتي، المعركة الفاصلة بين الخير والشر، أو بين الله والشيطان، وتكون على إثرها نهاية العالم.

فالعملية التركية بعفرين، التي جاءت عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، انتشرت في سطح أوسع، حيث تعتبر مرشحة لتصبح واحدة من نقاط التحول التاريخية، مثل سيطرة قوات “فييت كونغ” على “سايغون” في فيتنام عام 1975، وهدم جدار برلين عام 1989.

استشراف يستند إلى حقيقة أن العملية التركية ستوجه ضربة قاضية لمشروع إقامة دويلة كردية مستقلة شمالي سوريا، وذلك عقب تلقي المشروع نفسه صفعة سابقة من خلال عملية درع الفرات عام 2016.

صفعة ستجبر واشنطن على رفع الراية البيضاء في مشروعها الداعم للمجموعات الكردية في إيران وشمالي العراق.

وبالنظر إلى الحيثيات العامة المحيطة بـ “غصن الزيتون”، نجد أنها تلقى دعما غير مسبوق من المجتمع الدولي، من حيث الشرعية، إذ تستهدف تركيا من خلالها كافة التنظيمات الإرهابية مثل “ب ي د / ي ب ك”، و”داعش”، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

ففي هذا الإطار، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ناتو” ينس ستولتنبرغ إلى جانب دول كثيرة بالحلف، حق تركيا المشروع في تأمين سلامة حدودها مع تركيا، في حين حذرت وزارة الدفاع الأمريكية عناصر “ب ي د / بي كا كا” في منطقة شرقي الفرات من التوجه إلى عفرين.

أما روسيا، فقد فتحت المجال الجوي بمنطقة عفرين أمام المقاتلات التركية، كما أكد وزير خارجيتها سيرجي لافروف بشكل صريح، مشروعية عملية غصن الزيتون، مضيفا أن الاستفزازات الأمريكية ودعمها بالسلاح النوعي للمليشيات الإرهابية، جعلت العملية العسكرية التركية أمرا لا مفر منه.

وبالنسبة إلى الوزير الروسي، فإن “الإدارة الأمريكية إما لا تفهم طبيعة المنطقة، أو تقوم بالتحريض فيها بشكل مقصود”، لافتا إلى أن “واشنطن تحرض أكراد المنطقة ضد بعضهم بعضا أيضا”.

** تناقض أمريكي لافت

وفي الوقت الذي تتفق فيه دول “ناتو” مع تركيا حول تصنيف “بي كا كا / ب ي د” تنظيما إرهابيا، يشوب الموقف الأمريكي بهذا الشأن تناقض صارخ، من خلال التصريحات المتباينة الصادرة عن البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع “بنتاغون”.

وبعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الدور سيأتي بعد عفرين على كل من منبج وباقي مناطق سيطرة “ب ي د”، أجرى قائد القوات الأمريكية المركزية الجنرال جوزيف فوتيل زيارة إلى الرقة في اليوم الثالث من عملية “غصن الزيتون”، وبعث من هناك رسائل بخصوص إعادة إعمار المدينة.

وفي اليوم التالي، عقد لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بالعاصمة الفرنسية باريس، صرح خلاله الأول أن ترامب سيجري اتصالا بنظيره أردوغان، وذلك رغم أن الرئيس التركي رفض بشكل صريح إجراء الاتصال بنظيره الأمريكي في بداية عملية عفرين.

فهل ستكفي الخطوة الأمريكية لإصلاح العلاقة بين أنقرة وواشنطن؟

الجواب عن هذا السؤال قد يكمن في سؤال وجهه أردوغان في اليوم الثالث من العملية، حين قال “إن واشنطن تطالب بتحديد فترة زمنية لعملية عفرين، ويجب ألا تكون طويلة، هل كانت مدة عملية الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق محددة؟ كيف تطالبون بمثل هذا الشيء في الوقت الذي ما زلتم فيه بالعراق؟ عندما ننتهي من العملية سنعود بكل تأكيد، فليست لدينا نية للبقاء في عفرين، ولا نحتاج في هذا الشأن إلى تلقي الإملاءات من أحد”.

سؤال يعجز ترامب الذي يحتفل هذه الفترة بذكرى عامه الأول في البيت الأبيض، عن الإجابة عنه، أو تقديم إجابة مقنعة على الأقل بهذا الشأن.

غير أن المؤكد هو أن السؤال نفسه سيطرح من جديد لدى توجه تركيا نحو منبج عقب تطهير عفرين، فمن سيجيب عنه حينها؟ وزارة الدفاع الأمريكية، أم الخارجية، أم وكالة الاستخبارات المركزية، أم البيت الأبيض؟

** مناورات أمريكية مكشوفة

من الواضح أن عملية تركيا في منبج وشرق الفرات لن تقابل تطلعات الإدارة الأمريكية، فهل ستصبح واشنطن حينها قادرة على الوقوف في وجه العملية؟ مع العلم أن كافة حلفائها في “ناتو” يؤكدون أن “ب ي د / ي ب ك”، و”بي كا كا” تشكلت من النواة الإرهابية نفسها، ما يجعل اللعبة الأمريكية بخصوص تغيير تسميات التنظيم مفضوحة للجميع.

لكن هل سيكون بإمكان أمريكا فعل شيء في حال نفذت روسيا عملية عسكرية ضد المليشيات الإرهابية، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي السورية؟

ومن جهة أخرى، ما مدى الدعم الذي سيقدمه المجتمع الدولي في حال إقامة دويلة مستقلة شمالي سوريا بشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية؟

من المؤكد أن الرياح، في أكثر من عام، هبت عكس ما تشتهيه مليشيات “ب ي د / بي كا كا”.

ويعتبر إفشال محاولة الانقلاب في تركيا منتصف يوليو / تموز الماضي، وعملية درع الفرات، وتحقيق تركيا انتصارات كبيرة ضد “بي كا كا” على أراضيها، فضلا عن الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية من خلال الوقوف في وجه استفتاء الانفصال في إقليم شمال العراق، من أهم التطورات خلال هذه الفترة.

أما “غصن الزيتون” فستكون واحدة من حلقات القضاء على محاولات الولايات المتحدة إقامة دويلة كردية مستقلة شمالي سوريا، ما لن يترك أمام واشنطن حلا سوى التخلي عن دعمها للتنظيمات الإرهابية بهدف حماية أمن إسرائيل منذ 60 عاما.

فاستمرار الوضع الحالي يعني المزيد من الخسائر الاستراتيجية للولايات المتحدة، وذلك بدرجة أكبر من خسائر عواصم المنطقة التي اكتسبت مناعة ضد الأزمات والصراعات، بفضل ما شهدته في الفترة اللاحقة لحرب الخليج الأولى عام 1991.

توقعات تستند إلى إحداثيات الوضع، وتأتي في ضوء تصريح أردوغان مؤخرا بأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أخلف وعده مع تركيا بخصوص عملية في منبج عام 2016.

وأكد أردوغان في هذا السياق، أن بلاده لن تقع في الخطأ نفسه مرتين، في مرحلة ما بعد عفرين، وهو ما ردت عليه الخارجية الأمريكية بتهدئة تركيا، مقترحة إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلو مترا على طول الحدود السورية الشمالية.

وفي ظل التطورات الأخيرة بين البلدين، يبدو أن أنقرة لن توافق على المقترح الأمريكي في الوقت الحالي، لكن تصريح تيلرسون الأخير بخصوص أن بلاده لا ترغب في خوض مواجهة مع تركيا، قد يعتبر بداية لحوار جديد بين البلدين.

خلاصة تضع مصداقية واشنطن على المحك، وهو ما ستكشفه حتما التطورات اللاحقة على الأرض.

 

الاناضول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.