ماذا سيفعل الـ “ناتو” إذا تواجه الجيشان التركي و الأمريكي في منبج

في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة المعارك على مناطق النفوذ في شمال سوريا، تشهد الساحة السياسية ارتفاعاً ملحوظاً في مستويات التوتر بين الدول الفاعلة على الساحة السورية.

آخر التطورات جاء تركياً – أميركياً، إذ هددت أنقرة بتوسيع عمليتها العسكرية ضد المجموعات الكردية المسلحة، بحيث تصل إلى مدينة منبج، التي تسيطر عليها قوات أميركية أكدت بدورها عدم نيتها الانسحاب، ما دفع نائب رئيس الوزراء التركي العسكريين الأميركيين من احتمال استهدافهم إذا قاتلوا بـ “بزات الأعداء”.

أما المحور الآخر، فجاء تركياً – فرنسياً؛ فرداً على بيان أصدره قصر الإليزيه، قال فيه إن “الرئيس ماكرون يرغب في إقامة حوار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، بدعم من فرنسا والمجتمع الدولي”، ردت تركيا منتقدة بشدة، “ازدواجية المعايير الفرنسية بشأن التنظيمات الإرهابية”، ومستغربةً دعم باريس لتنظيم مصنفٍ كتنظيم إرهابي لدى عضوٍ آخر في حلف الـ “ناتو”.

التوترات التركية مع فرنسا وأميركا بخصوص سوريا، أثارت مخاوف بشأن تزايد التوتر بين أعضاء الحلف، وموقف الحلف نفسه من احتمال تصاعد توتر عسكري بين أعضائه.

للمبتدئين: نذكرك سريعاً.. ما هو الـ “ناتو”

تأسس حلف شمال الأطلسي – المعروف اختصاراً بالـ “ناتو” – في العام 1949 بمعاهدة (واشنطن 1949)، التي تقوم على الدفاع المشترك والمتبادل بين أعضائها رداً على أي هجوم خارجي، ونشأ في سياق التوتر مع الاتحاد السوفييتي، وكان منافساً لـ “حلف وارسو” العسكري السابق بين دول أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية.

ويتكون الـ “ناتو” حالياً من 29 بلداً عضواً مستقلاً في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا بينها أميركا وبريطانيا ومعظم بلدان أوروبا وتركيا وكندا.

وقام الـ “ناتو” بأول تدخلاته العسكرية في البوسنة من 1992 إلى 1995، ثم في وقت لاحق يوغوسلافيا في العام 1999، وفي أفغانستان في العام 2001، قبل أن يفرض الحظر الجوي على ليبيا في 2011.

هل يقف الـ “ناتو” متفرجاً؟

هل يمكن لدول أعضاء في حلف الـ “ناتو” أن تدخل حرباً عسكريةً فيما بينها؟

حدث هذا من قبل، لكنها كانت في الحقيقة حرباً بالوكالة بين تركيا واليونان في قبرص منتصف السبعينات.

الهجوم هو هجوم بغضّ النظر عن الفاعل

تنص المادة الخامسة والشهيرة من ميثاق الـ “ناتو”، على اعتبار أي هجوم على أي دولة من دوله بمثابة هجوم على جميع هذه الدول، لكن الميثاق لا يحدد ما الذي سيحدث إذا هاجمت دولة عضو بلداً آخر، ونحن نعلم أن الـ “ناتو” هو تحالف دفاعي لحماية الدول الأعضاء لا لدعم طموحاتها العسكرية.

وبما أن التحالفات لا تتوقع عادة أن يكون أحد أعضائها “مارقاً”، فإن الـ “ناتو” ليس لديه أي قواعد رسمية تحكم طرد الأعضاء حال قام أحدهم بمهاجمة عضو آخر. ومعاهدة واشنطن المؤسِّسة للناتو لا تقدم تمييز بناء على موقف المعتدي من الحلف أو عضويته المفترضة. الهجوم هو الهجوم، تقول المعاهدة، لكن إذا حدث توتر بين بلدين عضوين بالحلف فماذا ستفعل الدول الأعضاء؟

حسناً.. ماذا لو توقف الأمر على التوتر؟

تنص المادة الرابعة من الوثيقة نفسها على “تشاور الأطراف بعضهم مع بعض عند الشعور بتهديد سلام أو استقلال أو أمن أحد الأطراف”، وتنص المادة الثانية على “مساهمة الدول الأعضاء في تطوير علاقات السلم والصداقة الدولية، وتجنب الخلافات والتناقضات، ودعم التعاون الاقتصادي بين كل الأطراف”.

كما يفترض أن يحل ذلك التوترات الداخلية بين الدول الأعضاء بالحلف، وإلا فإن البند الخامس سيكون تطبيقه صعباً من الناحية العملية.

وتنص المادة الخامسة على الالتزام بالدفاع الجماعي عن أي دولة من دول الـ “ناتو” إذا تعرضت لاعتداء خارجي، “ويعتبر أي هجوم أو عدوان مسلح ضد طرف منهم عدواناً عليهم جميعاً، ويفعّل حق الدفاع الذاتي بشكل فردي أو جماعي، وضمن ذلك استخدام قوة السلاح”. وبهذا التعهد، تم التوقيع على المعاهدة في واشنطن في يوليو/تموز 1949.

من وجهة نظر قانونية، يبدو كما لو أن الأعضاء الآخرين ملزمون بمساعدة أي عضو تعرض لهجوم من قبل عضو آخر.

لكن لنكن واقعيين، إذا قررت الولايات المتحدة – على سبيل المثال – أن تهاجم عضواً صغيراً في الـ “ناتو”، فهل سيهرع أعضاء آخرون للدفاع عنه؟ الجواب الواقعي غالباً بالنفي.

السياسات الداخلية للدول تؤثر على الحلف الدولي

كانت المرة الوحيدة التي كان من الممكن تصوّر حدوثها خلال “ثورة القرنفل” في البرتغال في العام 1974. كانت البرتغال عضواً مؤسساً في ظل ديكتاتورية الجناح اليميني. لكن الثورة اقتربت من وضع اليسار الصعب في السلطة. ربما كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فقد قامت الولايات المتحدة بتدخلات مشابهة بالفعل في أماكن أخرى.

أيضاً، سبق أن احتج الرئيس الفرنسي شارل ديغول في العام 1966، على الدور القوي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في المنظمة وما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين بريطانيا (المنافس التاريخي لفرنسا). بدأ ديغول في بناء قوة دفاع مستقلة لبلده، وسحب الأسطول الفرنسي من قيادة الـ “ناتو” وأخرج جميع قوات الحلف من فرنسا وأغلق قواعدها.

لكن فرنسا ظلت متضامنة مع مواقف الـ “ناتو” حال هجوم “حلف وارسو” بقيادة الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، إلى أن عادت بعد أكثر من 40 عاماً من الانسحاب للمشاركة بالحلف في عهد ساركوزي في العام 2009.

تركيا واليونان.. مواجهات قديمة وجديدة

انضمت تركيا واليونان إلى الـ “ناتو” في العام 1952، في سياق الخوف من التمدد السوفييتي غرباً. وفي العام 1954 اقترح الاتحاد السوفييتي نفسه الانضمام إلى الـ “ناتو” بحجة “الحفاظ على السلام في أوروبا”، وبالطبع رفضت الدول الأعضاء الطلب، وشرع الاتحاد السوفييتي حينها في بناء حلف وميثاق وارسو.

في العام نفسه (1954)، قامت تركيا واليونان معاً بتشكيل حلف بلقاني مع يوغسلافيا هدفه التصدي للاتحاد السوفييتي، لكن سرعان ما تدهورت العلاقة بين الجارين مرة أخرى نتيجة الخلاف حول جزيرة قبرص والمواجهات حول بحر إيجه.

وتستمر المزاعم بينهما حتى الآن بانتهاك المجال الجوي والمواجهات البحرية على المياه الساحلية وغيرها، وتعتبر كل من تركيا واليونان بعضهما البعض أكبر تهديد عسكري للآخر.

فمنذ استقلال اليونان عن الدولة العثمانية في العام 1832، ظل التوتر دائماً بين الجارين، ولا يزال تاريخ الصراع العثماني – اليوناني حاضراً بعد مرور ما يقرب من قرن على الحرب التركية – اليونانية من سنة 1919 حتى سنة 1922، فشلت حينها الحملة اليونانية المدعومة أوروبياً، وتخلى حلفاء الحرب العالمية الأولى عن “معاهدة سيفر”، وبدأ التفاوض على “معاهدة لوزان” البديلة، التي اعترفت بسيادة الجمهورية التركية على أراضيها الحالية، وشهد البلدان عمليات تبادل سكان كبيرة.

الأزمة القبرصية.. حينما انسحبت اليونان من الـ “ناتو”

في 15 يوليو/تموز 1974، وقع انقلاب في العاصمة القبرصية نيقوسيا، قاده مطالبون بالوحدة مع اليونان بمساندة النظام العسكري الذي كان يحكم أثينا آنذاك. أدى ذلك إلى تدخل القوات التركية التي سيطرت على الثلث الشمالي للجزيرة في العشرين من يوليو/تموز، وظلت هذه المناطق يحكمها القبارصة الأتراك حتى الآن.

وإثر التدخل التركي، سحبت اليونان قواتها من هيكل القيادة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في العام نفسه، ولكن، وبتعاون تركي أيضاً، أعيد قبولها في العام 1980، ولا تزال التوترات بسبب الجزيرة القبرصية المقسمة أكبر عقبة بين الجارين العضوين بالناتو.

 

 

 

 

.

م.عربي بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.