عقب زيارة أردوغان.. تعليق نظرة وسائل الإعلام الفرنسية على العلاقات مع تركيا

أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حلقة جديدة إلى علاقات بلاده التاريخية مع فرنسا المستمرة منذ قرابة 500 عاما بين صعود ونزول، بفضل زيارته الأخيرة إلى باريس بتاريخ 5 يناير/ كانون الثاني الجاري.

وفي مواجهة الاختلاف العميق بوجهات النظر بين البلدين في عدد من الملفات، أظهر المؤتمر الصحفي المشترك لرئيسي البلدين، أن الزيارة حملت طابعا إيجابيا في دعم العلاقات الثنائية.

وكالة فرانس برس نشرت عقب المؤتمر الصحفي المشترك، أن “ماكرون أغلق أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه تركيا”، ولقي هذا العنوان انتشارا في الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية.

وكان من بين تلك الوسائل صحيفة لو فيغارو، التي نشرت مقالة قبل يوم من زيارة الرئيس التركي حملت عنوان “صداقة قديمة بين تركيا وفرنسا”.

ويبدو أن التطرق لسد الباب أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عناوين وسائل الإعلام الفرنسية، إنما يقابل على وجه الخصوص تطلعات الأطراف اليسارية التي تسعى للضغط على ماكرون في هذا الإطار.

معايير مزدوجة في الانتقادات الموجهة تجاه تركيا 

تتذرع معظم وسائل الإعلام الفرنسية المنادية بضرورة سد الطريق أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بأن أنقرة لم تطبق معايير كوبنهاغن السياسية خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز عام 2016.

وتعتبر تصريح ماكرون “التطورات الأخيرة في تركيا لم تسمح لها بتحقيق أي تقدم في سبيل عضوية الاتحاد الأوروبي”، بأنه إشارة إلى أن إيقاف المشتبه بتورطهم في محاولة الإنقلاب بشكل مؤقت ومحاكمتهم تحت قيد الاعتقال في ظل حالة الطوارئ، إنما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان.

وفي تحليل نشرته مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور” بناء على وجهة نظر ممثل المفوضية الأوروبية السابق في أنقرة “مارك بيريني”، اتبع الأخير نهجا قاسيا للغاية في الحكم على تركيا.

حيث ادعى بيريني أن المسؤول الوحيد عن عدم إحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد هو أردوغان، متغاضيا في ذلك عن ذكر كافة التهديدات التي تعرضت لها الديمقراطية في تركيا خلال السنوات الأخيرة وفي مقدمتها محاولة الانقلاب الفاشلة.

كما تناسى الدبلوماسي الفرنسي بيريني، كيف علقت بلاده حقوق الإنسان الأساسية الواردة في المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إثر بضعة هجمات نفذها تنظيم داعش الإرهابي منذ قرابة عامين.

وفي تسائل آخر طرحته لونوفيل أوبسرفاتور ضمن نفس التحليل، تحت عنوان “لماذا يشعر كل من أردوغان وماكرون بالحاجة لبعضهما البعض؟”، أوضحت المجلة أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد قد توقفت عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، والاستفتاء الشعبي بتاريخ 16 أبريل/ نيسان الماضي.

وبالرغم من تطرق المجلة إلى الانتقادات التي وجهها المسؤولون الأتراك إلى أوروبا، بخصوص تأخرها في إعلان موقفها من محاولة الانقلاب، وتقديمها الدعم لكل من تنظيم بي كا كا وجماعة غولن الإرهابيتين، إلا أنها لم تذكر أي كلمة حول تعارض الديمقراطية مع كل من تقديم الدعم للمشتبهين في التورط بمحاولة الانقلاب واتخاذ رد فعل بشكل مكره من محاولة الانقلاب.

وبخصوص السماح لأنصار تنظيم بي كا كا الإرهابي بإقامة مظاهرة كبيرة في شوارع باريس قبل يوم من زيارة أردوغان، لفتت المجلة إلى أن هذا الأمر أتاح الفرصة للرئيس التركي للإشارة إلى المعايير المزدوجة في فرنسا التي تصنف بي كا كا ضمن لائحة الإرهاب.

ليست علاقة عضوية إنما شراكة مع الاتحاد الأوروبي   

أشارت لونوفيل أوبسرفاتور، في تحليلها إلى أنه مع فتور العلاقات بين تركيا وأوروبا نتيجة الأسباب الواردة أعلاه، فإن أردوغان هدِف من خلال زيارته بالدرجة الأولى إلى إحياء العلاقات في المجال الاقتصادي مع أوروبا من خلال تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي.

ولا شك إن هذه النقطة صحيحة، حيث ما زالت تركيا أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، كما أن تعزيز هذه الاتفاقية بحيث تشمل أيضا اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يحمل أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا بدون ريب.

واقترح الرئيس الفرنسي ماكرون، ضرورة تناول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ضمن إطار الشراكة بدلا عن العضوية، مشيرا إلى أن المهم هو تأمين استمرار ارتباط تركيا والشعب التركي بأوروبا.

كما اعترف ماكرون، بأن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع تركيا بمعايير مزدوجة من خلال إظهار أشياء غير ممكنة لتركيا على أنها ممكنة.

هذا الاقتراح من قِبل ماكرون يبدو أنه لا يختلف شيئا عن مشروع اتفاقية “الشراكة المتميزة” بين تركيا والاتحاد، والتي دعا إليها كل من الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي والمستشارة الألمانية ميركل.

ولكنه في الوقت نفسه يُظهر تخلي الاتحاد الأوروبي بحجج عديدة عن مبدأه في “تأمين عضوية الدول التي تطبق المعايير”، إذ يمكن إدراج الانتقادات الأوروبية بخصوص “ابتعاد تركيا عن دولة القانون” ضمن هذه الذرائع.

حيث أشارت العديد من الصحف ومن بينها لوموند إلى أن الكثير من الزعماء الأوروبيين باتوا يؤمنون أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب نتيجة “الانحراف في السلطة  عقب محاولة الانقلاب” على حد تعبيرها.

والمقصود هنا وفقا للصحف بـ “الانحراف السلطوي” هو النظام الرئاسي بنتيجة الاستفتاء الشعبي العام الماضي، مع أن الكثير من وسائل الإعلام ومن بينها لوموند بدأت باستخدام هذا المصطلح خلال فترة الانتخابات الرئاسية التركية عام 2014.

تعاون سياسي بخصوص المنطقة

لفتت لونوفيل أوبسرفاتور، إلى أن هناك سببين دفعا بماكرون لاقتراح هذا النوع من الشراكة، هما مكافحة الإرهاب، وحماية الاتحاد الأوروبي من موجات المهاجرين.

ولا شك أن الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا، وتدفق اللاجئين باتجاه أوروبا، جاءت نتيجة الحرب الداخلية في سوريا، وعليه فإن المصالح القومية لفرنسا تتوافق مع مصالح تركيا بخصوص ضرورة إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وفي مقدمتها في سوريا.

كما تم التأكيد خلال المؤتمر الصحفي لأردوغان وماكرون على الأهمية الكبيرة لوحدة الأراضي السورية بالنسبة للأمن القومي التركي، لارتباط البلدين بحدود مشتركة طويلة.

وتطرقت لونوفيل أوبسرفاتور إلى هذه النقطة قائلة إن أردوغان أجرى الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات بين أنقرة وواشنطن توترا على خلفية رفض الثانية إعادة “غولن” وتسليحها لقوات “ب ي د” وقضية المصرفي التركي الذي يُحاكم في الولايات المتحدة “هاكان أتيلا”.

وأضافت أن سعي الرئيس التركي لتحسين العلاقات مع بروكسل هو نتيجة طبيعية لتوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لافتة إلى أن الطريق إلى بروكسل يمر من قصر الإليزيه.

كما أشارت المجلة إلى أن تعزيز التعاون العسكري بين تركيا الاتحاد الأوروبيوفرنسا على وجه الخصوص ليس من شأنه إحياء مفاوضات العضوية مع الاتحاد، لكنه سيساهم في تصالح الطرفين.

 

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.