هكذا برزت تركيا على الساحة الدولية خلال 2019

كان العام 2019، حافلا بالأحداث الساخنة في السياسة الخارجية التركية، لعل أبرزها عملية “نبع السلام” في سوريا، التي أدت إلى تباين في العلاقات التركية مع روسيا والولايات المتحدة، إلى جانب الاتفاقيات الأخيرة مع ليبيا.

وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، توترا حادا بسبب المنظومة الدفاعية الروسية “أس400″، وأزمة استلام طائرات “أف35”.

ورصدت وسائل الاعلام المحلية، أهم ثلاثة خطوات لتركيا عام 2019 على الصعيد الدولي، كان لها الأثر في علاقاتها الخارجية.


استلام المنظومة “أس400” الروسية

وفي منتصف تموز/ يوليو الماضي، بدأت تركيا بتسلم الدفعة الأولى من بطاريات منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس400″، وواصلت شحنها حتى 25 تموز/ يوليو الماضي، إلى قاعدة مرتد الجوية في أنقرة.

وبدأت تركيا، استلام الدفعة الثانية من معدات البطاريات في 27 آب/ أغسطس، وانتهت في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، فيما أجرت اختباراتها للمنظومة الروسية على الرغم من التحذيرات الأمريكية من تفعيلها.

ومن المتوقع كما أعلنت تركيا، أن تقوم بتفعيل المنظومة الصاروخية في نيسان/ أبريل 2020، فيما أشارت وسائل إعلامية تركية، إلى أن أنقرة تعكف على شراء دفعة ثانية من المنظومة الروسية نهاية عام 2020، على أن يتم تفعيلها في عام 2021.

وبسبب المنظومة الروسية، احتدم الخلاف بين أنقرة وواشنطن التي قررت استبعاد تركيا من برنامج المقاتلة الأمريكية “أف35″، وأحجبت عن تسليم أنقرة عدد من تلك الطائرات.

وأكدت واشنطن أنه لا يمكن لطائرات “أف35″، أن توجد في المكان ذاته مع منصة روسية “لجمع المعلومات الاستخباراتية”، وعلى الرغم من تشكيل الجانبين لجنة مشتركة لتجاوز الأزمة بينهما بسبب “أس400” و”أف35″، إلا أن المشكلة ما زالت تراوح مكانها، وسط توقعات باحتدامها أكثر مع تفعيل المنظومة الروسية الربيع المقبل.

عملية “نبع السلام”

وأطلقت تركيا عملية “نبع السلام” في 9 تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، ضد الوحدات الكردية المسلحة وتنظيم الدولة، وبهدف إنشاء المنطقة الآمنة للاجئين، التي عرضت خططها في الأمم المتحدة.

وسيطرت “نبع السلام” على مدينتي تل أبيض، ورأس العين، بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري”.

وقبيل بدء العملية، كانت أنقرة وواشنطن قد اتفقتا على تسيير دوريات مشتركة في المنطقة، ولكن تركيا أكدت أن الولايات المتحدة لم تف بوعودها بشأن الوحدات الكردية المسلحة، فقررت البدء بالعملية.

وقبل العملية بساعات، سحبت الولايات المتحدة نقاطها المتواجدة في المنطقة، حيث أخلت 11 نقطة مراقبة، وكثفت من وجودها حول حقول النفط في الشمال السوري.

وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، علق الجيش التركي العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الوحدات الكردية من المنطقة، أعقبه تفاهم مماثل مع موسكو.

وتوصل أردوغان وبوتين، في 22 تشرين الثاني/ أكتوبر، إلى اتفاق بخصوص المنطقة، خلال اجتماع في مدينة سوتشي الروسية، مضمونه أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بإخراج عناصر الوحدات الكردية المسلحة وأسلحتهم حتى مسافة 30 كم من الحدود التركية.

وتضمن الاتفاق أن يتم إخراج جميع عناصر الوحدات الكردية و”قسد” مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب، وأن يجري الجيشين التركي والروسي دوريات مشتركة بعمق 10 كم بشرق وغرب منطقة عملية “نبع السلام”.

ولكن أنقرة أكدت في أكثر من مناسبة على أن الوحدات الكردية المسلحة ما زالت نشطة في غربي وشرقي مناطق “نبع السلام”.

مذكرتا التفاهم مع ليبيا

وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فايز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.

وصدّق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، في 5 كانون الأول/ ديسمبر، فيما نشرت الجريدة الرسمية التركية، المذكرة في عددها الصادر يوم 7 من الشهر ذاته.

وأثارت الخطوة استهجان كل من اليونان وقبرص الجنوبية، بدعوى تجاهلها للأطراف الإقليمية الأخرى، فيما أكد الجانبان، التركي والليبي، أنها تأتي في إطار القانون الدولي وحقوقهما الطبيعية بحماية حدودهما ومصالحهما.

وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر، صادق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون الأمني والعسكري بين تركيا وليبيا.

وينص الاتفاق بين البلدين على “التزامهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والأخذ بنظر الاعتبار أحكام مذكرة التفاهم في مجال التدريب العسكري الموقع بين البلدين في 2012، وكذلك التعاون في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية على أساس الاحترام المتبادل للسيادة والمساواة وبما يساهم في خدمة المصالح المشتركة والقدرة الاقتصادية للطرفين”.

وتشمل المذكرة “دعم إنشاء قوة الاستجابة السريعة التي من ضمن مسؤوليات الأمن والجيش في ليبيا، لنقل الخبرات والدعم التدريبي، والاستشاري والتخطيطي والمعدات من الجانب التركي. عند الطلب يتم إنشاء مكتب مشترك في ليبيا للتعاون في مجالات الأمن والدفاع بعدد كاف من الخبراء والموظفين”.

وهيأت المذكرة، لأنقرة إرسال قوات تركية إلى ليبيا مستقبلا، حيث أعلن رئيس البرلمان التركي، أن “مذكرة التفويض” لإرسال القوات وصلت إلى البرلمان الاثنين، على أن يتم عرضها على أعضاء البرلمان الخميس المقبل للمصادقة عليها.

التباين مع واشنطن وموسكو

وأظهرت الخطوات التركية الثلاث، تباينا واضحا مع الولايات المتحدة وروسيا، في الملفين السوري والليبي.

وقال الكاتب برش دوستر، إن روسيا وتركيا يظهران تعاونا في سوريا، على الرغم من الاختلافات الكبيرة في المواقف بينهما.

وأشار في مقال له على صحيفة “جمهورييت”، إلى أن الحال ذاته بدأ يظهر في ليبيا، مع دعم موسكو خليفة حفتر.

وتوقع الكاتب، أن يطرأ خلاف جديد بين البلدين حول “قناة إسطنبول” واتفاقية “مونترو” في الفترة المقبلة.

ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، فهناك تعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والاقتصاد، مشيرا إلى أن ملف “أس400” بين البلدين، تسببت في توتر كبير مع الولايات المتحدة التي “قررت اتخاذ التدابير اللازمة أمام زيادة النفوذ الروسي في تركيا”.

وأضاف أن روسيا والولايات المتحدة، يعارضات التدخل التركي في سوريا، كما أنها كما واشنطن تقوم بتوجيه الوحدات الكردية المسلحة.

وشدد على أن تكون تركيا حذره في علاقتها مع “الدب”الروسي، الذي يجيد لعب الشطرنج جيدا.

بدوره، قال الكاتب التركي، سيدات أرغين، إن تركيا اتخذت ثلاث خطوات خلال عام 2019، أثر على علاقتها مع العالم الخارجي.

وأشار في مقال له على صحيفة “حرييت”، إلى أن الخطوة الأولى والثانية، كانتا تسلم منظومة “أس400” إلى جانب عملية “نبع السلام” شرق الفرات.

أما الخطوة الثالثة، كما يقول الكاتب، فهي التحرك نحو شرق المتوسط، وعقد اتفاق “الترسيم” مع ليبيا، ما ترتب عليها أبعاد ونتائج كبيرة.

وحول العلاقات مع الولايات المتحدة، أشار الكاتب، إلى أن التوترات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن عام 2018 كانت كبيرة جدا، وخاصة بعد تأثير العقوبات الاقتصادية على تركيا بسبب احتجازالقس برونسون.

ولفت إلى أن التوتر في العلاقات تواصلت عام 2019، لكنها كانت تختلف عن عام 2018 في حدتها، حيث أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفا سلبيا ضد تركيا، وانتهج أسلوب إيذاء الاقتصاد التركي بشكل مباشر، لكنه في عام 2019 تحول إلى تقارب بين الزعيمين التركي والأمريكي فاجأ الجميع.

في حين ترامب مرة أخرى فرضت بعض على المدى القصير “فعالة” العقوبات و التهديدات من وقت لآخر ، الصورة الرئيسة التي تظهر في التقييم العام هو أن علاقة قوية كانت بين اثنين.

وأشار إلى أنه على الرغم من فرضه عقوبات غير فعالة على تركيا مرة أخرى، وما زال يلقي تهديدات بين الحين والآخر، لكن الصورة السائدة هي أن العلاقة مع الرئيس أردوغان قوية جدا.

وأكد أن التقارب المثير للاهتمام، أعطى الضوء الأخضر لتركيا بالعملية العسكرية في سوريا، على الرغم من السلبية التي أظهرها الكونغرس الأمريكي التي هاجمت التدخل التركي في سوريا.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة أبدت موقفا سلبيا للغاية حيال منظومة “أس400″، أكثر من عملية نبع السلام،وعلى الرغم من ذلك لم تتمكن بتهديداتها من ثني تركيا عن اقتناء المنظومة الروسية.

وأضاف أن ردود أفعال الكونغرس الأمريكي بلغت ذروتها تجاه “أس400″، و”نبع السلام”، نتج عنها لإقرار العديد من المشاريع التي تستهدف تركيا، وصولا إلى اعتماد مشروع الاعتراف بإبادة الأرمن في مجلس الشيوخ، وإقرار موازنة وزارة الدفاع الأمريكية التي تهيئ لعقوبات ضد تركيا ضمن إطار “كاتسا”.

وذكر أن الأمر المثير، هو ظهور “اللوبي الكردي” في الكونغرس الأمريكي لأول مرة، مما يتوجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من تركيا.

وفي موضوع آخر، أشار الكاتب التركي، أن هناك جناحا في الكونغرس الأمريكي يظهر تعاونا واضحا مع الكتلة التي تشكلت من اليونان وقبرص اليونانية، وإسرائيل ومصر، بشأن مسألة تقاسم موارد الغاز الطبيعي في المتوسط، ما ينذر ببروز توتر جديد بين أنقرة وواشنطن في الفترة المقبلة.

وشدد على أن الرئيس الأمريكي لن يكون قادرا على كبح جماح الكونغرس الأمريكي ضد تركيا، وهو “يسير حاليا على أرض زلقة بسبب مسألة “العزل”، وقرب الانتخابات الأمريكية”.

ورأى أن مسار العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، تسير على حافة الهاوية مع دخول عام 2020، تنذر بعلاقات مضطربة تزداد توترا.

.

المصدر/ arabi21

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.