بعد الإشادات الدولية بها.. ما معايير إدارة أزمة كورونا في تركيا؟

أشادت منظمة الصحة العالمية والعديد من رؤساء وزعماء العالم بطريقة تعامل تركيا مع جائحة فيروس كورونا، في ظل خبرتها الواسعة في إدارة الأزمات سواء المحلية أو الدولية، مما خفف الضغط الواقع عليها في مشكلة الفيروس الذي لم تتوقعه كل بلدان العالم ويعد شكلا جديدا وصعبا من أشكال الأزمات.

فما معايير إدارة أنقرة لأزمة كورونا؟ وماذا عن الانتقادات التي وجهتها المعارضة لها في بداية الأزمة؟

وانتقدت المعارضة التركية في كثير من المناسبات ما أسمته استهتار الحكومة في تعاملها مع الجائحة وتأخرها في اتخاذ إجراءات جادة لمواجهتها، وتفضيلها للاقتصاد على صحة المواطنين.

فحزب الشعب الجمهوري انتقد تأخر فرض نظام منع التجول في عموم تركيا داعيا إلى تمديده، ونادى بذلك رئيسه كمال كليتشدار أوغلو، في حين دعا رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في وقت سابق إلى فرض منع التجول الفوري على مدينة إسطنبول كونها تضم نحو 60% من نسبة الإصابات، وأن سكانها لا يلتزمون بالعزل المنزلي والحجر الصحي الطوعي.

ورد نشطاء من الحزب الحاكم بأن حزب المعارضة الرئيسي يحاول العمل من خارج أطر الدولة، وأنه يسعى بذلك إلى إضعاف هيبة الحكومة الحالية على حساب معاناة المصابين بالفيروس.

وذكر المدون المنتسب لحزب العدالة والتنمية الحاكم إسماعيل ياشا أن الحكومة التركية لا تخفي أي معلومة حول فيروس كورونا، ولا تستطيع أن تخفيها، في ظل وجود أطباء في كافة المستشفيات ينتمون إلى المعارضة، كما أن وسائل الإعلام التركية المعارضة لن تتردد في نشر تسجيل أي إصابة بالفيروس، كما يعلن وزير الصحة فخر الدين قوجة للرأي العام تطورات الأزمة يوميا.

الإجراءات والتدابير
وتتمثل معايير إدارة أزمة كورونا في تركيا ومدى مراعاة الدولة ومؤسساتها لها في النقاط الآتية:

– وجود بنية تحتية صحية قوية، ويوجد في تركيا عدد مناسب من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، فيعمل اليوم نحو 165 ألف طبيب في وزارة الصحة وفي المشافي الجامعية والقطاع الخاص، إلى جانب 205 آلاف ممرض وممرضة، و360 ألف فرد دعم، كما شرعت تركيا بالعمل لتوظيف 32 ألف عامل جديد.

– إجراء أكثر من 30 ألف فحص خاص بفيروس كورونا يوميا.

– بخصوص الإجراءات المبكرة، أطلقت تركيا في 6 يناير/كانون الثاني مركز عمليات ولجنة علمية لدراسة الفيروس، وأعدت دليلا حوله، ثم بدأت فحوصات القادمين من الدول الموبوءة، وفي 3 فبراير/شباط أوقفت الرحلات من وإلى الصين، وأنشأت مستشفيات ميدانية على الحدود مع دول الجوار، وفي 23 من الشهر ذاته أغلقت الحدود مع إيران، وفي 29 من ذلك الشهر أوقفت الرحلات مع إيطاليا.

– ظهرت الإصابة الأولى رسميا في تركيا في 10 مارس/آذار لمواطن تركي عائد من أوروبا، وبعد ذلك بيومين تم تعليق الدراسة وإيقاف الفعاليات والمباريات والسفر الرسمي للخارج، وفي الوقت نفسه حاولت إدارة الوضع الداخلي خاصة تجاه كبار السن بحيث تصلهم احتياجاتهم الدوائية والغذائية دون الحاجة لذهابهم للمستشفيات والعيادات الطبية، كما راقبت الأسواق لمنع عمليات الاحتكار، وعند وصول عدد المصابين إلى 18 شخصا في 15 مارس/آذار أغلقت المساجد والمقاهي وأماكن التجمعات.

– بدأت القرارات تدريجية، وصولا إلى قرار وضع قيود على من هم فوق سن الـ65 ودون سن الـ20 في موضوع الخروج للشوارع، وقرار إلزام المواطنين بارتداء الكمامات في أماكن التجمعات، ومع ارتفاع أعداد المصابين حظرت الحكومة التجول الشامل لمدة يومين، ومن المتوقع أن تكرره لاحقا.

-جرى افتتاح مستشفى إيكيتللي الجديد في إسطنبول الذي يتسع لألف سرير، وقد أعلن وزير الصحة التركي وجود 100 ألف غرفة في المستشفيات التركية جاهزة لتصبح غرف عزل.

إدارة أزمة
وفي هذا السياق، قال الباحث في مركز سيتا للدراسات ونائب رئيس تحرير مجلة رؤية تركية محمود الرنتيسي، إنه كان هناك تخوفات من سرعة انتشار الفيروس في تركيا كونها من أكثر الدول استقبالا للسياح، لكن من خلال الإجراءات التي اتخذتها تبدو إدارة أزمة كورونا في تركيا جيدة ومتناسبة، وأبقت انتشار الفيروس تحت السيطرة حتى مع ارتفاع الأرقام، ولا تزال تتخذ إجراءات تقييدية لمنع تفشيه.

وبخصوص نسبة الزيادة في أعداد المصابين، ذكر الرنتيسي للجزيرة نت أن الأرقام تدل على أن الفيروس لا ينتشر بسرعة كبيرة في تركيا، حيث إن الرقم وصل إلى 33 ألف مصاب، 1300 منهم يتلقون العلاج في غرف العناية المركزة، و1100 حالة وفاة بعد مرور أكثر من شهر على اكتشاف الحالة الأولى.

ووصف خطوة إلزام ارتداء الكمامات للمواطنين بالجيدة التي ستساهم في خفض الإصابات، وكان من المفترض أن تكون أبكر من ذلك، ولعل مبادرة توزيع الكمامات مجانا على المواطنين وتوصيلها إلى عناوينهم تساهم في التزام المواطنين بها.

وأكد الرنتيسي أن تركيا حافظت من خلال القيام بإجراءات متناسبة مع تهديد الفيروس على احتوائه نسبيا، وفي الوقت نفسه استمرار عجلة الاقتصاد، ووفرت الغذاء والاحتياجات الأساسية دون إحداث بلبلة، بل رفعت مستوى المعنويات لمواطنيها، وبدلا من أن تكون متلقية للمساعدات وجهت تركيا مساعدات إلى أكثر من 17 دولة على رأسها إيطاليا وإسبانيا.

وأضاف نائب رئيس تحرير مجلة رؤية تركية “إذا ما استطاعت تركيا عبور هذه الأزمة بهذه المعايير كدولة وبالتزام المواطن التركي فسوف تترتب على ذلك آثار محلية ودولية تؤهلها للاستفادة من كونها عبرت أزمة خطيرة بأقل الأضرار”.

وزاد الباحث الرنتيسي “على مستوى التنسيق بين مؤسسات الدولة يلاحظ أن هناك تنسيقا بين الداخلية والصحة والنقل وغيرها، وقد رأينا سرعة تحرك وزارة النقل لافتتاح طرق حول مستشفى إيكيتللي الجديد، وقد جمعت مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى صباح 10 أبريل/نيسان أكثر من مليار و100 مليون ليرة تركية” (حوالي 160 مليون دولار).

.

المصدر : الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.