أصداء الانتخابات التركية في الإعلام الغربي

أظهرت وسائل الإعلام الغربية انحيازها ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل الانتخابات المبكرة المزمع عقدها في 24 حزيران 2018 داخل تركيا، فقد وصفته مجلة “لو بوان” الفرنسية بـ “الديكتاتور”، ودعت الناخبين الأتراك المتواجدين في فرنسا إلى عدم التصويت له. وبينما كان القراء يتوقعون معرفة المزيد عن الانتخابات التركية المقبلة، فإن تأطير المقال لم يكن فقط غير ذي صلة بالموضوع، بل كان مضللاً تماماً.

وتعمدت العديد من وسائل الإعلام الغربية ومنذ الانتخابات التي جرت في تركيا سابقاً، التأثير في صوت الناخب التركي المتواجد في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، ولم ينحصر الأمر بوسائل الإعلام، بل إن الدول الأوروبية منعت المسؤولين الأتراك من التجمع مع أبناء الجاليات قبيل الانتخابات.

هذا التحيز في نقل الواقع التركي يظهر جليا في عدة أبحاث تم انتاجها في العقود الماضية تؤكد على تأثير الحكومات الغربية على وسائل الإعلام، وهذا الأمر هو نتيجة للعديد من العوامل الهيكلية والاقتصادية والعقائدية، والتي تتراوح بين ملكية النوافذ الإعلامية والروتين التنظيمي والتمسك بالنعرة الوطنية. وقد لوحظ انخفاض المعايير والقيم الصحفية المهنية في حالات عديدة، مثل التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية لما بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، عام 2003، وهذا ما حدث أيضا في التقارير الإخبارية الغربية عن الانتخابات التركية المبكرة (في 24 يونيو/ حزيران الجاري) تميل إلى التحيز والإثارة، وأحيانا تتبع خطا تشهيريا.

في ذات السياق، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تحليلاً، في 24 مايو/أيار الماضي، بعنوان “اندفاع أردوغان للسلطة يُحدث فوضى جديدة، وما يلفت الانتباه هنا هو تصوير الرئيس أردوغان كديكتاتور، في الوقت الذي يتعلق فيه الموضوع بتنظيم انتخابات حرة وتنافسية في تركيا، بالإضافة إلى إطار “الفوضى”، الذي بالغ الكاتب من خلاله في التقلب الأخير لسعر العملة التركية (الليرة)، وحاول إلصاق صفات ومواضيع سلبية بالعالم السياسي والاقتصادي لتركيا.

وحاول كاتب التحليل تصوير الدولة التركية كما لو كانت نوعًا من “جمهوريات الموز”، بدلاً من كونها دولة ذات مؤسسات قوية وأداء اقتصادي قوي، على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. ولم يكلف نفسه عناء التحقيق في أسباب الهجوم على الليرة التركية، أو يكشف هوية المتداولين الدوليين الذين يقفون وراء مثل هذه الأعمال أو دوافعهم.

وتستخدم النخب السياسية الغربية أدوات خطابية لشيطنة القوى الصاعدة والمنافسة على الساحة الدولية، كما تحدث الأكاديمي جورج لاكوف، الباحث في اللغويات المعرفية، وقد لاحظ لاكوف أن من بين الأمور الرئيسية في تطوير أجندة السياسة الخارجية الأمريكية هي اتباع استراتيجية تقوم على خطوات تبدأ بتلخيص “الأمة في شخص”، والتي من خلالها يتم تعريف أمة بأكملها بشخص قائدها، ومن ثم يتم العمل بشكل منتظم على هذه النقطة، عبر بث المشاعر السلبية ضد القائد المعني.

ويهدف ذلك إلى عدم اقتصار الأمر على الحط من قدر القائد وتقويض وضعه السياسي فحسب، بل أيضًا إضعاف معنويات مواطنيه ككل، وإثارة الشكوك حول مستقبلهم والتقدم المحرز، وتصوير كل من الزعيم والأمة بأنهما يقفان ضد مصالح الغرب.

هذا التناول المتحيز والعنصري “أحيانا” للانتخابات التركية في وسائل الإعلام الغربية يعتبر جزء من استراتيجيات واسعة لتدمير تركيا عن طريق الانطباعات السلبية التي يحاولون ترسيخها في ذهن القارئ في إطار السعي لزعزعة مفاهيمه وقناعاته عن نزاهة الانتخابات، وهو الأمر الذي أكدته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تراقب نزاهة الانتخابات في تركيا، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، وتنشر فرقا من الخبراء الدوليين في جميع أنحاء تركيا، للتحقق من تلبية الانتخابات للمعايير الدولية لإجراء انتخابات ديمقراطية، وكانت تشهد بالنزاهة لتركيا خلال الانتخابات الماضية.

ويجمع المسؤولون الأتراك على أن “وسائل الإعلام الغربية تضلل قرّاءها من خلال تقديم صورة مشوّهة لتركيا؛ ومن ثم تفشل في تقديراتها وتنبؤاتها عن الانتخابات التركية، وهذا ما أكده المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن خلال مقال نشره في جريدة الديلي صباح، لفت فيه إلى أن “كتابة سيناريوهات يوم القيامة حول الاقتصاد التركي، وتمجيد إرهابيي بي كا كا، والتزلّف لأعضاء منظمة غولن، وإفساح المجال لمزاعم لا أساس لها من جانب أعداء الرئيس رجب طيب أردوغان، اللدودين، لن تثني الناخبين الأتراك عن التصويت لصالح أردوغان في 24 حزيران”.

وأشار كالن في مقاله إلى أن الانتخابات ستكشف المعايير المنخفضة للصحافة والتعليقات السياسية عندما يتعلق الأمر بتغطية تركيا في وسائل الإعلام الغربية، لافتا أن الغالبية العظمى لوسائل الإعلام الغربية تروّج لشخصيات في المعارضة على أنها الأصوات الجديدة والبديلة.

هذه النماذج وغيرها تؤكد مدى ارتباط وسائل الإعلام الغربية بحكوماتها التي تعادي الحكومة التركية بطريقة أو بأخرى، وتدفع بالتيارات السائدة بما في ذلك الدعم الشعبي واسع النطاق نحو الهامش، وتروج للأصوات الهامشية كأنها تيار سائد، وهذا ما يدلل على أن ما تتناقله وسائل الإعلام الغربية ليس صحافة بل نشاط سياسي.

 

 

 

.

trt

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.