الأستانة 15: الثورة بعد 9 أعوام

قناعة القمة الثلاثية حول سوريا التي جمعت قادة تركيا، رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، عبر تقنية الفيديو كونفرانس في إطار اللقاء الخامس عشر لهذه الآلية ولعدة ساعات، هي أن النزاع في سوريا لن يزول إلا بعملية سياسية يقودها السوريون بتسهيلات من الأمم المتحدة.

تفترض الدول الضامنة الثلاث تركيا وروسيا وإيران أنها حققت تقدما ملموسا باتجاه حل الأزمة السورية كونها نجحت في الوصول إلى تفاهمات وقف إطلاق النار على العديد من الجبهات.

مقياس النجاح بالنسبة للرئيس الروسي بوتين في سوريا هو التمكن من تشكيل لجنة دستورية مشتركة بين الأطراف السورية تهدف إلى وضع رؤية لإصلاح دستوري للخروج من الأزمة التي تعاني منها البلاد، وبدء التوجه الفعلي نحو إعادة بناء الدولة. بوتين سعيد أيضا نتيجة “تراجع مستوى العنف في إدلب، والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية هناك”.

الرئيس أردوغان يرى أن محادثات أستانا التي بدأت في كانون الثاني 2017، ساهمت بشكل كبير في إحلال السلام والأمن والاستقرار في سوريا.

الرئيس روحاني جدد التذكير بأن تقرير مصير هذا البلد هو بيد شعبه فقط عن طريق المفاوضات السورية –السورية ومن دون أي تدخلات أجنبية رغم محاولات واشنطن اليائسة للضغط على السوريين عبر فرض إجراءات حظر أحادية ولا إنسانية جديدة باسم “قانون قيصر” بهدف الوصول إلى مآربها السياسية.

البعض يريد من السوريين أن يرحبوا “بالنجاحات التي حققتها الدول الضامنة في الملف السوري” والتي لم يعد يعيقها سوى ” ثانويات ” لتكتمل:

إحلال التهدئة في إدلب من خلال تنفيذ الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين موسكو وأنقرة في أيلول 2017، وبروتوكول آذار الماضي.

تسهيل العودة الآمنة والطوعية لملايين اللاجئين والنازحين السوريين وحماية حقوقهم، وفتح الطرق الدولية وإنهاء مسألة الجماعات المتطرفة ومعرفة مصير بعض أبراج المراقبة التركية التي تحاصرها قوات النظام المتمسك بالوصول إلى المناطق الحدودية الشمالية.

تثبيت رفض أي محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض في سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ومواجهة المخططات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتهدد الأمن القومي للدول المجاورة والحؤول دون فرض أي أمر واقع باتجاه إعلان حكم ذاتي غير قانوني.

الدول الضامنة شئنا أم أبينا نجحت مرة أخرى في الالتفاف على خلافاتها ووضع بيان ختامي يعطي كل طرف ما يريده باتجاه حماية العلاقات والمصالح المشتركة. هي ستبحث دائما عن صيغة توافقية للتنسيق والتعاون فيما بينها حتى ولو تداخل الملف السوري بالملف العراقي والليبي والخليجي واللبناني. ما سجلته من “اختراقات” في سوريا لم يعط أحد من السوريين ما يريده بعد وهو الاختراق الأهم ربما. ترحيل نقاط الخلاف مهم بالنسبة للدول الضامنة لكن احتمال ترحيل مطالب الثورة السورية والثوار لم يسقط أو يتراجع حول أن يكونا هم من يدفع الثمن.

“.. وفي هذا الصدد، دان الزعماء الثلاثة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، محذرين من أن هذا القرار يشكل خطرا على السلام والأمن الإقليميين”. مادة قد توحد السوريين رغم كل خلافاتهم ولكن عبر موقف غير سوري.

حماية التهدئة في إدلب بين الأولويات، 400 ألف سوري عادوا إلى أراضيهم، الحوار الكردي الكردي برعاية أميركية، “قيصر” هو الحل، تسريع عمل اللجنة الدستورية ضروري، الميليشيات الإيرانية ضمانة لوحدة سوريا، العملة هي رمز وطني لن نفرط به.. صورة المشهد عشية تفاهمات الأستانة هي على هذا النحو فما الذي يقوله الشعب السوري الثائر على نظامه منذ 9 سنوات؟

واشنطن عادت للدخول بقوة على خط الأزمة لكن رسائلها لموسكو في ليبيا تختلف تماما عما تقوله في سوريا. هدفها هو حماية حصتها وحصة شركائها المحليين هناك وهم إزاحة النظام واحترام مطالب الثورة يتراجع إلى المقعد الخلفي.

لا أحد يقبل أن تكون الثورة انطلقت من أجل الوصول إلى ما هي عليه اليوم ويريد البعض إقناع السوريين بها. أما أن يتحرك أنصار الثورة الحقيقية لاسترداد زمام الأمور والمبادرة وإعادتنا إلى أهداف الانطلاقة بسلميتها وحماسها وروحها التي لم تنطفىء في نفوس المطالبين بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية الحقيقية وإما أن نقول إن الفيروس قد يكون أفضل من انتظار قمة طهران المرتقبة إذا ما كانت ستعيد على مسامعنا بيانات الترويكا التي تكرر نفسها منذ عامين.

.

بواسطة/ د. سمير صالحة 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.