مع انتهاء الربع الأول من عام 2025، أصبح من الواضح أي السلع في الأسواق العالمية حققت أعلى مكاسب للمستثمرين. فقد سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا بنسبة 19.1%، والفضة بنسبة 18%، والنحاس بنسبة 26% خلال الربع الأول، لتبلغ مستويات قياسية، كما شهدت أسعار القهوة أيضًا ارتفاعات حادة.
وفي تعليقه على هذه التطورات، صرح خبير أسواق السلع، ظافر إرجزين، قائلاً: “إذا استمر الاتجاه الصاعد في المعادن الصناعية خلال الفترة المقبلة، فمن المتوقع أن يكون النحاس هو القائد لهذا المسار.”
وقد شهدت أسواق السلع خلال الربع الأول من العام الحالي تقلبات حادة بسبب المخاوف المتعلقة بالتعريفات الجمركية وحالة عدم اليقين التي تكتنف الاقتصاد العالمي. ففي هذه الفترة، سجلت أسعار الذهب والنحاس والقهوة ارتفاعات قوية. كما أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التعريفات الجمركية وردود الفعل الانتقامية من الدول الأخرى، أبقت المخاوف من تصاعد الحروب التجارية قائمة، في حين لعبت البيانات الاقتصادية الصادرة عن الصين — ثاني أكبر اقتصاد في العالم — دورًا مؤثرًا في حركة أسواق السلع.
وأشار محللون إلى أن ضعف الطلب المحلي في الصين يشكل أحد أبرز المخاطر التي تهدد اقتصاد البلاد، مؤكدين أن ديون الحكومات المحلية وتراجع قطاع العقارات يواصلان التأثير سلبًا على الاقتصاد الصيني. كما تراجعت صادرات الصين خلال أول شهرين من العام الحالي، متأثرة بزيادة الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية واستمرار القلق من تصاعد الحروب التجارية.
في المقابل، فإن الأخبار التي تحدثت عن نية الحكومة الصينية تشجيع البنوك على تقديم قروض استهلاكية للأفراد، واتخاذ خطوات لدعم الطلب المحلي، ساهمت في التأثير الإيجابي على اتجاهات سوق السلع.
كما أسهمت البيانات الاقتصادية الإيجابية الواردة من الصين في تعزيز أسواق السلع، مما ساعد على تهدئة المخاوف المتعلقة بضعف الطلب الناتج عن تصاعد التوترات التجارية. وبالرغم من ذلك، استمرت مخاوف الطلب العالمي في الضغط سلبًا على أسعار النفط الخام، بينما أدى قرار الصين الحد من استيراد المنتجات الزراعية الأمريكية إلى إبقاء أسعار الحبوب تحت الضغط.
وأشار محللون إلى أن تراجع العولمة وبروز السياسات الحمائية قد يؤديان إلى زيادة الضغوط التضخمية، وهو ما قد يرفع الطلب طويل الأجل على المعادن الصناعية والطاقة والمنتجات الزراعية.
كما أن الغموض المحيط بخطط الرئيس الأمريكي ترامب بشأن التعريفات الجمركية أثار مخاوف بشأن النمو الاقتصادي، وهو ما عزز الطلب على الذهب كملاذ آمن، فيما ساعدت سياسات ترامب والتوترات الجيوسياسية في دفع أسعار الفضة نحو الأعلى.
أما تصريحات الرئيس ترامب حول اعتزامه “إنقاذ” صناعة السيارات، فقد دعمت أسعار البلاديوم والبلاتين.
وبحسب هذه التطورات، فقد سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا بنسبة 19.1%، والفضة بنسبة 18%، والبلاتين بنسبة 10.2%، والبلاديوم بنسبة 8.2% خلال الربع الأول من عام 2025.
عاصفة النحاس تهب في أسواق المعادن الأساسية
أدت البيانات الاقتصادية المعلنة في الصين، والتي أشارت إلى تحسن النشاط الصناعي، إلى تأثير إيجابي على أسعار المعادن الأساسية بشكل عام. كما ساهمت التوقعات باتخاذ تدابير تحفيزية إضافية لدعم الاقتصاد، إلى جانب الخطوات المتبعة لزيادة الاحتياطات الاستراتيجية، في دفع الأسعار نحو الأعلى.
ومن بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في ارتفاع أسعار النحاس، إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال كلمته أمام الكونغرس عن احتمال فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات النحاس.
وبالنظر إلى أداء المعادن الأساسية في السوق خارج البورصة، فقد ارتفعت أسعار النحاس بنسبة 26% لكل رطل، والرصاص بنسبة 3.2%، والنيكل بنسبة 3.6%، في حين تراجعت أسعار الألمنيوم بنسبة 0.8%، والزنك بنسبة 4.5%. وسجل سعر رطل النحاس مستوى قياسيًا بلغ 5.33 دولار.
النفط ينفصل عن الاتجاه الإيجابي ويغلق الربع الأول بتراجع طفيف
أما في قطاع الطاقة، فقد أنهى خام برنت الربع الأول بانخفاض طفيف بلغت نسبته 0.2%. بينما سجل سعر الغاز الطبيعي، المتداول في بورصة نيويورك بوحدة مليون وحدة حرارية بريطانية (MMBtu)، ارتفاعًا بنسبة 13.4%.
ويعزى تراجع أسعار خام برنت إلى خطط مجموعة “أوبك+” — التي تضم منظمة الدول المصدرة للنفط وبعض المنتجين من خارجها — بزيادة الإنتاج، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالطلب نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة.
كما لعبت توقعات وكالة الطاقة الدولية بوجود فائض في المعروض العالمي بنحو 600 ألف برميل يومياً، وقرار روسيا بتعليق الهجمات على البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يومًا، دورًا بارزًا في هذا التراجع السعري.
القهوة وفول الصويا يتفوقان على الحبوب
في بورصة شيكاغو التجارية، تراجعت أسعار القمح بنسبة 2.6%، والذرة بنسبة 0.3%، والأرز بنسبة 5.2%، في حين ارتفعت أسعار فول الصويا بنسبة 0.4%.
أما في بورصة السلع الأمريكية “إنتركونتيننتال إكستشينج”، فقد سجلت أسعار القهوة ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 18.8% لكل رطل، بينما انخفضت أسعار السكر بنسبة 2%، والقطن بنسبة 2.3%. في المقابل، شهدت أسعار الكاكاو هبوطًا حادًا بنسبة 32.3% لكل طن.
وسجل سعر رطل القهوة أعلى مستوى له بوصوله إلى 4.2995 دولار. وفي ظل قرار الصين بزيادة الرسوم الجمركية على مجموعة من المنتجات الزراعية والغذائية المستوردة من الولايات المتحدة، تراجعت أسعار القمح والذرة والأرز، بينما أظهر انخفاض واردات الصين من الذرة مخاوف متزايدة بشأن الطلب.
الذهب يتفوق على الفضة كملاذ آمن
أوضح خبير أسواق السلع والعقود الآجلة، زافر إرجزين، أن أسعار الذهب شهدت اتجاهًا قويًا خلال الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذا المسار الصاعد بدأ فعليًا منذ يوليو 2024، مدفوعًا بتوقعات خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية.
وأضاف أن الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط ساهمت كذلك في دفع أسعار الذهب للارتفاع، لافتًا إلى أن انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة زاد من حالة عدم اليقين، مما عزز من جاذبية الذهب والمعادن الثمينة كملاذ آمن.
وأشار إرجزين إلى أن الفضة تستخدم بشكل أكبر في المجال الصناعي، وهو ما جعل أداءها أقل نسبيًا من الذهب في ظل التقلبات الحالية.
النحاس وتأثير الصين الواضح
أكد إرجزين أن النحاس يُعد من السلع التي تعتمد بشكل أساسي على الطلب الصيني، موضحًا أن تقدم الصين في مجال السيارات الكهربائية كان له أثر مباشر على ارتفاع الطلب على النحاس.
كما أشار إلى أن التوسع المتزايد في مشاريع الطاقة المتجددة عزز بدوره الطلب على النحاس، خاصة في ظل تقديم الحكومة الصينية لحوافز محلية لدعم قطاعات السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، مما حافظ على قوة الطلب في السوق.
وأوضح إرجزين أن التقارير الصادرة داخل الصين وخارجها أجمعت على أن الطلب على النحاس مرشح للارتفاع خلال السنوات القادمة، مما جعله واحدًا من السلع النادرة التي تتوقع الأسواق استمرار صعودها.
وختم قائلاً: “إذا استمر الاتجاه الصاعد في أسواق السلع، خاصة في قطاع المعادن الصناعية، فإن النحاس سيكون هو الرائد لهذا الارتفاع.”